حيفا تودّع صاحب "ظلّ الغيمة": فضاؤها احتضنه.. ترابها يؤويه

شيّعت جماهير غفيرة، الخميس، في مدينة حيفا، جثمان الشاعر والأديب الوطني الفلسطيني حنّا أبو حنّا عن عمر ناهز 94 عامًا.

حيفا تودّع صاحب

من مراسم التشييع

شيّعت جماهير غفيرة، الخميس، في مدينة حيفا، جثمان الشاعر والأديب الوطني الفلسطيني حنّا أبو حنّا عن عمر ناهز 94 عامًا.

د. عاطف أبو سيف
د. عاطف أبو سيف

وقال وزير الثقافة الفلسطيني، د. عاطف أبو سيف، إنّ أبو حنّا قامة من قامات فلسطين واسم من أسمائها، وهو مثّل الجيل المخضرم من الفلسطينيين، الذين ساهموا في صناعة الثقافة الوطنية والفلسطينية وذلك منذ الانتداب البريطاني. وواصل بعد ذلك خلال المحاولة لسرقة فلسطين، إذ أنه كتب لفلسطين في جميع المراحل محذّرًا من الضياع، وكتب باكرًا لفلسطين، إذ بعث الأمل والحياة بين أبناء شعبنا الذي تحطم في النكبة".

وعن احتمال تخليد ذكرى الراحل حنّا، أوضح أبو سيف لـ"عرب ٤٨" أنّ "الشعب الفلسطيني لا ينسى فضل هؤلاء العظماء الذين خلّدوا قضيتهم في مختلف المجالات، إذ أن شعبنا دائمًا يخلد هذه القامات، وأظن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقنا لتخليد هذه القامات، من خلال إطلاق أسمائها على شوارع أو مؤسسات وعلينا أن نسعى جاهدين لتحقيق ذلك".

وتابع الوزير سنناقش مسألة تخليد ذكرى الراحل أبو حنّا مع البلديات في الضفة الغربية، ومن المؤكد أن الراحل لقي التكريم في حياته ويجب أن يلقاه بعد مماته.

واختتم حديثه بالقول إنّ "الكلمة التي تركها الراحل أبو حنا يجب أن تظل باقية والروح الفلسطينية المتجذرة، إذ أن تواجدنا في هذه المقبرة بالقرب من روح الراحل إميل حبيبي وآخرين من الأدباء الذين بقوا في هذه البلاد، هذه الروح يجب أن تبقى ترفرف وتحمي أبناء شعبنا داخل وطننا وفي الشتات، ومن المهم التمسك بفلسطينيتُنا التي أرادها حنّا والتي سّخر لها قلمه والحفاظ على هذه الوصايا".

أمير مخّول
أمير مخّول

وقال الأسير المحرّر والكاتب السياسي، أمير مخّول إنّ "أبو حنّا توفي ولكنه لم يغب ولن يغيب. إذ أن لسان حال كل شعبنا يشكر أبا الأمين لأنه من الذين ربّوا أجيالًا ودافعوا عن الثقافة وحافظوا على روايتنا في ’ظل الغيمة’، وهو يستحق الثناء والتكريم".

وأضاف مخّول "صحيح تواجدنا اليوم في الدفن، لكنّ التكريم سيكون لأنه يستحق ذلك من شعبه، وفي اتجاه من أعطاه الكثير من عمره ومن طاقاته، وأسهم في القضايا المفصلية كالهوية والتمسك في الوطن، وخلق الإنسان الفلسطيني المفتخر بفلسطينيته ووطنه وانتمائه".

عوض عبد الفتاح
عوض عبد الفتاح

وبدوره، قال الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، لا شك "نوّدع اليوم قامة من قامات الثقافة الوطنية بفلسطين، ولا شك أنّ هذه القامة تربّت على يده أجيال فلسطينية كثيرة مختلفة، سواء في المؤسسات التربوية المدرسية والأدبية أو من خلال كتاباته الأدبية والشعرية وما إلى ذلك".

وأضاف عبد الفتاح أن المجتمع ونحن "نعتزّ بهذه القامة، وهي جزء من ذاكرة الوطن وسيبقى تأثير ثقافته وإنتاجه الأدبي والشعري مؤثرًا في الأجيال الحاضرة واللاحقة".

إعلاء القضية

واختتم عبد الفتاح حديثه قائلًا إنّ "هذه الشخصية الوطنية تميّزت بصمودها منذ الحكم العسكري ومثابرتها على الإنتاج الأدبي الثقافي الملتزم بهموم الوطن والشعب. أعتقد أنه لا يوجد شعب بدون أدباء وشعراء وهناك فرق بين الأديب الملتزم وغير الملتزم، نحن أمام مثقف وطني عضوي التزم بقضية شعبه في مصادمة الحكم العسكري، وفي الإعلاء من شأن قضية الانتماء لهذا الوطن والأرض والشعب، لذلك علينا وواجبنا ان نحيي هذه الأعلام، وهذه القامات لتبقى منارة للأجيال الجديدة".

ومن ناحيته، قال المؤرخ والباحث د. جوني منصور إنّ "المجتمع خسر قامة من قامات الأدب والنهضة الفلسطينية من الرعيل الأول الفلسطيني، التي شهدت أحداثًا ما قبل النكبة وبعدها، خسر الوطن اليوم رجلًا تربويًا اهتم بتربية الأجيال على مدى أكثر من نصف قرن مربيًا معلمًا مرشدًا كبيرًا وموّجهًا".

خسارة قامة كبيرة

د. جوني منصور
د. جوني منصور

وأعرب أن منصور أنّ الوطن خسر اليوم رجلًا "اهتم أن يكون مشتبكًا مع مجتمعه في كل القضايا سواء السياسية والوجودية، أو القضايا التي تمس حقوق الإنسان الفلسطيني وحقوق التربية والتعليم والحق في الثقافة على هذه الأرض. خسر الوطن اليوم قامة من قامات الإنتاج الأدبي، إذ لم يكن هدف هذا الإنتاج مجرد تعداد الكم، وإنما من أجل توثيق وتعزيز الوجود الفلسطيني من خلال الحفاظ على اللغة العربية، التي تعرضت ولا تزال تتعرض إلى هجمات من كل صوبٍ وحدب، ومن أجل طمس اللغة العربية وإبراز لغات أخرى في مقدمتها اللغة العبرية وسياسات التهويد على حساب هذا الوجود. خسر الوطن اليوم رجلًا بقامة كبيرة مربيًا ومعلمًا وأديبًا وشاعرًا، إذ أنني كنت أحد تلاميذه خلال فترة دراستي المرحلة الثانوية، ثم صديقًا وموجهًا لي طيلة محطات حياتي، سواء كانت الأكاديمية أو المهنية".

وبخصوص تخليد ذكرى الراحل، قال منصور "كنا قد بادرنا أنا والبروفيسور المرحوم بطرس أبو منّة في العام 2005 وعدد من الزملاء، بإصدار كتاب تكريمي شمل أكثر من 15 مقالًا أدبيًا وتاريخيًا وتراثيًا قدمناها هدية تكريمية واحترامًا وتقديرًا لجهود الراحل الأستاذ حنّا أبو حنّا. ومن جهة أخرى، أعتقد أنّ من واجب المؤسسات أن تطلق اسم الراحل على مؤسسات تربوية، هذا هو ما كان يحلم به لأن حلمه كان إقامة مؤسسات تعليمية وتربوية للحفاظ على وجودنا العربي الفلسطيني من خلال نشر الثقافة والتربية العربية".

وأنهى حديثه "هذا اليوم، بالرغم من كل الألم وفقدان الراحل ومغادرته هذه الدنيا، إلا أن أملًا كبيرًا ما زال في الأجيال التي تربت وتثقفت على يده، والتي ستحمل الراية والشعلة وستسير إلى الأمام".

التعليقات