الناصرة: القطاع السياحي ينهار... والحكومة ترفع يديها عن الدعم

تحطمت آمال أصحاب المصالح على صخرة الواقع الصعب، بعد أن "خدعتهم" الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها المختلفة بوعود كاذبة، حتى يئسوا من إمكانية تلقي تعويضات عن الخسائر التي تكبدوها

الناصرة: القطاع السياحي ينهار... والحكومة ترفع يديها عن الدعم

احتجاج في الناصرة للمطالبة بتعويض العاملين في قطاع السياحة ("عرب ٤٨")

عاد قطاع السياحة في مدينة الناصرة إلى المعاناة من جديد، مع نهاية موسم الأعياد الميلادية التي كانت بمثابة "جرعة أكسجين" لهذا القطاع المتضرر منذ بداية جائحة كورونا. فلا تختلف مدينة الناصرة عن سائر المدن السياحية في العالم التي تلقى قطاع السياحة فيها ضربة قوية خلال العامين الماضيين بفعل الجائحة، وما ترافق معها من قيود على الأنشطة السياحة وحركة السفر.

وتعرضت المدن التي تعتمد في دخلها على قطاع السياحة ومنها مدينة الناصرة، لأزمة بالغة، وتضررت مصالحها بشكل كبير، وبعضها أغلقت أبوابها إلى غير عودة وانتقل أصحابها للبحث عن عمل في قطاعات أخرى من أجل توفير لقمة العيش.

وتحطمت آمال أصحاب المصالح على صخرة الواقع الصعب، بعد أن "خدعتهم" الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها المختلفة بوعود كاذبة، حتى يئسوا من إمكانية تلقي تعويضات عن الخسائر التي تكبدوها، وفي المحصلة، ما حصلوا عليه من تعويضات لا يتعدى المثل العربي القائل "من الجَمل أذنه"! والضرر هنا ينسحب على وكلاء ومرشدي السياحة وأصحاب الفنادق وبيوت الضيافة وسائقي الحافلات السياحية وتجار التذكاريات والمطاعم وغيرها.

وقد عبّر المتضررون العاملون في قطاع السياحة عن احتجاجهم وغضبهم من خلال مظاهرة نظمت قبل أسابيع قليلة في مركز مدينة الناصرة (دوّار ساحة المدينة) احتجاجا على عدم حصول قطاع السياحة والعاملين فيه على أية تعويضات، ولم توفر لهم الحكومة أي دخل منذ حزيران/ يونيو 2021.

بيوت الضيافة والفنادق بنايات مهجورة

ساهر فار

وفي حديث لـ"عرب 48"، قال صاحب بيت الضيافة "الروزانا" في البلدة القديمة في الناصرة، ساهر فار، أن الأضرار التي لحقت في قطاع السياحة كانت كارثية. وأضاف "منذ بداية الجائحة كنا نحن الأكثر تضررا وما زلنا حتى اليوم لا نستطيع أن نعود إلى الحياة الطبيعية، ولا حتى إلى حياة نصف طبيعية ولا إلى 30% منها".

وتابع "كلما نستشعر انفراجة، تغلق السلطات الأجواء أمام الأجانب وتحظر السياحة الخارجية. ولا ننسى أنه في فترات معينة كانت السياحة الداخلية أيضا خاضعة لقيود وإغلاقات ولم نكن قادرين على استقبال الضيوف. وحين سنحت الفرصة لاستقبال الوافدين إلى المدينة بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة شهدنا نشاطا سياحيا رافقه قليل من الانتعاش بفعل السياحة الداخلية، لكن كل الحجوزات من أوروبا وأميركا ألغيت بسبب إغلاق المطار".

وكان أصحاب بيوت الضيافة والفنادق التي تحوّلت إلى بنايات مهجورة، قد أعادوا ترميمها وتجهيزها لاستقبال الضيوف بعد انتهاء الموجة الأولى والثانية من الجائحة ووصول التطعيمات، إلا أن الصدمة لم تتأخر حين بدأت تظهر السلالات المتحورة من الفيروس، لتعيد العالم إلى اتباع سياسة الإغلاقات وحظر السفر وتعطيل المطارات وفرض قيود على الحركة السياحية مجددا.

وعن حجم التعويضات التي حصلوا عليها من الحكومة ووزارة السياحة نتيجة هذه الإغلاقات، قال فار إن "ما حصلنا عليه من تعويضات لا يصل إلى 20% من متوسط مدخولنا في شهر كانون الأول/ ديسمبر، في الوضع الطبيعي، أي مقارنة بالعام 2019 على سبيل المثال قبل تفشي كورونا".

وعن المطالب الأساسية للعاملين في هذا القطاع، أوضح فار أن "مطلبنا الأساسي هو تعويضات ليس إلا، فلا يجوز لنا أن نطالب بفتح الأجواء والمطارات لأن كورونا تضرب في أوروبا وأميركا وكل دول العالم كما في بلادنا أيضا، لذلك فإنه حتى لو فتحت الأجواء فستظل القيود سارية".

وأضاف "نحن اليوم نشهد بعض الانتعاش فقط خلال عطل نهاية الأسبوع، لكننا نواجه أيضا إلغاءات للحجوزات بالجملة بسبب العدوى والمرض والحالة الوبائية عموما. هنا أيضا لا نجد من يعوضنا عن هذا الإلغاء لذلك نحن نطالب بتعويضات".

وأشار فار إلى أن العاملين في قطاع السياحة حصلوا على تعويضات لغاية شهر حزيران/ يونيو الماضي، "لكنها لم تكن كافية حتى لتغطية المصاريف الأساسية"، وأوضح أن "المتضررين ليسوا مرشدي السياحة فقط وإنما أيضا سائقي الحافلات السياحية وسيارات الأجرة، والعاملين في الفنادق والمطاعم وأصحاب محلات بيع التذكاريات، فالسياحة تشكل حلقة واسعة في الاقتصاد المحلي".

"لا عمل ولا زواج"

بشارة زيتون

من جانبه، قال المرشد السياحي، بشارة زيتون، من الناصرة، الذي يجيد العديد من اللغات ومن بينها الإندونيسية ويرافق المجموعات السياحية التي تصل إلى البلاد من اندونيسيا، إنه "متعطل" عن العمل كليا منذ يوم آذار/ مارس 2020، أي منذ بدء انتشار الجائحة في البلاد، موضحا أنه لا يجيد أية مهنة أخرى سوى الإرشاد السياحي، التي يمتهنها منذ 12 عاما.

وقال زيتون إنه كان يتوقع أن تستمر الجائحة لبضع سنوات، وأنه قد يتعطل عن العمل لشهور طويلة، مشيرا إلى أنه "كان يتوخى من المسؤولين في وزارتي السياحة والمالية أن يجدوا الحلول المناسبة لهذا القطاع المتضرر، ولكن للأسف لم يلتفت هؤلاء إلى قطاع السياحة واقتصر حديثهم على الوعود بأن يتم دمج المرشدين السياحيين في مشاريع لقيادة جولات عن طريق سلطة الحدائق، بميزانية بلغت 15 مليون شيكل رصدت لهذا الغرض، إلا أن المشروع لم يخرج إلى حيز التنفيذ نظرا للعدد الكبير من مرشدي السياحة الذين يزيد عددهم عن 10 آلاف مرشد سياحي، وأنه من غير الممكن دمج كل هؤلاء في مشروع سلطة الحدائق.

وروى زيتون لـ"عرب 48" أنه لم تكن لديه القدرة على التحوّل إلى مجال آخر، أو العودة إلى التعليم الجامعي لثلاث أو أربع سنوات إضافية من أجل اكتساب مهارات تمكنه من امتهان مهنة أخرى، "فالأوضاع المادية تحول دون ذلك"، كما حالت دون زواجه الذي كان مقررا له أن يعقد في العام الماضي، لكنه تأجل مرة تلو الأخرى بسبب الجائحة وبسبب تعطله عن العمل.

الحل: رفع القيود عن السياحة

كمال أبو أحمد

وكان لـ"عرب 48" الحديث التالي مع رئيس مجلس عمال الناصرة، كمال أبو أحمد، الذي شارك في التظاهرة، وقال: "نحن كمجلس عمال الناصرة نتضامن مع نضال وكلاء السياحة، وهو الفرع الأكثر تضررا من خلال الأزمة وجميعنا يعلم أن السياحة من الخارج معدومة كليا".

وأضاف أن "هذا الأمر يمس جميع المرافق السياحية في البلاد، وكم بالحري مجتمعنا العربي الذي هو الأكثر تضررا. لذلك نحن نتضامن معهم في مسعى لفتح المطارات أمام السياحة من الخارج، ومن أجل إفساح المجال لعودة الحياة إلى طبيعتها في ظل الجائحة".

وردا على سؤال حول حجم الضرر الناجم عن توقف السياحة وتعرضت له مدينة الناصرة، قال أبو احمد "أن للسياحة الحصة الأكبر في انتعاش اقتصاد المدينة، وفرع السياحة هو الفرع الأكثر تضررا في الناصرة اليوم وهذا الضرر ينعكس على العاملين في مكاتب السياحة وفي المطاعم والفنادق، والحديث هنا لا يدور عن شهر واحد أو شهرين، فنحن على وشك دخول السنة الثالثة من الجائحة وكل العاملين في قطاع السياحة جالسون في بيوتهم".

وقال أبو أحمد إن "الحل يكمن في تحمّل حكومة إسرائيل مسؤولياتها، وفتح السياحة الخارجية القادمة إلى البلاد لكي تعود هذه المرافق إلى عملها كالمعتاد وتنتعش الحركة السياحية وبالتالي الاقتصادية أيضا".

من الإرشاد السياحي إلى الحراسة

ميرفت بصول

أما المرشدة السياحية ميرفت بصول، من بلدة الرينة، فأعربت عن أملها بأن ينجح نضال العاملين في قطاع السياحة، وتقول لـ"عرب 48": "نحن اليوم نتظاهر ضد البطالة التي يعاني من آثارها العاملون في قطاع السياحة، وعدم التعويض من قبل الحكومة، والتجاهل التام لهذه المطالب".

وأكدت بصول أنه لا يمكن اعتبار السياحة الداخلية بديلا عن السياحة الخارجية، مشيرة إلى أن التحوّل من السياحة الخارجية إلى السياحة الداخلية، قد يتسبب بخسائر تقدر بـ80% من حجم الدخل العام من السياحة، في حين أن وزارة المالية توقفت عن تعويض المرشدين السياحيين سواء بمخصصات البطالة أو بمخصصات تكملة الدخل منذ تموز/ يوليو الأخير على اعتبار أن هذا القطاع عاد للعمل كالمعتاد.

وعن قدرة مرشدي السياحة على توفير دخل لهم ولعائلاتهم، قالت بصول أن بعض هؤلاء انتقلوا للعمل في مجالات أخرى كبدائل عن السياحة، إلى جانب المخصصات التي حصلوا عليها من مؤسسة التأمين الوطني في بداية الأزمة، والتي توقفت كما ذكرت منذ حوالي ستة أشهر. "أنا شخصيا أعرف مرشدا سياحا بات يعمل اليوم حارسا أو ضابط أمن في بلدية الناصرة".

التعليقات