"منع لم الشمل".. أداة إسرائيلية لتشتيت الفلسطينيين

تعيشُ آلاف العائلات الفلسطينية في ظروف مأساوية ومعاناة مؤلمة منذ أعوام طويلة، بسبب "قانون المواطنة - بند منع لم الشمل" الذي يمنع لم شمل عائلات فلسطينية لتعيش مع بعضها البعض تحت سقف واحد.

أُسرة عبلة حمدان شتتها "قانون المواطنة" الإسرائيلي

تعيشُ آلاف العائلات الفلسطينية في ظروف مأساوية ومعاناة مؤلمة منذ أعوام طويلة، بسبب "قانون المواطنة - بند منع لم الشمل" الذي يمنع لم شمل عائلات فلسطينية لتعيش مع بعضها البعض تحت سقف واحد.

تحرمُ السلطات الإسرائيلية عشرات الآلاف من الفلسطينيين من حقهم بالعيش سوية، وتشردهم وتبعدهم عن أُسرهم وذويهم، خوفا من "حق عودة زاحف"، وتفرض قيودا على زواج الفلسطينيين والفلسطينيات من الداخل، أو مواطني أي من الدول العربية، إذ أنها تصنفها "دول عدو"، أو حتى الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول الأجنبية.

نساء يعشن في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعيدا عن أزواجهن وأولادهن، منعن من ممارسة حياتهن العائلية مع عائلاتهن داخل إسرائيل، وكذا الأمر مع رجال حرموا من لقاء زوجاتهم وأولادهم بسبب هذا القانون.

والمتتبع للأمر يجد، هنا وهنا، أطفالا يعيشن مع آبائهم دون أمهاتهم أو مع أمهاتهم دون والديهم، لأنهم حرموا من العيش الأسري في حضن عائلة واحدة.

هذه المأساة المستمرة والمؤلمة هي نتاج السياسة الإسرائيلية التي فرضتها على الفلسطينيين منذ عام النكبة 1948، وواصلتها تباعا، وها هي في العقود الأخيرة تتجلى بصورة رسمية وعلنية كسياسة تمييز وفصل عنصري تستهدف الفلسطينيين لكونهم فلسطينيين، شعبا وأفرادا، وحطت آثارها وتأثيراتها المؤلمة والمريرة لتقطع أواصر عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية.

بين بيت حنينا والطيبة ورام الله

عبلة حمدان، واحدة من النساء المتضررات من تبعات "قانون المواطنة"، كونها ابنة لعائلة أصلها من بلدة بيت حنينا، في القدس، تعيش اليوم في مدينة الطيبة، وهي أم لستة أبناء، أصغرهم طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره، وزوجها يعيش بعيدا عنها في رام الله، يتبادلون الزيارات مرة كل نهاية الأسبوع.

عبلة حمدان

تقول حمدان (أم أمير) لـ"عرب 48" إن القانون فرّق بينها وأولادها من جانب، وبين زوجها من الجانب الآخر.

وتضيف حمدان أنه "لا أستطيع أن ألتقي زوجي، والد أبنائي، فأنا أعيش هنا في الداخل بمدينة الطيبة، وهو في قضاء رام الله. أعيش بين نارين، فمن جهة هو لا يملك تصريحا لدخول البلاد، ومن جهة أخرى عندما نقصده نحن لزيارته والعيش بجواره كعائلة طبيعية فإننا نتكبد الكثير من العناء، ونحتاج لمركبة كبيرة تتسع لسبعة ركاب إضافة لتكاليف ومصاريف المركبة كل نهاية أسبوع، وما لم يتم إلغاء هذا القانون فإننا سنبقى في حالة انقطاع ولن يتمكن زوجي من دخول البلاد".

تعيش عائلة حمدان على هذا الحال منذ العام 2000، حين اقتحم أريئيل شارون، المسجد الأقصى في القدس المحتلة، واشتعلت الانتفاضة الثانية، منذ ذلك الحين لم يتم تجديد التصريح لزوج عبلة حمدان، وتشتت شمل العائلة التي كانت حديثة العهد في حينه.

وعن ذلك، تقول حمدان إنه "في تلك السنة كان زواجنا. اضطررت للبقاء في بيت أهلي لمدة خمس سنوات، حتى تم منح زوجي تصريح دخول إلى البلاد، على الرغم من أنه ليس من أصحاب السوابق الأمنية، ولم يكن معتقلا أو سجينا أمنيا في يوم من الأيام".

وتحمل حمدان وأولادها البالغين الهوية الإسرائيلية، كونها من سكان شرقي القدس، وتعيش في أراضي 48، لكن ليست هناك إمكانية لجمع العائلة بالوالد ما دام قانون منع لم الشمل ساري المفعول.

وتحدثت عن العائق المادي الذي يفرض عليها رعاية ستة أبناء وحيدة، وكونها وحيدة تهتم بنقلهم إلى المدارس يوميا، وتوفير كل احتياجاتهم في غياب الزوج، وهي لا تعمل بسبب مشكلات صحية أعقبت ولادتها الأخيرة.

وأعربت حمدان عن أملها بأن لا يُقّر القانون، ووصفت حالة الترقب التي تعيشها هذه العائلات كمن يذهب إلى البحر للصيد لأول مرة وقد أضاع كل الاتجاهات، فهم لا يعرفون وجهتهم، ولا يدرون على من يعتمدون، وبمن يضعون ثقتهم، على أمل أن تصل هذه العائلات بر الأمان.

وأكدت أنه "علّقنا الكثير من الآمال على النواب العرب، وهم بمثابة القشة الوحيدة التي نتمسك بها الآن".

وعن تلقيهم وعودا بـ"انفراجة" وشيكة، قالت حمدان إنه "لا، في الواقع لم نحصل على أية وعود بالنظر إلى أن زوجي الذي لم يبلغ الخمسين عاما، في الوقت الذي يجري الحديث عن منح تصاريح لعدد محدد من هذه العائلات خاصة أولئك الذين تجاوزوا الخمسين".

واعتبرت هذا التعديل بأنه "غير منصف، لأنه يستثني العائلات الأخرى كليا، ويسبب لها الإحباط وفقدان الأمل".

عائلات مُشتتة

أسمهان جبالي، وهي بالأصل من قضاء نابلس ومتزوجة من رجل من مدينة الطيبة في أراضي 48 منذ سنوات طويلة، ولا تزال تجدّد إقامتها في البلاد، لم تحصل حتى اليوم على هوية أو إقامة دائمة أو جنسية أو حتى وصاية على أبنائها.

وتقول جبالي لـ"عرب 48" إنه "كانت هناك عدة وعود منذ سبعة أشهر، حين تم إسقاط القانون بالقراءة التمهيدية، ونظّمنا في حينه وقفتين احتجاجيتين أمام الكنيست، وعقدنا جلسات مع عدة أحزاب، ولكن لم يغمرنا الفرح، ولم يكن لدينا أمل بسبب عدم وجود 'عصا سحريّة' تجعلنا بين ليلة وضحاها نحمل الهويّة الإسرائيلية".

تعيش العائلات الفلسطينية المُقطعة أوصالها هذه المعاناة في كل عام، قبيل طرح القانون في الكنيست الإسرائيلي للتصويت عليه وتمديد سريان مفعوله، إلى جانب المعاناة اليومية في جوانب عدّة، تبدأ من تعبئة "استمارة الإقامة" في وزارة الداخلية المتوفرة فقط باللغتين العبرية والإنجليزية.

أسمهان جبالي

وتقول جبالي إن "العائلات كانت تواجه، أولا، صعوبة في هذا الجانب، نظرا لعائق اللغة العبرية لدى الكثير منها، وكان يتم رفض الملفات بسبب اللغة العبرية. ثانيا، فحص الجينات (DNA) لإثبات انتماء الأبناء للعائلة، فهو فحص مهين ومكلف في الوقت ذاته، وتصل تكاليف الفحص إلى 4 آلاف شيكل، والعائلة المكوّنة من ستة أفراد يكون لزاما على الجميع إجراء الفحص، على الرغم من أن 60% من هذه العائلات تصنّف تحت خط الفقر وفي ظل أزمة 'كورونا' ربما يعيش 80% منها تحت خط الفقر".

تعاني هذه العائلات عندما يتم دمجها في سوق العمل، ويتم استغلال هؤلاء العمّال مقابل استصدار تصاريح عمل لهم من قبل المشغّل. بالإضافة إلى صعوبة حيازة رخصة سياقة، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا تسمح لمن يمتلك رخصة سياقة دولية القيادة في شوارعها. أضف إلى ذلك أن أجور العمال لا يسري عليها قانون الحد الأدنى من الأجور. وفي مجال التوظيف، لا يحق لمن درسوا في الجامعات من أبناء هذه العائلات الحصول على وظيفة حكومية، كما تحرم هذه العائلات من الانتساب لصناديق المرضى، وإذا أرادت الحصول على خدمات صحية، يكون الاشتراك في هذه الصناديق مقابل رسوم شهرية، تتراوح ما بين 300 – 500 شيكل، في الشهر الواحد، ولا يحظى بكل الخدمات المتوفرة في السلة الصحية.

قانون مجحف

وفي هذا السياق، قال المحامي أنور أبو قطيش، من مدينة القدس، والذي يتابع عددا من ملفات العائلات التي تعاني من جراء قانون منع لم الشمل، المعروف بـ"قانون المواطنة" لـ"عرب 48" إن "القانون هو 'أمر ساعة' أو 'أمر مؤقت'، يتم تجديده كل ستة أشهر، وهو نفس القانون الذي تم إسقاطه قبل شهور بجهود أخوتنا في 'التجمع 'و'الجبهة' وليس فيه تجديد".

أنور أبو قطيش

وعزا المحامي أبو قطيش الضجة التي أثيرت حول هذا القانون في الأشهر الأخيرة "ليس فقط بسبب وجود حزب عربي "القائمة العربية الموحدة - الحركة الإسلامية (الجنوبية)" في ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الذي يؤيد القانون، وإنما السبب هو أنه في الماضي كان يتم تجديد القانون بشكل تلقائي لأنه يحظى بأغلبية في الكنيست، في حين أنه هذه المرة كانت الأغلبية على المحك وحتى أنها فشلت في القراءة التمهيدية التي جرت قبل أشهر قليلة، وفشل الحكومة الإسرائيلية في تجديد القانون هو ما أثار الضجة حوله".

وأضاف أن "تأثيرات القانون على العائلات وعلى الأزواج من جانبي الخط الأخضر، لم تتغير. ولا تزال القاعدة الأساسية للقانون تحظر على الزوج والزوجة الفلسطينيين من الحصول على أي هوية مؤقتة أو دائمة أو جنسية إسرائيلية. وقد أضيف تعديل للقانون يسمح بحصول الأزواج على تصريح جمع شمل مؤقت صادر عن الإدارة المدنية ويجدد كل سنة، شريطة استيفاء شروط معينة".

وختم المحامي أبو قطيش بالقول إنه "دعنا نقارن بين القانون الذي تم التصويت عليه بالأمس القريب، وما كان في السنوات الماضية، إذ نجد أن القانون لم يتغير وهو ذاته. ليس هذا فحسب، بل أعتقد أن التعديلات التي طرأت عليه مسيئة وليست مفيدة، لأنها تضع سقفا أو غطاء لعدد التصاريح التي ستعطى لهذه العائلات (تصاريح وليس هويات) بمعنى أن هذه التعديلات قد يستفيد منها عدد معين من العائلات وتتجاهل كلّية العائلات الأخرى، ولا يكون هناك أية نقاش بشأنها، وهذا أمر مجحف للغاية بحق غالبية هذه العائلات".

التعليقات