"مستعربون" لمكافحة الجريمة في البلدات العربية.. دلالات وتداعيات

إعلان حرب على المجتمع العربي، وتكريس لسياسة التعامل مع المواطنين العرب بعقلية أمنية وعسكرية، وتأكيد على أن المؤسسة الإسرائيلية ما زالت تتعامل مع العرب بالداخل كما تعاملت معهم خلال فترة الحكم العسكري

عناصر وحدة "مستعربين" يعتقلون مواطنا فلسطينيا (تصوير: شرطة الاحتلال)

أجمعت الفعاليات السياسية والحقوقية وجمعيات المجتمع المدني في المجتمع العربي رفضها لقرار المؤسسة الإسرائيلية إقامة وحدة للـ"مستعربين" لمكافحة العنف والجريمة في البلدات العربية، وشددت على موقفها المبدئي عدم التعامل مع القرار الذي يثر الكثير من الشبهات والتساؤلات بشأن الأهداف المبطنة التي تكمن خلفه.

وحذرت الأطر والهيئات العربية من دلالات وتداعيات الزج بعناصر وحدة "المستعربين" في البلدات العربية، الأمر الذي من شأنه أن يحدث ردة عكسية، ويحول المجتمع العربي لحالة من المواجهة والصدام الدموي مع أذرع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المختلفة، ويشرعن سياسة سهولة الضغط على الزناد، وسقوط المزيد من الضحايا العرب بنيران الشرطة.

وأجمعت على أن القرار يأتي سعيا من المؤسسة الإسرائيلية لإعفاء ذاتها من مسؤوليتها في الحد من فوضى السلاح، والتغطية على التواطؤ مع عصابات الإجرام، والتنصل من مسؤولية مكافحة العنف والجريمة المنظمة، وسط تقاعس الشرطة عن فك رموز الجرائم التي تشهدها البلدات العربية.

نظامان لتطبيق القانون؛ واحد في البلدات العربية وآخر في سائر البلدات (تصوير: الشرطة الإسرائيلية)

وأكدت أن هذا القرار عنصري ويقع ضمن خانة التمييز العرقي، خصوصا أنها ستعمل فقط في البلدات العربية إذ يتم اعتماد نظامين لتطبيق القانون، واحد في البلدات العربية وآخر في سائر البلدات، وهذه إحدى خصائص أنظمة الفصل العنصري (أبرتهايد) المحظورة في العالم والتي تخالف القانون الدولي.

وتوجه مركز "عدالة" برسالة إلى المستشار القضائي للحكومة والمفتش العام للشرطة ووزير الأمن الداخلي، طالب من خلالها العدول عن إقامة وحدة "مستعربين" في البلدات العربية، لما فيه من خطورة على المواطنين العرب واستمرار نهج العداء ضدهم، موضحا أن "هذا القرار غير قانوني".

إعلان حرب

المحامي فؤاد سلطاني ("عرب ٤٨")

واعتبر الناشط السياسي، المحامي فؤاد سلطاني، أن قرار الزج بوحدة "المستعربين" لمكافحة العنف والجريمة، بمثابة إعلان حرب على المجتمع العربي ككل، وتكريس لسياسة التعامل مع المواطنين العرب بعقلية عسكرية وكأنهم أعداء، ما يؤكد أن المؤسسة الإسرائيلية ما زالت تتعامل مع العرب بالداخل كما تعاملت معهم في فترة الحكم العسكري.

وشدد على أن من يريد مكافحة العنف والجريمة عليه أولا أن يحارب سياسة التجهيل، والاستثمار بجهاز التعليم الذي يعاني من أزمة عميقة وتمييز صارخ منذ قيام الدولة وحتى يومنا هذا.

وأضاف المحامي سلطاني في حديثه لـ"عرب 48"، أن قرار إقامة وحدة "المستعربين" والاستعانة بعناصرها لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، الذي هو ضحية ورهينة لجرائم إطلاق النار وسفك الدماء وعصابات الإجرام، يظهر وكأن المواطنين العرب بحالة حرب مع الشرطة الإسرائيلية التي تسعى دائما للتنصل من مسؤوليتها.

ورأى سلطاني أن هذا القرار سيضع المجتمع العربي في دوامة المواجهة والتصعيد مع الأذرع الأمنية، وسيكون المواطنين العرب ضحية لسياسة سهولة الضغط على الزناد، وهذه المرة تحت غطاء مكافحة الإجرام.

"رِدة عكسية"

وحذر سلطاني من تداعيات هذا القرار الذي من شأنه أن يزج كافة المواطنين العرب بدوامة ما تُصوره الشرطة الإسرائيلية على أنه حرب مع عصابات الإجرام، التي تهدد أمن وسلامة المواطن العربي، الذي ما عاد يأتمن على حياته وحياة أفراد عائلته حتى داخل منزله.

وأبدى مخاوفه من أن هذا القرار سيؤدي إلى وضع المجتمع العربي بأسره في قفص الاتهام ودائرة العنف والجريمة، ولذلك يتم الاستعانة بـ"المستعربين" في محاولة للتنصل من المسؤولية، والتغطية على تقاعس وتخاذل الشرطة الذي يصل لحد التواطؤ مع عصابات الإجرام.

(تصوير: الشرطة الإسرائيلية)

وتكمن خطورة قرار الاستعانة بوحدة "المستعربين"، وفقا لسلطاني، بإمكانية "حدوث رِدة عكسية تُبرر بأخطاء التشخيص والتعامل، ما يعني تدهور وضع الأمن الشخصي للمواطنين العرب لمنزلق خطير جدا، تكون من خلال مشاهد لمواجهات وصدامات دموية بين عناصر الوحدة وشبان أو مواطنين عرب عاديين يتم ملاحقتهم ومطاردتهم تحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة".

وبالتالي ليس من المستبعد، أضاف سلطاني، أن "يقتل مواطنين عرب برصاص عناصر وحدة المستعربين، وعندها يتم شرعنة قتل المواطنين العرب برصاص الأجهزة الأمنية بذريعة الجهود لمحاربة عصابات الإجرام".

أهداف خفية

وعليه، يشكك سلطاني في جدوى الاستعانة بوحدة "المستعربين" للقضاء على العنف والجريمة التي تعتمد في نشاطها على الخفاء والتستر وعنصر المفاجئة، ويعتقد أن الأهداف الخفية هي "ترويض المواطنين العرب".

واستبعد إمكانية أن يسهم ذلك بالقضاء على فوضى السلاح، "بل سيسهم ذلك بتغذية العنف والجريمة لتأخذ معالم جديدة تؤدي إلى تفاقم الإجرام وتُغرق المجتمع العربي والشبان العرب في مستنقع الدماء".

وأشار إلى أن "الشرطة على دراية تامة بتحركات ونشاطات عصابات الإجرام سواء بالترويج للسلاح الذي يتم الحصول على غالبيته من مستودعات الجيش أو حتى بجرائم إطلاق النار وجرائم القتل التي يتم توثيق معظمها بكاميرات المراقبة المنتشرة في البلدات العربية".

وبالتالي، شدد سلطاني على أن "الزج بعناصر وحدة المستعربين يتكشف عنه أهداف خفية تنم عن عقلية أمنية وعسكرية بالتعامل مع المواطنين العرب".

موقف رافض

المحامي مضر يونس

بدوره، أكد رئيس اللجنة القطرية، المحامي مضر يونس، رفضه ومعارضته الشديدة لتوظيف وحدة "المستعربين" تحت غطاء مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، وذلك بسبب التداعيات السلبية لهذه الوحدة على المجتمع العربي.

وأوضح أنه سيجري مشاورات وسيدعو إلى جلسة للجنة القطرية وكافة الهيئات والفعاليات الناشطة، بهدف التباحث بالتطورات واتخاذ موقف موحد ضد الزج بـ"المستعربين" في البلدات العربية.

وأكد رئيس اللجنة القطرية لـ"عرب 48" أنه لم يتم طرح فكرة الاستعانة بوحدة "المستعربين" من قبل الطواقم الحكومية وقيادة الشرطة خلال المشاورات والاجتماعات التي عقدت مع وفد اللجنة القطرية حول الخطة الحكومية لمكافحة العنف والجريمة.

وقال إن الشرطة ذكرت أنها ستستعين بوحدات خاصة لمكافحة العنف والجريمة دون أي ذكر لطبيعة تلك الوحدات ودون ذكر اسم وحدة "المستعربين".

العقلية الأمنية

وأشار المحامي يونس إلى أن ترويج المؤسسة الإسرائيلية لفكرة الاستعانة بعناصر وحدة "المستعربين" لمحاربة الجريمة في البلدات العربية، يعزز الشكوك لدى القيادات والمجتمع العربي بأن "المؤسسة الإسرائيلية غير معنية بالقضاء على الإجرام الذي يهدد المجتمع العربي"، كما أن ذلك "يثير ويكشف عن خفايا وحقيقة نوايا الحكومة الإسرائيلية من وراء توظيف وحدة المستعربين".

كيف يمكن لوحدة ذات عقلية أمنية وعسكرية أن تعالج قضية مدنية؟ ("عرب ٤٨")

واستبعد رئيس اللجنة القطرية أن تسهم وحدة "المستعربين"، التي تستخدم أصلا في المناطق المحتلة عام 1967 لتنفيذ عمليات الاعتقال والتنكيل بالناشطين الفلسطينيين، بتقليل مظاهر العنف ومن محاصرة عصابات الإجرام والقضاء على نشاطها، متسائلا: "كيف يمكن لوحدات ذات عقلية أمنية وعسكرية أن تعالج قضية مدنية واجتماعية وتحارب العنف والجريمة وفوضى السلاح وضبط الأشخاص الذين يتاجرون بالسلاح ويرتكبون جرائم القتل؟".

وعليه، يجزم رئيس اللجنة القطرية بأنه "لن يكون هناك أي جدوى وأي نجاعة من عمل وحدة المستعربين المبطن لمكافحة العنف والجريمة في البلدات العربية".

انعدام الثقة

وحذر من التداعيات السلبية لهذه الوحدات وما سينتج عن ممارسات لها في المجتمع العربي، مستذكرا نهج وممارسات الشرطة في طمرة وأم الفحم وحيفا التي أفضت إلى صدام ومواجهات وضحايا، لمجرد الاحتجاج المطالب بتوفير الأمن والأمان للمجتمع الذي يصرخ عاليا مطالبا الشرطة القيام بدورها، وواجبها في إنفاذ سلطة القانون، والقضاء على العنف والجريمة.

وأوضح يونس أن الترويج لفكرة الاستعانة بـ"المستعربين" لمعالجة ملف العنف والجريمة يثير الكثير من التساؤلات حيال القصد الذي ما زال مبهما من وراء نشر وحدة "المستعربين"، وكذلك يصوب مجددا أصابع الاتهام للشرطة بتقاعسها عن مكافحة العنف والجريمة، وهو ما يجدد من موقف القيادات والجماهير العربية ويعزز من عدم ثقتها بالحكومة الإسرائيلية والشرطة والقرارات والخطط الرسمية التي تأتي تحت مسميات مكافحة العنف والجريمة.

نهج "العجين"

المحامي حسين أبو حسين ("عرب ٤٨")

ذات الموقف تبناه المحامي حسين أبو حسين، الناشط بالعديد من جمعيات المجتمع المدني في المجتمع العربي، ووصف تعامل الشرطة مع ملف العنف والجريمة في البلدات العربية بـ"العجين"، حيث يعتقد أن الشرطة تقوم بعجن هذا الملف وتقسيمه وتوزيعه.

وأشار إلى أن القانون المدني الذي يعالج العنف والجريمة، مطاطي، ويمكن توظيفه واستخدامه وحتى تفسيره بمنطلقات متعددة ومختلفة بموجب تحقيقات ورغبات سلطات إنفاذ القانون التي تتحمل جميعها المسؤولية عن فوضى السلاح واستفحال جرائم القتل وآفة العنف في البلدات العربية.

وتساءل أبو حسين في حديثه لـ"عرب 48" عن معاني ودلالات الاستعانة بوحدة "المستعربين" تحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة في البلدات العربية، مستذكرا أن هذه الوحدة تستخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ما يؤكد أن التلويح باستخدامها والاستعانة بها بالبلدات العربية في أراضي 48، ينم عن عقلية تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع المواطنين العرب كعدو ومن منظور الذهنية والعقلية الأمنية.

تجارب الماضي

ولفت إلى أن حكومة أرئيل شارون عندما قررت القضاء على عصابات الجريمة في البلدات اليهودية عام 2005، رصدت الميزانيات واستعانت بالوحدات الخاصة للشرطة، ولم تزج بـ"المستعربين" أو وحدات عسكرية قتالية بين المواطنين اليهود.

وفند أبو حسين مزاعم الشرطة حيال عدم قدرتها على الحد من العنف والجريمة، وتذرعها بعدم نجاحها بالقيام بذلك بسبب عدم تعاون المواطنين العرب، قائلا: "ليس وظيفة المواطن الذي يبحث عن الأمن والأمان أن يكون مخبرا لسلطات إنفاذ القانون".

(تصوير: الشرطة الإسرائيلية)

وأضاف أن "التجارب أثبتت أنه لا يوجد جريمة، لا يمكن اكتشافها وفك رموزها بظل التقنيات والآليات التكنولوجية، وهي الآليات التي استخدمت بظل جائحة كورونا لتبليغ المواطنين عبر هواتفهم الذكية بأن عليهم التواجد بحجر صحي بعد أن خالطوا بهذا اليوم وتلك الساعة مصابا بفيروس كورونا، إذا كيف يمكن للشرطة عدم معرفة من يروج للسلاح ويرتكب جرائم القتل والعنف؟".

مشاهد الضحايا

وعليه، يؤكد أبو حسين أن مختلف أذرع المؤسسة الإسرائيلية تعي وتعرف أصغر التفاصيل عن فوضى وتجارة السلاح التي تعتمد أصلا على سرقة الأسلحة والذخيرة من مستودعات الجيش الإسرائيلي، وهو ما يتم التغاضي عنه.

وبالتالي، يقول أبو حسين، إن "سلطة إنفاذ القانون الإسرائيلية متورطة وتتحمل كامل المسؤولية عن العنف والإجرام في المجتمع العربي، وعليه لا يمكن التعويل على مؤسسات الدولة الرسمية للقضاء على آفة العنف والجريمة التي تهدد الأمن المجتمعي للمواطنين العرب".

وحذر أبو حسين من تداعيات الزج بعناصر وحدة "المستعربين" في البلدات العربية تحت مظلة مكافحة العنف والجريمة، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى صدام والمزيد من الضحايا العرب برصاص عناصر هذه الوحدة.

وختم بالقول: "ستتكرر مشاهد في البلدات العربية من قبيل: إنسان عادي يسافر في سيارته يعترضه شخص بزي مدني ويشهر بوجهه السلاح، كيف لهذا المواطن العادي أن يعرف وأن يميز بأن من اعترض طريق شرطي متخفي أو عنصر من وحدة المستعربين؟".

التعليقات