مغار الخيط.. حكاية قرية مهجرة

في فلسطين قرى تسمى بمغار منها قرية المغار في قضاء الرملة، وقرية مغار حزور الواقعة على سفح جبل حزور القريبة من بحيرة طبرية، وقريتنا مغار الخيط الواقعة بجوار بحيرة الحولة.

مغار الخيط.. حكاية قرية مهجرة

قرية مغار الخيط من الجهة الغربية (تصوير: مقبولة نصار)

في فلسطين قرى تسمى بمغار منها قرية المغار في قضاء الرملة، وقرية مغار حزور الواقعة على سفح جبل حزور القريبة من بحيرة طبرية، وقريتنا مغار الخيط الواقعة بجوار بحيرة الحولة.

سميت بمغار لأن فيها مغاور كثيرة. ومن معاني الخيط الأرض المستوية، أو الجماعة من النعام والبقر والجراد. من الجدير بالذكر أنه في بداية العهد العثماني لم تحتو مكونات الضرائب المجبية من قرية مغار الخيط على فرع البقر. بينما فرع الماعز كان ضعيفًا جدًا. في نفس المنطقة أرض أخرى تسمى مغر الخيط أو مغر الدروز لأن سكانها جاءوا من قرية بيت جن التي تبعد نحو 30 كم.

تقع قرية مغار الخيط على السفح الشرقي لجبل كنعان إلى الشمال الشرقي من قرية الجاعونة (روش بينا). في شمالها قرية القباعة وفي جنوبها قرية فرعم. وهي إلى الجنوب من مستعمرة نجمة الصبح (أيلييت هاشاحر)، وإلى الشمال الغربي من قرية طوبا الزنغرية. على ارتفاع 500 متر عن سطح البحر.

مغارة بالقرب من معصرة الزيت (تصوير: مقبولة نصار)

في عام 1596 م كانت قرية مغار الخيط تابعة لناحية جيرة من لواء صفد. بلغ عدد دافعي الضرائب فيها 17 من المتزوجين، وعليه يقدر عدد السكان بـ17x5=85 نسمة. اعتمد السكان على زراعة الحنطة والشعير والسمسم وأشجار الفاكهة، وقليل من الماعز. في عام 1863 زار الرحالة الفرنسي، فكتور جيرين، القرية وقال إن فيها مغاور كثيرة ومدافن، وعدد سكانها 300 نسمة.

كان في مغار الخيط في عام 1922 م 235 نسمة. بلغوا في عام 1931 م 343 نسمة منهم 164 ذكرًا 179 أنثى. في عام 1945 ارتفع عددهم إلى 490 نسمة. في عام 1948 م قُدّر عددهم بـ568 نسمة. من بين عائلات القرية: آل بركة الذي شكلوا نصف سكان القرية وامتلكوا معظم أراضيها، وتزعمهم محمد حاج أمين بركة. ودار أسعد الذين شكلوا ربع السكان وتزعمهم محمد الأسعد. في الحارة الشمالية سكن آل الشيخ أحمد الحاج، آل بقاعي، آل أسعد، آل القادري. في الحارة القبلية سكن آل إعمر (عمر) منهم آل عبد الكريم والمصالحة. وفي الحارة الفوقانية آل يونس، وبيت الحاج، وآل الشياطي.

في أواخر عهد الانتداب كان مختار مغار الخيط، مصطفى الشيخ أحمد بركة، كما كانت في القرية لجنة قومية من بين أعضائها إبراهيم علي زينة. كانت العلاقات بين العائلات حسنة، كما سادت علاقات حسن جوار مع القرى المجاورة.

معصرة الزيت (تصوير: مقبولة نصار)

في سنة 1945 بلغت مساحة أراضي مغار الخيط 6726 دونمًا. معظم أراضيها كانت صالحة للزراعة. منها 573 دونمًا بساتين مروية، 540 دونمًا مغروسة بالزيتون. كانت في القرية معصرتان. واحدة لآل الصباغ، وأخرى لآل الأسدي. حصلت القرية على احتياجاتها من الماء من عين الطنطاوي، وهي العين الوحيدة في مغار الخيط. كما يقع إلى الشمال من القرية وادي الوقاص وهو واد موسمي تجري مياهه في الشتاء، وبشكل متقطع في الربيع. عاش السكان على الزراعة وتربية المواشي، والتجارة والتهريب من سورية.

كان في مغار الخيط مسجد وله أوقاف، وإمامه الشيخ محمد يحيى بركة. ومقام مقدس للمسلمين هو مقام الشيخ محمد البشر.

تعد القرية ذات موقع أثري يحتوي على بقايا مبان وعضادات أبواب ومغر ومدافن منقورة في الصخر وأعمدة ومعصرة زيت.

في الثاني من أيار/ مايو 1948 بدأت قوات من كتائب "البلماخ" و"غولاني" بعملية أسمتها "يفتاح" لاحتلال صفد والقرى الواقعة إلى الشمال من بحيرة طبرية. في ذلك اليوم بدأت المدفعية بقصف قرى فرعم ومغار الخيط وقباعة بقصد تهجير أهلها. في 11 أيار 1948 دخلت سرية يهودية قرية مغار الخيط بعد أن نزح سكانها جراء القصف، وأعلنت عنها منطقة عسكرية محظور الدخول إليها بموجب قانون الطوارئ الصادر عام 1945. يعيش مهجرو القرية، اليوم، في لبنان وسورية.

لم يبق لمغار الخيط أي أثر باستثناء حقول الزيتون، وبقايا معصرة الزيت، ونباتات الصبار. وقد أقيم على أنقاض القرية كيبوتس "محانايم" وضم جزء منها إلى بلدة "حتسور" الجليلية.

مغر الخيط:

بعد احتلال قرية مغار الخيط، استمر أهالي بيت جن في جمع محاصيلهم من أرض مغر الخيط. كان هؤلاء يملكون 6500 دونمًا منها 2000 دونم في الوعر. كلها مشاع أي مسجلة في الطابو لصالح جميع أهالي بيت جن، ذكورًا وإناثًا، على حد سواء. سميت هذه الأرض بأرض الخيط أو مغر الدروز. في عام 1949 حظر على أهالي بيت جن الدخول إلى أرض الخيط بحجة كونها منطقة عسكرية مغلقة لأسباب أمنية بموجب قانون الطوارئ الصادر سنة 1945، وقانون ضروريات الأمن الصادر سنة 1949 م. كانت أرض الخيط مصدر رزق لأهالي بيت جن، فهي محطبهم، وفيها مراع لماشيتهم، وأرضًا لزراعتهم. في سنة 1953 صدر قانون ينص على مصادرة كل أرض لم يفلحها صاحبها خلال سنة 1952، ولما كان أهالي بيت جن قد منعوا من دخول أرض الخيط، فقد اعتبروا غائبين، وعليه صودرت الأرض وفق قانون الغائب الحاضر! ثم سرعان ما نقلت السلطة أرض الخيط إلى سلطة وهمية اسمها "سلطة التطوير".

ما انفك أهالي بيت جن عن المطالبة بحقوقهم في أرض الخيط. في أيلول/ سبتمبر عام 1959 واجهوا الجرارات الزراعية بصدورهم العارية، ولكن السلطة رفضت السماح لهم بزراعة أرضهم في الخيط، واقترحت عليهم مبادلة أرضهم بأخرى من أراضي اللاجئين في قرية الرامة وما جاورها، أو التعويض المالي، ولكن أهالي بيت جن رفضوا هذا الاقتراح. في اجتماع انتخابي في قرية جولس صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بن غوريون، في حينه عن نية حكومته في إعادة أرض الخيط لأهالي بيت جن، ولكنه عاد وتنكر لمطالبهم. لم يبق أمام "دائرة أراضي إسرائيل" سوى زيادة نسبة التعويضات من 40 ليرة إلى 150 ليرة.

في سنة 1960 رضخ قسم من الأهالي للسلطة وقبل بالتعويض أو المبادلة رغم عدم حصولهم على طابو.

لقد انقسم الأهالي في بيت جن إلى فريقين: فريق معارض وفريق مؤيد. في شهر آب/ أغسطس 1960 شبت نار الفتنة في القرية ونشبت شجارات لا تحمد عقباها.

من الجدير بالذكر أن قسمًا من أهالي بيت جن بقي متمسكًا بحقه في أرض الخيط، حتى سنة 2012.

التعليقات