سميرة عثمان.. مأساة التهجير وحق العودة إلى الدامون  

قالت المهجرة المسنة سميرة عثمان لـ"عرب 48" إنه "أرغب بالعودة إلى بلدي الدامون، وأن أعيش ما تبقى من عمري فيها حتى لو كان في خيمة متواضعة".

سميرة عثمان.. مأساة التهجير وحق العودة إلى الدامون  

سميرة عثمان تروي مأساة التهجير في الدامون (عرب 48)

تأبى ذاكرة الحاجة سميرة عثمان من مواليد العام 1936 في قرية الدامون المهجرة ومن سكان مدينة طمرة إلا أن ترسم الذاكرة الوطنية التي حملتها من مسيرة حياتها في الدامون التي امتدت على 11 عاما قبل تهجيرها، ومسيرتها في شق درب الآلام، لتنقلها بإصرار ووفاء إلى الأحفاد والأجيال الصاعدة، إيمانا بحقها وحلمها الذي لا يفارقها بالعودة إلى الدامون.

وقالت المهجرة المسنة سميرة عثمان لـ"عرب 48" إنه "أرغب بالعودة إلى بلدي الدامون، وأن أعيش ما تبقى من عمري فيها حتى لو كان في خيمة متواضعة".

وقفت على أطلال قريتها التي رغم طمس معظم معالمها إلا أن ذاكرتها أخلصت لقضيتها في الرسوخ بالعقل، كجذر زيتونة زرعتها ووالدها في بلدتهم المهجرة، وروت لي من عبق الذاكرة مستشهدة بشواهد المقبرتين الإسلامية والمسيحية وعين الماء، ومعالم البابور، وحاووز السقاية، لإثبات هوية هذه القرية في خارطة فلسطين التاريخية.

مضى نحو 85 عاما من عمر الحاجة عثمان التي أكدت بأن المرأة هي الأساس في بناء الإنسان والوطن، وفي التضحية من أجل تحقيق حق الفلسطينيين في العيش بكرامة في وطنهم، ربت بنات وأبناء مثقفين، نشأوا على الارتباط بالأرض وحمل مسيرة والدتهم في الاعتماد على الذات.

رافقتنا الدامون بنسائمها المبشرة بربيع العودة، جلسنا والمهجرة المسنة، روت ذكريات من الدامون التي في كل مرة تدخلها تشعر بمناجاة القرية لروحها، تطالبها بعدم الرحيل علها تشفى من شوقها لأهلها.

وقالت ابنة الدامون إنه "عشت وحيدة أبي الفلاح وأمي الخياطة لمدة 11 عاما حتى وُلد أخي، فنشأت على تحمل المسؤولية من صغري، أحرث أرضنا ‘المرزات’ في الدامون مع والدي، أركب الخيل صباحا وأذهب لأجلب الماء من بئر ‘دعوء’ ثم أعود إلى أبي مسرعة فنسقي الدواب والمواشي خاصتنا وأذهب لأقطف أعشاب البرسيم لإطعامها، ثم أواصل المسير مع والديّ إلى كروم التين والعنب، نعتني بها ونقطف ما نضج منها، وأذهب لتوزيع ما قطفناه على الأصدقاء والأحباب، ثم نعود إلى البيت لأبدأ مرحلة مساعدة الأم في تحضير الطعام والعمل المنزلي، والمشاركة في الواجبات الاجتماعية مع أهالي القرية. كان برنامج والدي الفلاح حافلا، أذكر أنه قضيت يوما شاقا بالعمل في زراعة كرم زيتون برفقته".

الحاجة سميرة عثمان: أعيدونا إلى الدامون

أكثر ما يملأ فؤاد الحاجة عثمان هو فيض شوق للحياة الاجتماعية في بلدتها، قالت إنه "أحن إلى أفراحنا في الدامون، إذ كانت الحياة تشاركنا حلوها ومرها، نزف العرسان سوية كعائلة واحدة، ونشارك الأتراح كأخوة. أذكر عندما مسكت أمي بيدي ذهابا من قرية الدامون وصولا إلى قرية الرينة مشيا على الأقدام لنجلب عروسا لابن جارنا. ليت عقارب الزمن تعود إلى لوراء ليدرك الناس متسع الأمن والأمان الذي أحاطنا، لم نعرف العنف ولا الجريمة، عشنا حياة آمنة بمودة ومحبة".

وأكدت أن "الكنيسة في قرية الدامون فتحت أبوابها للبنات للدراسة، لكن النكبة كانت أقرب لتسلب منهن حقهن بالتعلم الذي كان يوما واحدا فقط على أيدي راهبات الكنيسة، التي فتحت أبوابها لأهالي القرية جميعا فشربوا من بئرها وتعلموا في أروقتها. استجاب أهالي القرية لدعوة الراهبات لتعليم البنات في الكنيسة، لكنه في اليوم التالي للتعليم تهجرنا إلى طمرة وبدأت رحلة المشقة مع التهجير والنزوح. استقبلنا أهالي طمرة في الحارة الفوقة، تاركين الدامون تبكينا ونشتاقها على أمل العودة فلم نحمل شيئا معنا من هناك، إذ أنه من شدة الخوف بعد استشهاد والد وابنته من عائلة مرشد نتيجة إصابتهما بقنبلة ألقتها عصابات صهيونية على الحي الشرقي للقرية، أذكر أنه تركت أم طفلها يبكي في سريره وخرجت من القرية، وأتبع ذلك الرعب الذي نشرته العصابات الصهيونية بعد تهجير قرية البروة المحاذية لنا. وما أن وصلنا طمرة وإذا بالأخبار تذاع حول دخول عصابات صهيونية إى طمرة فخرجنا مع أهالي طمرة إلى منطقة الصنيبعة لمدة سبعة أيام، نفترش الأرض ونحن دون طعام وماء، وأذكر أن امرأة ولدت طفلها خلال مكوثنا هناك، كان يضطر والدي للذهاب خفية على صهوة حصانه من الصنيبعة إلى كروم الدامون ليحضر ما يمكنه من ثمار العنب والتين، تحت خطر تعرضه للاستشهاد على يد الصهاينة".

"11 عاما في الدمون"

وتابعت المهجرة أنه "بعد أسبوع عدنا من الصنيبعة إلى طمرة، حمل والدي شلن واحد وقتها، ذهبت لأشتري بيضا من دكان خالتي فاطمة الصالح، وقد عجنت أمي وخالتي الخبز لنأكل. بعد إيوائنا من قبل عائلة مريح وعائلة مجدوب لفترة من الزمن، قرر والدي بناء بركية بجانب المقبرة في الحارة الفوقة، كنت أمشي مسافة كيلومتر أحمل الحجارة على رأسي كي نتمكن من بناء الأرضية، إلى أن تمكنا من شراء بيت والانتقال إليه".

لم تفوّت الحاجة سميرة يوما مشاركة في النشاطات الوطنية، إلى أن بلغت الكبر فلم يعد جسمها يقوى على النشاط الذي يحتاج جهدا، فاختارت لنفسها نشاطا مميزا وهو تجذير أمل العودة في أفئدة وفكر الأجيال لجميع المُهجرين من أرضهم، فتراها تستقبل الوافدين إلى قرية الدامون، تخبرهم عن معالم القرية وتاريخها والعائلات التي سكنتها، مؤكدة حق أهلها بالعودة إليها، وأن الحق لا يضيع بالتقادم ومرور الزمن.

التعليقات