الميزانية العامة الإسرائيلية: غياب لخطط تنمية مستدامة في المجتمع العربي

إسرائيل ماضية في تعميق الفكر الاقتصادي الليبرالي من خلال طرح الميزانية السنوية لعامي 2021 و2022، فيما تسيطر ميزانية الأمن، وسداد الديون، والتربية والتعليم على نصف الميزانية، وسط غياب لخطط التنمية المستدامة في المجتمع العربي.

الميزانية العامة الإسرائيلية: غياب لخطط تنمية مستدامة في المجتمع العربي

(أ ب)

بعد تأخير دام ثلاث سنوات، صادقت الحكومة الإسرائيلية، بداية الأسبوع الجاري، على ميزانية عامة للدولة لعامي 2021 و2022 بقية 432.5 مليار شيكل في العام 2021 بعجز 6.8%، و452.5 مليار شيكل في العام 2022 بعجز 3.9%.

وحول بنود الميزانية و"المكاسب" المزعومة للمجتمع العربي، حاور "عرب 48"، الخبير في الاقتصاد السياسي، الباحث د. إمطانس شحادة، الذي يرى أن إسرائيل ماضية في تعميق الفكر الاقتصادي الليبرالي من خلال طرح الميزانية السنوية لعامي 2021 و2022، فيما تسيطر ميزانية الأمن، وسداد الديون، والتربية والتعليم على نصف الميزانية، وسط غياب لخطط تنمية مستدامة في المجتمع العربي.

د. إمطانس شحادة

وعن التوجه الاقتصادي للحكومة الإسرائيلية الجديدة وفقا للميزانية الجديدة، أوضح شحادة أن "الموازنة التي صودقت هي استمرار لذات التوجه الاقتصادي الذي اتبع منذ عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، فهناك هيمنة للفكر الاقتصادي الليبرالي واقتصاد السوق وتراجع الدولة عن وظائفها خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والخدماتية. الجديد هو فرض ضرائب غير مباشرة في بعض البنود مثل زيادة الضرائب على المشروبات الغازية والمحلاة، والأدوات البلاستيكية، وهي نوع من فرض الضرائب حتى وإن كان بحجة تخفيف الاستهلاك".

وأشار إلى أن "هناك ما هو جديد في قضية التعامل مع معيقات انكشاف السوق الإسرائيلي تجاه الانفتاح، مثل قضايا الإصلاحات في الزراعة والتي تتجه فيها إسرائيل نحو مبادرة سوق الزراعة للمنافسة الخارجية والاستيراد، في الوقت الذي كان هذا السوق مغلقا حتى الآن وكان محميا من المنافسة، وهناك إعادة تطوير في هذا السوق من خلال تسهيل شهادات معهد المواصفات والسماح بالتجارة وفقا لمواصفات السوق الأوروبية، لحين الحصول على شهادة معاهد المواصفات الإسرائيلية، وهو تسهيل لعمية الاستيراد وفتح السوق الإسرائيلي أكثر، في خطوة تسعى من خلالها إسرائيل إلى خفض الأسعار وليس إلى الحد من الاحتكار في السوق وكشفه أكثر للتنافس".

رفع المسؤولية عن الجوانب الاجتماعية

وحول تراجع الدولة عن وظائفها وحصص الوزارات، أوضح شحادة أنه "في جميع بنود الميزانية نلاحظ تراجع لوظائف الدولة الخدمية، كما نلاحظ أن الأمن يحصل كما هو دائما على حصة الأسد من ميزانية الدولة، ثم التعليم وسداد الديون، والأهم من هذا كله أن الميزانية العامة للحكومة لا تحمل أي تغيير عن الفكر الاقتصادي السابق إطلاقا، إنما على العكس زيادة التوغل الليبرالي وفتح الأسواق".

الأمن في إسرائيل... أولا ودائما

ولفت شحادة إلى أن "حصة الأسد من الميزانيات تاريخيا في إسرائيل تنفق على الأمن مع ارتفاع عن العام السابق وتشكل حصتها 15%، ثم التربية والتعليم مع نسبة 10% من الميزانية، وما بين 10%- 15% لسداد الديون، أي أننا مع نصف ميزانية مغلقة، ولاحظنا هذا العام بشكل استثنائي زيادة فعلية لوزارة المواصلات، وذلك نظرا لأزمة المواصلات العميقة في إسرائيل، فهناك محاولة أولية للتعامل مع الأزمة".

خطة تطوير المجتمع العربي... "فيك نيوز"

وعن حصة المجتمع العربي، شدد شحادة على أن "الحديث عن خطة تطوير المجتمع العربي ليس أكثر من ‘فيك نيوز‘، يمكن القول إنه خطة لسد الفجوات بقضية الميزانيات بين البلدات العربية واليهودية، فالخطة الأخيرة 922 لم تؤد إلى تنمية الاقتصاد العربي وهذه الخطة أيضا لن تؤدي إلى تطوير المجتمع العربي وإحداث تنمية مستدامة ولا إلى رفع الإنتاجية للفرد".

وأوضح أن "الحديث عن ميزانيات تضخ للسلطات العربية"، مؤكدا أن "ذلك كان قائما حتى الآن، والتجربة السابقة لخطة 922 تعلمنا أن ميزانيات الخطة الجديدة ليست ميزانيات جديدة، بل موجودة، تخصص من قبل الوزارات للسلطات المحلية العربية والمجتمع العربي، ووفقا للتجربة قرابة 40% إلى 50% فقط من هذه الميزانيات تصرف فعليا".

مبالغ لا تؤدي إلى التنمية

وأضاف أنه "إذا كان الحديث عن 26 مليار للسنة الأولى و25 مليار للسنة الثانية، فعلى أرض الواقع تخصص فقط 10-12 مليار للسنة لجميع السلطات المحلية العربية، بما في ذلك الدرزية والشركسية، وهذه مبالغ لا تؤدي لتنمية وتطوير على أهميتها لسد الفجوات العميقة مع السلطات المحلية اليهودية".

وأشار إلى "شكوك كبيرة حول بنود الميزانيات المخصصة للمجتمع العربي، أولا لأن هذه الميزانيات كانت موجودة لدى الوزارات؛ ثانيا لأن قسما كبيرا من بنود هذه الميزانيات لا يفعّل أو ينفذ؛ ثالثا لأن تنفيذ ميزانيات على قضايا تقليدية لا تؤدي إلى أي تغيير جدي وجوهري في الاقتصاد العربي، ولا تتعامل مع المشاكل البنيوية في المجتمع العربي".

غياب لخطة شاملة

وحول استيضاح "عرب 48" عن البنود العينية التي تتحدث مثلا عن تطوير مناطق صناعية، أوضح شحادة أن "هذا صحيح من حيث التخصيص لكن في الواقع تعاني المجالس المحلية العربية من عدم توفر وتخصيص أراض بالإضافة إلى مشكلة التخطيط، إضافة لنوعية الصناعات على أهمية وجود هذا البند، لكن دون خلق تغيير في الاقتصاد العربي، وخاصة في قضايا معيقات تخصيص الأراضي في البلدات العربية ومعيقات التخطيط والبناء، ونوعية الصناعات التي تكون فيها".

وقال إن "المناطق الصناعية في البلدات العربية تصبح مناطق تشغيل وليست صناعة، بسبب طبيعة الصناعات العربية والخدمات، (مهن تقليدية مثل الكراجات المناجر والورش الصغيرة) ولا توفر مكان استجلاب مصانع كبرى وتقنيات، فهذه المناطق الصناعية غير معدة لذلك أصلا".

وأضاف "ثم أننا لم نر خطة شاملة للمجتمع العربي فهذا البند تحديدا ينص على تخصيص 300 مليون شيكل، وهذا مبلغ ضئيل لجميع السلطات المحلية العربية في مجال تطوير مناطق صناعية، وكذلك لاحظنا بند في وزارة المواصلات مخصص للمواصلات في المجتمع العربي وبند أيضا ضمن وزارة العمل لقضايا التشغيل، ولم نر خطة شاملة لتطوير المجتمع العربي أو لتخصيص الميزانيات من الوزارات؛ ومهم جدا أن نرى الخطة بالكامل مع بنودها وما هو الجديد في هذه الخطة وأنواع الصرف فيها، هناك عنوان كبير يخصص مبلغ 26 مليار في السنة على مدار عامين ولم نر خطة كاملة متكاملة وتقديرنا أن هذه الخطط يصرف منها ما يقارب 50% حسب تجربتنا مع خطة 922 والتي وصل التنفيذ منها إلى 40%".

وعن التقارير التي تشير إلى أن نسبة التنفيذ في خطة 922 وصل 63%، قال شحادة: "لدي تقرير من سلطة التطوير الاقتصادي الحكومية والذي يقول إن ما نفذ من خطة 922 هو 40% وهناك التزام بتنفيذ 20%، أي أن الـ60% مع الالتزام بالتنفيذ وليس ما نفذ فعليا".

مكافحة الجريمة؟ مزيد من عناصر الشرطة لا يحل المشكلة

وحول خطة مكافحة العنف في المجتمع العربي التي رصد لها 2.4 مليار، تخصص لثلاثة محاور، الأول تعزيز ملاكات الشرطة، والثاني أدوات تكنلوجية والثالث برامج توعية لمكافحة العنف؛ أكد شحادة أن "الخطة عمليا هي إضافة المزيد من عناصر شرطة، وهذه ميزانيات تنفذ من خلال ميزانيات وزارة الأمن الداخلي".

وأضاف أن "تجربتنا في السنوات العشر الأخيرة هي أن إضافة محطات الشرطة لم تؤد إلى حل مشاكل العنف والجريمة، بما في ذلك خطة إقامة 15 محطة شرطة، ولم نر في البلدات التي أضيفت فيها محطات شرطة أو اضيف إليها ملاكات للشرطة انخفاض وتراجع بمعدل الجريمة، لأن التعامل مع الجريمة يحتاج إلى خطة تطوير اقتصادي شاملة، تعليمية ثقافية ومناطق نفوذ، أي تطوير ونهضة شاملة في البلدات العربية، هكذا تعامل العالم أجمع مع مشاكل العنف والجريمة، وليس من خلال إضافة ملاكات للشرطة".

وشدد شحادة على أنه "استنادا إلى تجربة الماضي فإن الميزانيات تخصص لسد الفجوات في السلطات المحلية العربية والتي عانت على مدار عشرات السنوات من الفجوات، وهذه الميزانية تشكل نقطة في بحر، وتخصص أصلا للخدمات العامة، والخدمات العامة ليست عاملا لخلق تنمية اقتصادية".

وأوضح أن "ما يخلق التطوير الاقتصادي المستدام هو عمليا بناء رأس مال بشري، بنية فيزيائية (مناطق صناعية وبنية تحتية)، وتغيير مناهج تعليم وتطوير المواصلات بين الريف والمركز، ورفع تشغيل النساء في فروع اقتصادية جيدة وليس فروع مؤنثة مثل التعليم، الصحة والعمل الاجتماعي والخدمات، فمثلا ارتفعت نسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل في السنوات العشر الأخيرة في المبيعات وهذه النوعية من الوظائف لا تغير المكانة الاقتصادية للنساء، صحيح أنها ترفع نسب المشاركة ووصلت إلى 39% ولكن المكانة الاقتصادية لم تتغير بالنسبة للمرأة العربية".

التعليقات