قلنسوة: حي كامل في مرمى الهدم والإخلاء

لم تكتف السلطات بجرائم هدم المنازل في قلنسوة في الأعوام الأخيرة، إذ أن نحو 550 منزلا دون ترخيص، بينها 80 منزلا في دائرة الهدم، ويهدد خط الكهرباء 27 بيتا بالهدم، وتشريد 40 عائلة.

قلنسوة: حي كامل في مرمى الهدم والإخلاء

تيسير عيد: "لن نسمح بهدم منازلنا" (عرب 48)

حين دخلت المنطقة الشرقية الشمالية لمدينة قلنسوة كان الجو باردا، إذ تلبدت السماء بالغيوم، وبدا الحي حزينا وقد فارقه الفرح منذ مدة طويلة. قابَلني عدد من الشبان وكانوا ينظرون بعين الريبة والقلق، سألني أحدهم: من أنت، وماذا تريد؟ في إشارة إلى ما يتوقع الأهل في الحي حدوثه في كل لحظة.

ساد الخوف بين أهالي الحي من المستقبل المجهول، وسيطرت حالة من فقدان الأمل على هؤلاء الشبان، وهم في مقتبل العمر، إذ أنهم يواجهون خطر الاقتلاع والتهجير واللجوء، في وطن لم يتسع لهم بفعل مخططات وممارسات السلطات الإسرائيلية.

تراصت المنازل في الحي بجانب بعضها البعض، إذ بنيت هكذا بسبب نقص في قسائم البناء وأزمة الأرض والمسكن، وعلى الرغم من ذلك كانت الحياة في الحي ممتعة، حسب ما قال الأهالي، قبل أن يشق خط كهرباء مدّته السلطات عنوة وفصل بين منازل السكان، قبل نحو عامين، فقد نصبت السلطات أعمدة كهربائية مزقت الحي إلى ثلاثة أجزاء وهددت كافة البيوت بالهدم والإخلاء.

لم تكتف السلطات بجرائم هدم المنازل في قلنسوة في الأعوام الأخيرة، إذ أن نحو 550 منزلا دون ترخيص، بينها 80 منزلا في دائرة الهدم، ويهدد خط الكهرباء 27 بيتا بالهدم، وتشريد 40 عائلة.

بات واضحا لكل من يمر من الشارع الرئيس المحاذي للمنطقة الصناعية في قلنسوة أن السلطات كثفت من عملها بصورة مضاعفة لإنهاء مشروع الخط الكهربائي القُطري، إذ نصبت شركة الكهرباء الأعمدة والأسلاك فوق عدد من منازل الحي وبالقرب من بعضها، ودأبت السلطات في الأسابيع الأخيرة على المسارعة لإنهاء العمل بصورة خاطفة وعلى نارٍ هادئة قبل أن تُعمم القضية وتثور وتتحول إلى قضية رأي عام.

نضال الأهالي وإهمال المسؤولين

قال أحد شباب الحي، حسين أبو حسين، لـ"عرب 48" إن "كافة الأحلام والآمال التي بنيناها معا في هذا الحي ستنتهي بلحظة، ثم تفرقنا السياسات ونكون في عداد اللاجئين في وطننا".

وقال صاحب أحد المنازل في الحي، الحاج تيسير عيد، لـ"عرب 48" إن "هذه القضية ليست وليدة اليوم. منذ شهور ونحن نتابع الأمر ونخوض نضالا قضائيا في أروقة المحاكم، ولكن في الجلسة الأخيرة قبل نحو شهرين توصلنا إلى حلول ترضي الطرفين، وهي أن يتم تمرير خط الكهرباء تحت الأرض أو إزاحة الأسلاك الكهربائية عن الحي، وهذا كله كان موثقا في الجلسة، ولكن تفاجأنا بأن شركة الكهرباء سارعت بنصب أعمدة الكهرباء قبل أسابيع بالقوة ودون إبلاغنا".

وأضاف أن "الشركة تضرب عرض الحائط ظروف السكان والحالات الإنسانية في الحي، ولا تبالي بقرارات المحكمة، ويأتي عمالها برفقة حراسة مشددة، ويفعلون ما يحلو لهم، دون أن نرى ردا ملائما من المسؤولين ورؤساء السلطات المحلية والنواب العرب في الكنيست".

وعن الأوضاع في الحي، قال عيد إن "الأوضاع في الحي مزرية منذ بدء الأعمال، وصعبة للغاية. حاولنا استصدار أمر لوقف العمل بصورة مؤقتة إلا أن شيئا لم يحدث، وبات واضحا أن السلطات ماضية في تنفيذ مخططاتها دون الاكتراث لمطالبنا".

وأكد أنه "لن نخرج من بيوتنا في أي حال من الأحوال، ومهما كان الثمن، حتى لو وصل بنا الأمر إلى أن نموت داخل البيوت. نحن ثلاث عائلات نسكن منذ 25 عاما في هذا البيت، والآن يريدون إخراجنا من منازلنا بهذه السهولة. هذا لن يحصل ولو كان على حساب أرواحنا".

وختم عيد بالقول إن "الكثيرين من سكان الحي يعيشون ظروفا معيشية صعبة، اقتصاديا واجتماعيا، وبينهم مسنون ومرضى، وبدلا من أن يساعدونا يحاولون ترحيلنا بذرائع واهية، وكل قضية الكهرباء هذه مجرد حجة فارغة، والهدف ترحيلنا، ونحن نناشد كل من صاحب ضمير أن يقف إلى جانبنا".

حراك شبابي ومقترحات بديلة

وقال الناشط في الحراك الشبابي بقلنسوة، ضياء تايه، لـ"عرب 48" إن "شركة الكهرباء هي إحدى الشركات التابعة للدولة، وهي لا تختلف بسياستها عن سياسات الحكومة الإسرائيلية من حيث التضييق والممارسات ضد السكان العرب في البلاد".

وأضاف أنه "لا يوجد منطق لدخول شركة الكهرباء إلى أراض خاصة، وأن تنصب أعمدة وتمد خطوط كهرباء دون علم وموافقة أصحاب الأراضي، ونحن نتحدث عن عائلات لديها أطفال وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة".

وأوضح تايه أنه "في هذه القضية، على وجه الخصوص، كان أكثر من مقترح قد قُدّم إلى شركة الكهرباء بدلا من هذا المخطط الكارثي، وكافة المخططات المقترحة من قبل أصحاب البيوت كانت أكثر منطقية من مخططاتهم، دون أن يتضرر أحد، ولكن من الواضح أن السلطات تصر على تمرير خط الكهرباء كما هو الآن. المقاول الذي يعمل بنصب الأعمدة قال إن سرعة الأعمال في هذا المشروع غير مسبوقة، واعترف أنهم تلقوا أوامر بإنهاء المشروع خلال أسبوع واحد فقط، ولا يوجد أي تفسير لما يحدث سوى أنه ممارسات عنصرية".

وختم تايه بالقول إنه "لا مجال للتفاوض على تعويضات أساسا، هذه الفكرة مرفوضة. هل يحق لي البناء في أي قطعة أرض؟ بالطبع لا، لأن هذا ليس منطقيًا. نحن نريد وقفة رجل واحد كي لا تستفرد السلطات بأصحاب البيوت. والمطلب إزالة خط الكهرباء من فوق منازل الحي، والنضال سيكون في كافة المسارات، القضائية والسياسية والشعبية. نحن على يقين بأننا سنحصل على مطالبنا حتى لو وصل بنا الأمر أن ننام في الشوارع، لأن الحديث عن أكثر من 900 دونم تهددها المصادرة بسبب هذا المشروع، إضافة إلى مأساة الحي المهدد بالهدم".

هذا، وتوجه "عرب 48" إلى شركة الكهرباء وبلدية قلنسوة للحصول على تعقيبهما، ولم يصلنا أي تعقيب لغاية الآن، وسننشر كل تعقيب يصلنا حول هذه القضية، في وقت لاحق.

التعليقات