خبير ومدرب للسياقة: 90% من حوادث الطرق تتعلق بسلوك السائق

عن حوادث الطرق وأسبابها كان لـ"عرب 48" الحوار التالي مع نصار حسن، خبير ومحاضر ومدرب السياقة المتطوّرة في العديد من الميادين في أنحاء البلاد.

خبير ومدرب للسياقة: 90% من حوادث الطرق تتعلق بسلوك السائق

نصار حسن: سلوكيات السائق الشاب تعرض حياة الناس للخطر

يستدلُ من معطيات وإحصاءات نشرتها سلطة الأمان على الطرق أن 227 شخصا، بينهم 77 من المجتمع العربي، لقوا مصارعهم في حوادث الطرق على الشوارع المختلفة بالبلاد، منذ مطلع العام 2022 ولغاية مساء أمس الإثنين.

ولقي 19 شخصا مصارعهم، على شوارع البلاد، خلال الأسبوع الأخير، وكانت غالبية هذه الحوادث تتعلق بالعامل البشري والإهمال الذي أسفر عن كوارث حصدت أروح أبرياء إضافة إلى العشرات من المصابين.

عن حوادث الطرق وأسبابها كان لـ"عرب 48" الحوار التالي مع نصار حسن، خبير ومحاضر ومدرب السياقة المتطوّرة في العديد من الميادين في أنحاء البلاد.

"عرب 48": ما أسباب هذه الموجة من حوادث الطرق، هل نستطيع أن نضع الأصبع على الجرح ونحدد الأسباب أو العوامل الأساسية لحوادث الطرق؟

حسن: في البداية دعني أقول لك إننا لا نتحدث عن سياقة وإنما عن سلوكيات، وهذه السلوكيات تميز منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس بلادنا فقط، وهي أن العنصري الذكوري هو الغالب أو المتفوق فيها على العنصر الأنثوي، وذلك على الرغم من أن المعطيات تشير إلى أن نسبة الذكور المشاركين في حوادث الطرق أعلى بكثير من نسبة النساء وتبلغ 77% من الحوادث يتسبب بها الذكور مقابل 23% حصة النساء في حوادث الطرق.

"عرب 48": لكن بالمجمل هناك فكرة مسبقة لدى الكثيرين بأن الذكور أكثر تمكنا في القيادة، ولذلك هم يقودون الشاحنات والحافلات؟

حسن: لا، هذه الفكرة خاطئة، هناك من بين سائقي الحافلات وسيارات الأجرة وشاحنات سواء في بلادنا أو في البلاد الأكثر تقدما، لكن الإحصاءات والمعطيات تشير إلى أن نسبة السائقين الذكور (أي الذين يحملون رخصة سياقة) أعلى من نسبة النساء بحوالي 20% بمعنى أن الذكور يشكلون 60% من السائقين والنساء يشكلن 40% من مجمل السائقين على شوارع البلاد.

"عرب 48": كيف تفسر حقيقة أن الذكور يشتركون أكثر من النساء في حوادث الطرق؟

حسن: الأمر في ذلك يعود إلى طبيعة المرأة التي تختلف عن طبيعة الرجل، فكما هو معروف عن المرأة بأنها تستطيع أن تنجز وأن تركّز في أكثر عمل أو أكثر من مهمة واحدة في ذات الوقت، فضلا عن أن أنها قادرة على إدراك وتشخيص الخطر أكثر من الرجل، وهو أيضا أمر متعلق بطبيعتها البشرية كأنثى من أجل حماية أطفالها من المخاطر. وهذا كله ينعكس سلوكياتها على الشارع، فهي أكثر حذرا، ويستغرق ركن السيارة معها أكثر وقتا من الرجل، وعادة هي لا تخاطر ولا تجازف بحياتها ولا بحياة الآخرين، على عكس السائقين الشباب خاصة الذين يحاولون طوال الوقت اختبار قدراتهم وقدرة مركباتهم، وهي الفئة الأكثر عرضة لحوادث الطرق (السائقين الشباب حتى سن 24 عاما) وتحديدا من الشباب العرب. وهناك معطيات عالمية تشير إلى أن السبب الأول لموت الشباب دون سن 30 عاما في العالم هو حوادث الطرق.

"عرب 48": ما الأسباب لذلك حسب رأيك؟

حسن: الخبرة، وكما هو معروف فإن الخبرة تُكتسب من خلال القيادة، وهؤلاء الشباب لا يملكون الخبرة الكافية، وهم يكتسبون خبراتهم في أخطر مكان وهو الشارع، بالإضافة لرغبتهم الجامحة في تفحص حدودهم، فهم بشكل مستمر يعودون على هذا الأمر فحص إمكاناتهم وقدراتهم وطاقاتهم، ينضاف إلى ذلك الضغط الاجتماعي السلبي الذي يتولّد لدى السائق الشاب داخل مركبته حين يسافر معه الأصدقاء ويحثونه على السرعة والتجاوز ويرفعون صوت الموسيقى، لذلك أصبح القانون يحظر على السائق الشاب (دون سن 21 عاما) أن يقل معه أكثر من راكب واحد إذا لم يكن في المركبة شخص بالغ. وعادة ما تكون نتائج الحوادث التي يشترك فيها الشباب إما قاتلة أو خطيرة جدا.

حسن: نسبة الذكور المشاركين في حوادث الطرق أعلى بكثير من نسبة النساء

"عرب 48": هل ترى بأن الصورة قاتمة في بلادنا لو قورنت ببلدان متطورة أخرى من حيث نسب حوادث السير؟

حسن: في الواقع الصورة الحقيقية هي أكثر سوادا مما يظهر في المعطيات التي تستعرضها لنا جمعية "أور يروك" (ضوء أخضر) أو المعطيات الرسمية، التي يتم تجميلها. فالواقع أكثر قسوة من المعطيات التي تقدّم لنا بحيث أنها تعطينا صورة فقط عن عدد القتلى والإصابات الخطيرة، لكن هذه الإحصاءات لا تشمل الأضرار الناجمة عن حوادث الطرق التي لا توقع إصابات أو التي توقع إصابات طفيفة لا تستدعي بقاء المصاب في المستشفى، ولهذا الأمر جوانب سياسية أيضا.

"عرب "48: ما هو الجانب السياسي في الموضوع؟

حسن: في العام 2010 انضمت إسرائيل إلى دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) وكان انضمامها مرتبطا بضرورة العمل على خفض نسب ضحايا حوادث الطرق التي بلغت حوالي 400 قتيل في السنة في المعدل العام، وهذه الأرقام تعد مرتفعة بالنظر إلى كونها بلاد صغيرة، وبالتالي فإن ساعات السفر فيها منخفضة والمسافات قصيرة، وهذه ليست من مميزات "الدول المتقدمة" وإنما هي أقرب إلى معدلات دول العالم الثالث، لذلك وضعت دولة إسرائيل في حينه هدفا لخفض عدد ضحايا حوادث الطرق إلى ما دون الـ300 في العام، ولهذا الغرض تأسست ما تسمى "السلطة الوطنية للأمان على الطرق" وجمعية "أور يروك" وتم إدراج طريقة النقاط على مخالفات السير، كنوع من تشخيص السائقين المخالفين الذين يعودون على تكرار المخالفات ذاتها. ولتحقيق هذا الهدف أيضا تمت مضاعفة أعداد طواقم الإنقاذ والإسعاف والشرطة وأدخلت الطائرات التابعة لـ"نجمة داود الحمراء" ووحدات الدراجات النارية، وزاد الاهتمام بالبنى التحتية من خلال إغلاق دائرة الأشغال العامة (ماعتس) واستبدالها بشركة "مسارات إسرائيل" وغيرها الكثير، وكل واحد من هذه الأجسام مموّل حكوميا ويحصل على ميزانيات هائلة، لكن الهدف الذي وضعته الحكومة عام 2010 لم يتحقق حتى اليوم، بل على العكس نلاحظ أن الأعداد عادت للارتفاع من سنة لأخرى، لذلك فهم يحاولون تجميل الصورة من خلال التلاعب بالمعطيات التي لا تظهر مدى خطورة الواقع الحقيقي.

"عرب 48": على الصعيد الفردي، كيف يستطيع المواطن الفرد أن يتحمل مسؤولياته ويساهم في التقليل من حوادث السير؟

حسن: كل شيء يبدأ من البيت. أولا على السائق الأب أن يكون قدوة لأبنائه، وأن يكون ملتزما، فليس دور السائق أن يصلح العالم، ولكنه يستطيع أن يصلح نفسه بالالتزام الشخصي، وأن يضع أمامه هدفا واحدا وهو العودة إلى البيت بأمان، دون أن يكترث للحق في الطريق إذا ما كان الحق له أو عليه. المهم أن يتجنب الوقوع في الأخطاء، وأن يتفادى الأخطاء التي يتسبب بها غيره من مستخدمي الطريق، فالخطأ في الشارع قد يكلف الشخص حياته وهو ليس كأي خطأ آخر يمكن تصحيحه فيما بعد، وهو ليس امتحان يمكن إعادته لاحقا. الخطأ على الشارع قد يحوّل المركبة بلحظة من وسيلة نقل إلى وسيلة قتل. وأعتقد أن الغالبية الساحقة من السائقين، حتى من الشباب، مدركة لهذه الحقيقة. والتقليل من الحوادث يمكن أن يكون في التركيز على القيادة وليس الانشغال بالأمور الجانبية، والاهتمام بوضع حزام الأمان ونقل الخبرة الإيجابية للأولاد، وتعليمهم السلوكيات الصحيحة، بالتالي على الوالد أن يكون قدوة حسنة لا أن يتحدث بالهاتف أثناء القيادة، ولا أن يضع ابنه الصغير في حضنه حيث لا يوجد شرطي وأن يتجاهل وضع حزام الأمان، هذه رسائل مسيئة للأولاد الذين يعتقدون بأن قيادة المركبة هي لعبة للكبار ونجدهم يرغبون في القيادة في سن 12 - 13 عاما، وأحيانا يفعلونها على غفلة من الأهل.

"عرب 48": متى تقع حوادث الطرق؟

حسن: هناك 3 عناصر إذا اجتمعت معا يقع الحادث، العامل البشري والآلة التي هي المركبة، والبنى التحتية. اثنان من هذه العناصر خاملة وعنصر واحد فعال وهو السائق الذي يفكر ويقرر ويتصرف في الظروف غير العادية، لذلك فإن 90% من أسباب الحوادث تتعلق بالسائق.

"عرب 48": بصفتك مرشد ومدرب للسياقة الحذرة والسياقة المتقدمة لسائقي الحافلات والشاحنات والدراجات النارية وسيارات الأجرة، هل تعتقد أن السائقين مؤهلين تماما لضمان سلامة الركاب؟

حسن: نحن حين نستخدم عبارة "سائق مهني" فإننا لا نقصد أنه سائق محترف، بل المهنية هنا تعني أنه يعتاش من هذه المهنة، وفي الواقع يترتب على هؤلاء السائقين الخضوع لاختبارات عديدة منها النفسية والصحية وغيرها، لكن النتيجة في النهاية لا تكون نجاحا أو فشلا وإنما هي امتحانات ملاءمة أي أن السائق ملائم أم لا، ولذلك يصبح هذا المصطلح "ملاءمة" فضفاضا حين تتطلب الحاجة لمزيد من سائقي الحافلات، وحين تقرر الجهات الرسمية كوزارة المواصلات أو الحكومة تشجيع استخدام وسائط النقل العامة، وحين يكون هناك نقص كبير في عدد سائقي الحافلات وتكون هناك حاجة لسد هذا النقص فإنه بالتالي قد تنخفض معايير وشروط الملاءمة من أجل إدخال أكبر عدد من سائقي الحافلات لسد النقص. كما هو الحال اليوم فهناك نقص في حوالي 5 آلاف سائق حافلة و3 آلاف سائق شاحنة. وهناك أبحاث، اليوم، تؤكد أنه إذا واصلنا رفض التحول للمواصلات العامة والتمسك بالمركبة فإنه بعد عشر سنوات ستكون كل شوارع البلاد مزدحمة إلى درجة الشلل التام في بعض ساعات النهار، بالنظر إلى أنه يدخل البلاد كل عام حوالي 230 ألف سيارة جديدة، والشركات تشجع موظفيها بمنحهم "سيارة شركة" وفي كل سيارة تجد سائقا واحدا فقط، في حين أن الحافلة الواحدة يمكنها أن تحل مكان 50 مركبة على الشارع.

"عرب 48": سؤال أخير، إلى أي مدى يمكن تطبيق القانون من قبل الشرطة أن يمنع أو يقلل من حوادث الطرق؟

حسن: لا شك أن تواجد الشرطة بكثافة يردع السائقين، لكن قبل ذلك علينا التخلص من عقلية أن القانون جاء من أجل الشرطة وأنه حيث لا توجد شرطة لا ينبغي أن نحترم القانون فهذه العقلية "مريضة"، وكثيرا ما أتعمد توجيه مثل هذه الأسئلة للسائقين وللطلاب "لماذا تضعون حزام الأمن؟" وتكون إجاباتهم بمعظمها حول المخالفة والشرطة ولإسكات صوت التحذير الذي يصدر من المركبة حين لا يتم وضع الحزام، ونادرا ما تجدهم يقولون إنه من أجل أمننا وسلامتنا. وفي هذا الجانب، هناك نقص كبير في عناصر الشرطة وتطبيق القانون لذلك نجد الشرطة تلجأ إلى تطبيق القانون الإلكتروني المحوسب عن طريق تثبيت كاميرات مراقبة وتقنيات عديدة أخرى. وهنا أيضا تصطدم بمفاهيم خاطئة حول ما إذا كان الهدف من تطبيق القانون هو منع حوادث الطرق أم جباية غرامات من السائقين.

التعليقات