جمعيات نسوية: مرتزقة العنف والجريمة في المجتمع العربي تحت حماية ودعم السلطات

مديرتا "كيان" و"نساء ضد العنف": "ما ورد في تقرير مكتب مراقب الدولة أكد ما تحدثنا عنه طيلة الوقت عن إخفاق السلطات الإسرائيلية في منع العنف داخل العائلات وجرائم قتل النساء".

جمعيات نسوية: مرتزقة العنف والجريمة في المجتمع العربي تحت حماية ودعم السلطات

وقفة احتجاجية ضد تعنيف النساء في المجتمع العربي (أرشيفية)

لم يكن تقرير مراقب الدولة عن إخفاق السلطات الإسرائيلية في منع العنف داخل العائلات وجرائم قتل النساء، والذي صدر أول من أمس الأربعاء، مفاجئا للجمعيات النسوية التي تعمل لمحاربة العنف ضد المرأة في البلاد.

وأكدت مديرة "كيان- تنظيم نسوي"، رفاه عنبتاوي، ومديرة جمعية "نساء ضد العنف"، نائلة عواد، لـ"عرب 48" أن "ما ورد في تقرير مكتب مراقب الدولة أكد ما تحدثنا عنه طيلة الوقت عن إخفاق السلطات الإسرائيلية في منع العنف داخل العائلات وجرائم قتل النساء".

وقالت عنبتاوي إن "تقرير مراقب الدولة لم يكن مفاجئا لنا، لأن هذا التقرير يعكس الواقع بحذافيره، إذ تناولت دراساتنا المعمقة في العامين المنصرمين، الجانب المجتمعي والذكوري، فالذكر في مجتمعنا يسن القوانين ويشرعها، يضع ضوابط على تحركات وحياة المرأة، ويتعامل مع العنف على أنه حالة طبيعية، وفي المقابل فالتقرير يسلط الضوء على إخفاق مؤسسات الدولة بشكل واضح في معالجة هذه الظاهرة، فيلتقي التقرير مع المعطيات التي حصلنا عليها في وقت سابق والتي تتماهى مع هذا التقرير، مع عدم قدرة الدولة حاليا على إنكار حقيقة العنف، فكانت هناك محاولات لتجميل صورة الواقع، حتى أن المعطيات المعطاة لنا من قبل الشرطة والنيابة العامة في السنتين الأخيرتين والتي هي منقوصة بطبيعة الحال، تتضمن إنكار اللجان والمختصين لحقيقة المسألة، إلا أن التقرير الأخير جاء ليؤكد ما قلناه سابقا، وسلط الضوء عليه، فيما يتعلق بالنساء بشكل عام، والنساء العربيات بشكل عام، واللواتي يشكلن ضعفي عدد المعنفات في الدولة".

"25 ألف امرأة بحاجة لعلاج نفسي"

وأضافت مديرة "كيان" أن "إخفاق مؤسسات الدولة والوزارات والشرطة في مواجهة ظاهرة العنف ضد المرأة، يعود برأينا لعدم وجود إرادة سياسية حقيقية من قبل الدولة، وخاصة في المجتمع العربي، والمعطيات التي بين أيدينا تؤكد على ذلك، أيضا هناك معطى تحدث عنه التقرير بأن هناك 25 ألف امرأة بحاجة لعلاج نفسي، قدم لـ38% منهن العلاج بمراكز خصصت لهذا الشأن، ولا يعلم شيء عن أماكن علاج بقية النساء! وهناك معطى آخر هام، إذ أن نسبة الرجال الذين يتم علاجهم من الأمراض النفسية المقضية لارتكابهم العنف، قليلة جدا، ومن هنا يتوجب علينا الدعوة إلى التركيز على العلاج النفسي للرجال المعنفين للمرأة. معطى خطر آخر ورد في التقرير هو أنه في العام 2019 توجهت 23 ألف امرأة عربية إلى مراكز للشرطة لإخبارها بتعرضهن للعنف، إلا أن 6500 فقط منهن قامت الشرطة بتحويلهن لمراكز العلاج، ولا يعلم كيف تمت معالجة البقية!".

وفاه عنبتاوي

"السلطات المحلية العربية تفتقر لقدرات لاستغلال الميزانيات بالطريقة المناسبة"

وعن المعطيات حول الميزانيات فأشارت عنبتاوي إلى أن "10% فقط من الميزانية المخصصة للنساء بعد خروجهن من الملاجئ تم استغلالها فقط، وهذا يدل أن الموضوع لا يتعلق فقط بحجم الميزانيات، بل يتعلق أيضا بالقدرة على استغلال الميزانيات على النحو الواجب بشكل عام، وفي السلطات المحلية العربية بشكل خاص، سيما فيما يتعلق بمكاتب الشؤون الاجتماعية، ومن تجربتنا الشخصية نؤكد أنه لا توجد لدى السلطات المحلية العربية قدرات كافية بشرية أو معرفية لاستغلال هذه الميزانيات بالطريقة المناسبة. إن ضخ الأموال لا يكفي وحده لمواجهة ظاهرة العنف، بل يجب أن تكون متناسبة مع الاحتياجات المطلوبة، بما في ذلك تطوير قدرات العاملين في هذا المجال كما يجب. المستوى الثاني لا يتعلق بالأموال والميزانيات، بل يتعلق بأداء الحكومة نفسها، وهذا ما أكده التقرير، إذ أشار إلى أن الخطط العلاجية الموضوعة لمناهضة العنف، لا يشارك فيها الجمهور بالشكل المناسب، والذي يضمن تناسب الخطط مع الاحتياجات".

"التقارير تؤكد دور جهازي الشرطة والشاباك في تجنيد مرتزقة"

وأكدت مديرة "كيان" أن "هناك فجوة بين المؤسسات الرسمية وقراراتها، وبين المتطلبات على أرض الواقع. يجب أن نميز بين العنف والجريمة بشكل عام في مجتمعنا العربي، وبين العنف ضد النساء بشكل خاص، فالتقارير المتوافرة لدينا تؤكد دور جهازي الشرطة والشاباك في تجنيد مرتزقة تكون على الأمد القريب عائلات مجرمة، تحظى بدعم وحماية الدولة، وهذا يؤكد دور الدولة ومؤسساتها في تعزيز ظاهرة العنف في المجتمع العربي، وما يتمخض عنها من جريمة لا تحرك الدولة تجاهها أي ساكن. تتحمل الدولة مسؤولية تفاقم ظاهرة العنف أكثر من المجتمع نفسه، لكن في موضوع العنف ضد المرأة تحديدا نرى أن ثمة ارتباط وثيق بين هذا العنف والمجتمع الذكوري الذي يعامل النساء بفوقية وسلطوية، وفي حين يتوجب على الدولة حماية الأقليات، وبخاصة النساء العربيات، لكن نجد أن ثمة تمييز تجاهها من قبل الدولة، كما يوجد لا مبالاة واستهتار بحياتها وتتعامل مع العنف الممارس عليها بعدم جدية، بل وتشجع على العنف عليها، من خلال مكاتب الشرطة والشؤون الاجتماعية، ورغم أن الشرطة والشؤون يبلغان بـ99% من حوادث العنف ضد المرأة إلا أنهما يخفقان في التصدي لها، لعدم جديتهما في ذلك، إذ أن 60% من النساء اللواتي قتلن كانت لهن ملفات لدى الشرطة".

وانتقدت مديرة جمعية "نساء ضد العنف"، نائلة عواد، الإخفاق من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة في محاربة العنف من عدة جوانب.

"المرأة تعاني من التهميش وعدم إيلائها أهمية في مجتمعنا العربي"

وقالت عواد إن "التقرير يؤكد ما نذكره على الدوام في أن المرأة تعاني من التهميش وعدم إيلائها أهمية في مجتمعنا العربي خصوصا وفي البلاد بشكل عام، ولا تنعم النساء في بلادنا بالعيش الكريم، فما ورد في التقرير أنه لم يتم تحويل الأموال المخصصة كميزانية لدعم المرأة إلا بمقدار النصف تقريبا، إذ كان من المفترض تخصيص مبلغ 250 مليون شيكل لهذا الغرض حسب الخطة الوطنية لعام 2017، إلا أنه لم يتم تحويل إلا مبلغ 128 مليون شيكل فقط. كما يذكر التقرير أن حوالي 150 امرأة فقدن حياتهن منذ العام 2017 حتى اليوم. على الرغم من إقرار الميزانيات المخصصة لدعم وحماية المرأة إلا أنها لم تصرف كما هو منصوص عليه، وإن دل هذا الأمر على شيء، فهو يدل على أن الأمن القومي المتمثل بحماية المستوطنين أهم بكثير من أمن النساء اللواتي يدفعن ثمن تجاهل حقوقهن، والتقليل من شأن حمايتهن والدفاع عنهن ومناصرتهن في وجه العنف الممارس عليهن".

وأضافت أن "سياسات غض الطرف عما يحدث ممنهجة تقوم على مبدأ ضرب الآخرين بعضهم ببعض، ودليل كلامي هو السماح بانتشار الأسلحة النارية وتسهيل اقتنائها بل التغاضي عنها، فهناك ما يقارب 400 ألف قطعة سلاح ناري غير مرخصة، وحسب اعترافات الجهات المسؤولة، يأتي ما نسبته 80% من هذه الأسلحة عن طريق عناصر الجيش والشرطة، ويكاد لا يمر يوم إلا ونشهد حالات اعتداء بالأسلحة النارية، فمنذ بداية هذا العام فقط، شهدنا 46 جريمة قتل، بينها 6 حالات قتل لنساء. أيضا أريد التنويه بأن 50% من جرائم قتل النساء، لم يعرف فاعلها في الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2018".

"النساء يعانين من الذكورية والتعامل السلطوي"

وأشارت مديرة "نساء ضد العنف" إلى أن "النساء يعانين من الذكورية، والتعامل السلطوي معهن، وكأقلية عربية، يكون الأمر أكثر حدة مما تعانيه النساء اليهوديات. ولا ننسى أن فترة انتشار وباء كورونا فضحت التعامل السلبي بالتعامل مع قضية العنف ضد النساء، من قبل الحكومة والوزارات المختلفة، حيث لم يكن هناك لجان توكل إليها مهمة التصدي لهذه المعضلة التي تقض مضاجع النساء على امتداد مدننا وقراننا، فبادرنا إلى المساهمة بجمعيات تعنى بالشأن النسوي، بغية التأثير عليها لتشكيل لجان مختصة، وعقدنا اجتماعات، وطاولات مستديرة، ناقشنا من خلالها موضوع النقص في الميزانيات، ورغم إدراكنا أنه ليس من المتوقع أن تخرج هذه اللجان بخطوات تنفيذية، أو خطط عمل يتمخض عنها دعم للميزانيات المخصصة للمرأة على اعتبار أن الوعود كثيرة، والتنفيذ على أرض الواقع يكاد ينعدم، إلا أننا في جمعية نساء ضد العنف، طرقنا كل الأبواب المتاحة لتوفير الحماية والخدمات للمرأة، والعمل على إتاحة وسائل الدردشة للنساء من كافة الأعمار، لتمكينهن من التواصل معنا، في ظل استحالة تمكنهن من استخدام الهاتف الأرضي في ظل جائحة كورونا، إذ أنه من الصعوبة بمكان أن تخبرنا المرأة المعنفة بما تعانيه من عنف في ظل تواجد الزوج الذي يعنفها في المنزل. وعندما صدر قرار وزاري مع بداية العام الجاري، يسمح بإنشاء دور إيواء للنساء، أقمنا مأوى جديدا، يشمل النساء العربيات واليهوديات على السواء، إلا أن الجهات المعنية في الدولة تنصلت من مسؤولياتها تجاهه من ناحية تخصيص ما يلزمه من ميزانيات تتيح لنا دفع إيجار المبنى المشاد عليه المأوى، وشراء أسرة، وتجهيز مطبخ يخدم قاطنات المأوى، فقمنا بتحمل أعباء كل ذلك بشكل شخصي في الجمعية، لكي نهيئ المكان لاستقبال النساء، وتمكينهن من العيش بكرامة، فكلفنا ذلك ما يقارب 800 ألف شيكل، حيث أننا ربحنا المناقصة المتعلقة ببناء المأوى، مع احتفاظنا بحق مطالبة وزارة الرفاه الاجتماعي بتخصيص الميزانية المناسبة لهذا الغرض، وفي كل مرة يرسلون إلينا رسائل مضمونها أن ‘هذا ليس من شأننا’ فقررنا المخاطرة وتحمل كامل المسؤولية والأعباء لإنجاح عمل المأوى، عبر تجنيد الميزانيات، وإن لم تكن متاحة لنا، فهدفنا هو أن تحيا النسوة بكرامة، ولأننا لا نقبل أن تدار هذه المراكز من قبل أصحاب رؤوس الأموال، بل يجب أن تدار من قبل النسوة أنفسهن، فهن محور هذا المركز وعماده، ولا يجب أن يتم استغلالهن عن طريق الدعم المشروط، وعلى الرغم من كل ما ذكرته لكم آنفاً، فإننا نصر على الدخول بمناقصات، تحتاج لكثير من الموارد والإمكانيات، رغم ما تدعيه مؤسسات الدولة بأنها تمول هكذا مشاريع بشكل كامل، والمأوى لا يشكل هدفنا الوحيد، فحل مشكلة النساء المعنفات لا يمكن أن ينحصر في إيجاد المأوى لهن، بل على الجهات المعنية تطوير آليات إبداعية أخرى، تساهم في حماية النساء، ضمن مناطقهن وبيوتهن، فليس من المنطقي أن توقف المعنفات كل نشاطاتهن ويذهبن للمأوى طلبا للحماية والنجاة بأنفسهن من الأخطار المحدقة".

نائلة عواد

"%20 من الذين أدينوا بالعنف شاركوا في برامج علاج نفسي"

وعن التنصل الذي تنتهجه مؤسسات الدولة لتوفير الأمان للمرأة، قالت عواد إن "سياسة التنصل التي تنتهجها الدولة في هذا الشأن يعد إخفاقا وفشلا ذريعا، سيما وأن الدولة تدعي الحفاظ على الحريات العامة والديمقراطية وما إلى ذلك. وفي شأن متصل، أشار التقرير إلى أن ما نسبته 20% من الرجال الذين أدينوا بالعنف، أو سبق لهم أن سجنوا لهذا السبب شاركوا في برامج علاج نفسي تقف على أسباب ميولهم للعنف، وهذا أيضا يصب في جملة الإخفاقات المشار إليها أعلاه. والواجب والحال كذلك العمل على تأهيل مختصين في هذا المجال، والعمل على متابعة ورصد الرجال الذين يسلكون طريق العنف تجاه المرأة، وتبادل للمعلومات، وتأهيل للسجناء الذين يعانون من أمراض نفسية تدفعهم لانتهاج هذا الأسلوب المدان. وكان من المحاولات الحثيثة، في علاج هذه المسألة، المطالعة التي قام بها عضو الكنيست عايدة توما، والتي لم تبصر النور، إذ أدى حل الكنسيت حينها، إلى ذهاب هذه الخطة أدراج الرياح، وآمل أن تعاد مناقشتها مجددا ووضعها موضع البحث".

"%60 من النساء العربيات اللواتي تعرضن لعنف توجهن بشكواهن للشرطة"

ولفتت مديرة "نساء ضد العنف" إلى أن "الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن 60% من النساء العربيات اللواتي شهدن أحداث عنف توجهن بشكواهن للشرطة أو وزارة الرفاه الاجتماعي، و30% من الرجال المعنفين للمرأة معروفين من قبل أجهزة الشرطة، لكن التقاعس هو سيد الموقف، وللأسف فالمعنفات يواجهن القتل، كما حدث بالضبط مع المجني عليها وفاء عباهرة، ورغم أن الكثير من النساء أشرن لتعرضهن للعنف صراحة أو تلميحا، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن أحدا لم يكترث لمعاناتهن، وفي هذا الصدد أؤكد أن المسؤولية تقع علينا جميعا، ويجب أن نُشعر النساء بأننا نقف معهن ضد العنف الممارس عليهن، وأن نرشدهن للجهات المختصة، فهذا شأننا جميعا، وألفت عنايتكم أن ملاحظتنا واهتمامنا يساهمان في حماية المرأة من العنف، وكلنا نذكر السيدة اليهودية ‘شيرا’ التي أبلغت جارتها الجهات المعنية بما لحقها من عنف، أدى في النهاية إلى حمايتها، وأنقذ حياتها، ويجب على المجتمع والعائلة تفهم معاناة المرأة، وعدم إجبارها على الصبر والرضوخ وتحمل المعاناة، بل عليهم الدفاع عنها والوقوف إلى جانبها".

وختمت عواد بالقول إنه "لدي أمل في إيجاد الحلول الرامية لإنهاء العنف ضد المرأة، وعلينا خلق مجتمع آمن من العنف، ومن حق المرأة العيش بأمان، من أجلها ومن أجل الأجيال القادمة، وإذا لم نتحرك في هذا الاتجاه، فسنعيش دمارا مجتمعيا هائلا، وأناشد الجهات المسؤولة الاضطلاع بدورها بمهنية تامة، وأن ترصد الميزانيات اللازمة، وأن تقوم بالبرامج التوعوية، الهادفة لمنع العنف ضد المرأة، وأن تقوم وزارة التربية والتعليم ووزارة الرفاه الاجتماعي بتخصيص جزء من المنهاج الدراسي في زرع القيم المجتمعية الهادفة لإنهاء ظاهرة العنف بشكل جذري، وأن يحاسب المسؤولون في دوائر صنع القرار المدانون بالعنف، وعلى الأحزاب، وهيئات المجتمع المدني، والسلطات المحلية، أن تضع الخطط الإستراتيجية المناسبة والملائمة من أجل مناهضة العنف ضد النساء".

التعليقات