معتقلو الاحتجاجات في عكا: معاناة الأهالي وتفاصيل تنشر لأول مرة

لم تسلم عكا، كشقيقاتها يافا واللد والرملة وحيفا، من حملة الاعتقالات التي تواصل الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك) تنفيذها ضد الشبان العرب، منذ الاحتجاجات الأخيرة.

معتقلو الاحتجاجات في عكا: معاناة الأهالي وتفاصيل تنشر لأول مرة

شارع صلاح الدين في عكا القديمة (عرب 48)

لم تسلم عكا، كشقيقاتها يافا واللد والرملة وحيفا، من حملة الاعتقالات التي تواصل الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك) تنفيذها ضد الشبان العرب، منذ الاحتجاجات الأخيرة ضد العدوان على غزة واقتحام المسجد الأقصى ومحاولات تهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، واعتداءات المستوطنين على مواطنين عرب في البلاد، في أيار/ مايو 2021.

وفي غضون ذلك، انبثقت في عكا لجنة شبابية للدفاع عن المعتقلين وللوقوف عن كثب على معاناة عائلاتهم وأُسرهم.

أكثر من مائتي معتقل في عكا

طالت حملة الاعتقال في عكا نحو 200 شاب عربي، بقي منهم رهن الاعتقال، حسب معطيات اللجنة الشبابية للدفاع عن المعتقلين كل من: قصي عباس، أدهم بشير، زكريا ماضي، فؤاد ماضي، أحمد ماضي، فؤاد عسكري، هيثم علي، ساهر حتحوت، أحمد عكاوي، باسل طنطوري، مصطفى مصري، قاسم مجدوب، محمد حلواني، جواد سطيلي، محمد عثمان، خليل خاسكية، خالد أنصاري، حبيب أبو حبيب، كامل طوالبة، محمد حجوج، بلال حلواني، معتز علي، كريم حسين، محمد أسود، خالد سليمان، نديم أنطقلي، حسن عيد، هلال أنطقلي، قاصر (16 عاما) وقاصر (17 عاما).

شكت والدتا المعتقليَن، كامل طوالبة ومحمد حلواني، غياب القيادات السياسية ورجال الدين ووجهاء البلدة عن جلسات المحاكم، وعدم زيارة عائلات المعتقلين.

وقالت أميرة حلواني وصفاء طوالبة لـ"عرب 48" إن "الله وحده يعلم بأوضاعنا. ما يوجع القلب غياب أعضاء الكنيست العرب، الشيوخ، وجهاء البلدة. لم يطرق أحد بابنا للسؤال عن أبنائنا. نريد منهم الوقوف إلى جانبنا لنشعر جهاز (الشاباك) أن لدينا سند هو أبناء مجتمعنا، لكن للأسف غاب الجميع عنا ما عدا اللجنة الشبابية التي تساندنا وترافقنا وترشدنا. أليس أبناء عكا هم أبناء الجميع؟ نحن في مصاب، اليوم، لا تتخلوا عن أبنائنا المستهدفين".

اعتقال شاب ثلاث مرات في شهر

ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها كامل طوالبة (25 عاما) من عكا القديمة للاعتقال، حسبما قالت والدته، مؤكدة أن "ابني اعتقل ثلاث مرات خلال شهر. يوم 12 أيار/ مايو كان اعتقاله الأول وتم إطلاق سراحه ومن ثم إبعاده عن عكا، لنتفاجأ بوصول العشرات من أفراد الشرطة إلى المنزل لاعتقاله في صباح يوم عودته للبيت بعد أن انتهت مدة إبعاده ليتم اعتقاله مرة أخرى ومن ثم إطلاق سراحه، أما المرة الأخيرة فكانت فور دخوله البلاد بعد عودته من رحلة استجمام في شرم الشيخ، يوم 3 حزيران/ يونيو".

وأوضحت أن "ابني ممنوع من التواصل معنا هاتفيا أو الزيارة في السجن، وذلك بالرغم من قرار القاضي بالسماح له بالاتصال بنا 5 مرات في الأسبوع والموافقة على زيارتنا، ولكن عندما استوضح الأمر من القاضي عن سبب عدم تنفيذ قراره، أجابه بأن قرار المنع جاء من أجهزة المخابرات. كذلك المحامي يتوجه للسجن بعد حصوله على موافقة من إدارة السجن للقاء به، وتتم المماطلة ومن ثم منعه من اللقاء، وإبلاغه بالقدوم في اليوم التالي، وعندما يذهب في اليوم التالي يبلغونه في السجن بأنه تم نقل كامل من سجن مجيدو إلى سجن الجلمة. من حقي أن أطمئن على ابني، وحقه التواصل مع عائلته والحصول على حقوقه كباقي المعتقلين خاصة بعد تقديم لائحة اتهام ضده. بالرغم من معرفتي بصلابة ابني وقوة تحمله، من حقنا التواصل معه والتعرف على ظروف اعتقاله في السجن".

صفاء طوالبة والدة المعتقل كامل (عرب 48)

وعن لائحة الاتهام فهي تشمل عدة تهم بينها "حرق حاوية نفايات وإلقاء حجارة" وغيرها، حسبما أبلغتنا والدته.

اعتقال معيل لأسرته

لم يفارق محمد حلواني (25 عاما) ميناء عكا منذ صباه، فبعد أن غيّب الموت والده أصبح السند لأمه في توفير لقمة العيش لأسرته، إلا أن المعتقل حال دون ذلك، لتغدو أسرته دون معيل، ولتبعده قبضان السجن عنها وعن السفينة السريعة التي عمل بها في تنظيم جولات بحرية للوافدين إلى عكا".

محمد نصرة من لجنة الدفاع عن المعتقلين (عرب 48)

لم تتمالك أميرة حلواني نفسها وذرفت دموعها على ابنها المعتقل، وقالت لـ"عرب 48" إن "محمد سندي ونفسي في الحياة. حياتنا دُمرّت منذ اعتقاله. لم يطرق بابنا كبار البلدة، ولا شيوخها أو أعضاء الكنيست، ولا غيرهم. فقط اللجنة الشبابية للدفاع عن المعتقلين هي التي ترافقنا وتمد يد العون لنا، تتواصل معنا وتقدم المساندة".

وتساءلت والدة المعتقل: "أليس أبناء عكا أبناء مجتمعنا العربي، ما يصيبهم يصيبنا جميعا؟ نحن في مصاب حوّل أعيادنا لأتراح، لو أنها زفة عريس لخرج الجميع ليزفه، لكنه الضيق الذي نعيشه فأين أنتم أهل بلدي ومجتمعي؟ عندما أسأل الناس عن عدم المشاركة في نشاطات اللجنة الشبابية للدفاع عن المعتقلين، الجواب هو الخوف من تعرضهم أو أبنائهم للاعتقال أو الملاحقة".

وعن عملية اعتقال حلواني، ذكرت والدته أنه " تم اعتقال ابني منذ 12 أيار/ مايو وقدمت النيابة لائحة اتهام ضده تشمل عدة تهم بينها إحراق قوارب وإطلاق نار. لم أتمكن من زيارته طيلة فترة اعتقاله، وفقط في الأسبوع الماضي سمحوا لنا بزيارته، إذ تم زجه في زنزانة انفرادية لمدة طويلة، وأبلغني أنه تعرض لضغوط نفسية صعبة بينها التهديد بتهجير أنا وأخواته من عكا، وتهديده بالاعتداء على العرض والشرف، ومن شدة الضغوط قام بالاعتراف بتهم باطلة نسبت إليه".

وأضافت أن "ابني يعاني من مشكلات نفسية وله ملف في مكتب الشؤون الاجتماعية بعكا. كنت أمسك يده من صف أول حتى صف سادس وأجلس إلى جانبه في الحصص التعليمية لحاجته لمرافق طيلة الوقت، وهو يتناول العلاج الدوائي (ريتالين) كي يستطيع التركيز، والتقارير الطبية بحوزة المحامي. ما تقوم به الحكومة إجرام ضد شباب عكا، كم من السنين يحتاج هؤلاء الشباب لترميم ما يزرعه إجرام الحكومة بهم؟".

محمد حلواني قبل اعتقاله

انبثاق اللجنة الشبابية

انبثقت في عكا لجنة شبابية للدفاع عن المعتقلين إثر حملة الاعتقالات ضد شباب المدينة.

"عرب 48" التقى عضوي اللجنة، أحمد غزاوي ومحمد نصرة، أكدا على "حاجة المعتقلين وعائلاتهم للدعم المعنوي من خلال المشاركة في نشاطات دعم المعتقين، والدعم المادي بسبب ما تتكلف به عائلات المعتقلين من مصاريف للمحاكم وأتعاب محامين".

وعن معاناة المعتقلين، قال غزاوي إن "عددا من المعتقلين يعاني تلقيهم العقاب في السجون وعدم حصولهم على حقوقهم في التواصل مع العائلة أو الحصول على الاحتياجات المسموح إدخالها من الأهل، من ملابس وغير ذلك. كما أن عددا آخر لا يسمح له بمقابلة محام بالرغم من تقديم لائحة اتهام بحقهم، ونحن إذ ننقل رسالة المعتقلين نطالب بإطلاق سراحهم فورا".

أميرة حلواني والدة المعتقل محمد (عرب 48)

ولفت نصرة إلى "معاناة عائلات المعتقلين وإدراكها محاولات ترهيب أبنائها من خلال التعذيب الجسدي والنفسي. عائلات وأقارب المعتقلين يناشدون بالإسناد الشعبي لأبنائهم، والدعم المادي لتوفير تغطية نفقات المحاكم والمحامين. نعيش حالة صعبة، حتى متابعة شؤون المعتقلين أمر صعب، وندعو كافة الناشطين والسياسيين لمساعدة عائلات المعتقلين في عكا".

وأجمع غزاوي ونصرة من اللجنة الشبابية بأن "حملة الاعتقالات ما هي إلا جزء من مسلسل الانتقام ضد العرب في عكا، والدليل على ذلك عدم اعتقال أية مواطن من المجتمع اليهودي، خاصة وأن العديد من محال العرب قد تضررت بعكا وتم الاعتداء على عدد من العرب وممتلكاتهم".

وقالا "إننا نستهجن مصداقية جهاز المخابرات في التحقيق والاعتقالات، ذلك بحسب تقرير الشرطة الذي يؤكد بأن أجهزة الشاباك تمنح غطاء قانونيا للمجرمين في مجتمعنا العربي". وتساءلا "كيف نثق بهذا الجهاز الذي يدعي التصرف بشكل قانوني، ومن جانب آخر يدعم المجرمين ويحصل على اعترافات المعتقلين فقط تحت التعذيب الجسدي والنفسي، أو من خلال نسب تهم خطيرة ضد المعتقلين، حتى يعترف المتهم بتهم أقل لئلا يتورط أكثر".

أحمد غزاوي من لجنة الدفاع عن المعتقلين (عرب 48)

وختم عضوا اللجنة الشبابية بالقول إنه "نعاني من هذه العنصرية بشكل يومي، والانتقام منا أصبح أمرا ممنهجا. نحن نتواصل مع محامين لتصعيد حراك الدفاع عن حقوق المعتقلين، ونأمل المشاركة الجماهيرية من الداخل الفلسطيني وعكا، ذلك أن الهجمة على شباب عكا ما هي إلا لتلقين العرب في الداخل درسا بعدم إسناد القدس وغزة وشعبنا الفلسطيني. نؤكد عدم مصداقية حملة الاعتقالات الفاشية ضد شبابنا، ويجب إيقاف هذه الحملة فورا".

محام: تحريض ومنشورات تدعو للمس بالمعتقلين وعائلاتهم

منذ بدء حملة الاعتقالات، رافق المحامي محمد حاج من عكا، عشرات المعتقلين، وعن هذا قال لـ"عرب 48" إن "نحو 200 شاب من عكا تعرضوا للاعتقال، منذ يوم 12 أيار/ مايو 2021، وذلك على ضوء أحداث الهبة الشعبية. تم تحرير عدد منهم بعقوبات مختلفة منها الإبعاد أو الغرامات أو الحبس المنزلي، لكن الحملة استمرت ولم تتوقف، إذ يمكث في المعتقلات 30 معتقلا، يواجه 24 معتقلا منهم لوائح اتهام، أربعة معتقلين تعرضوا للاعتقال، حديثا، بينهم شقيقان قاصران لم تقدم ضدهما لائحة اتهام لغاية الآن، والمعتقل الخامس ممنوع من مقابلة المحامي بحسب أوامر جهاز الشاباك، ضمن شروط التحقيق، والمعتقل الأخير الذي لم تقدم لائحة اتهام ضده بعد، فقد صرح القاضي في جلسة محاكمته الأخيرة أنه ستقدم النيابة لائحة اتهام ضده في الجلسة المقبلة".

المحامي محمد حاج (عرب 48)

وأضاف أنه "في بداية الاعتقال ينسب بالأساس نوعان من الشبهات للمعتقلين بحسب موقع سكنهم، إذ تنسب للمعتقلين من عكا القديمة شبهة قتل مواطن في فندق ‘فندي’ وبحسب ادعاء الشرطة فإنه لقي مصرعه بسبب حريق. وفي عكا الجديدة تنسب شبهات محاولات القتل لمواطنين من المجتمع اليهودي. ولم أسمع عن اعتقال مواطن يهودي رغم إصابة عدد من المواطنين العرب، وتعرضهم وممتلكاتهم للأذى ولأضرار بالغة، وجرت الاعتقالات في البداية من قبل الشرطة، بعدها تدخل الشاباك، إذ توجد وحدة خاصة تسمى ‘الوحدة لمنع الإجرام’ أخذت على عاتقها الأحداث التي وقعت في عكا القديمة، وخاصة فندق فندي، وقيام وحدة مركزية في الشرطة بالتحقيق في أحداث عكا الجديدة، واعتقل عدد من المواطنين العرب الذين تعرضوا لإصابات من جراء الاعتداء عليهم من يهود، بالرغم من إصابتهم".

وأشار حاج إلى أنه "لا نرى أن الاعتقالات ستتوقف، إذ يمارس ضغط كبير من الإعلام الإسرائيلي بما يتعلق بالأحداث التي وقعت في عكا، وبالرغم من حصول الشرطة على فيديو من مكان حريق فندق فندي، لكنها لا تتمكن من الوصول لمن أشعل الحريق، وبهذا فهم يشكلون ضغوطا جمة لنسب التهم للمعتقلين وتهمة القتل ضد أحدهم".

وأكد أنه "يجب تنظيم حلقات توعية للشباب في عكا، فتدخل الشاباك بحملات الاعتقال والتحقيق يؤكد عدم وجود أدلة كافية ضد المعتقلين، وأنه فقط يمارس الضغط على المعتقلين من خلال التعذيب النفسي. نطالب بدعم كافة الجهات لشباب عكا خارج المعتقل بالتوجيه والإرشاد القانوني، ولمن داخل السجون بدعم عائلاتهم وتشكيل ضغط من خلال الحضور والمشاركة في جلسات المحاكم، إذ يشارك الكثير من المجتمع اليهودي في جلسات المحاكم للمعتقلين من أجل التأثير ضد إطلاق سراح المعتقلين العكيين، فالحشد الجماهيري قد يخفف التهم، من أمنية إلى جنائية".

وحذر من "حملة تحريض التي بدأت من الجانب اليهودي، إذ يتم التحريض على عائلات المعتقلين بنية المس مهم، كذلك التحريض على كافة المعتقلين المفرج عنهم والقابعين خلف القضبان، بالتضييق عليهم في عكا".

وختم حاج بالقول إن "الضغوط ات شديدة على العرب في عكا، ولا يخفى استهدافنا من المؤسسة الإسرائيلية، واستهداف وجودنا في عكا. حملة التضييق ضدنا كبيرة وبأساليب مختلفة. ندعو المؤسسات الحقوقية بتوفير الدعم المادي لعائلات المعتقلين، وكذلك يجب توفير الدعم الشعبي. هذا مهم جدا، إذ أنه في الأحداث مع الأثيوبيين في البلاد لم تقدم الدولة لائحة اتهام ضد معتقل واحد، بينما نحن العرب يتم التعامل معنا كإرهابيين".

التعليقات