يغذي انتشار السلاح في البلدات العربية الخلافات ويعمّق النزاعات، ويوقع العديد من القتلى والجرحى، ويتسبب بدمار أُسر وعائلات، وتفكيك أواصر المجتمع.
ولعل ما حصل في جديدة المكر، حديثا، يعكس صورة حقيقية للواقع المأساوي الذي يمر به المجتمع العربي، في الآونة الأخيرة، وقد دق ناقوس الخطر.
وفي السياق، تمكنت لجنة المتابعة العليا ولجنتا الصلح القطرية والمحلية من التوصل إلى هدنة بين عائلتي ضحيتي جريمتي القتل وسيم كيال ومأمون رباح في جديدة المكر، والحصول على توكيل للبدء بالعمل سعيا للتوصل إلى اتفاق وعقد راية الصلح.
ويجمع الكبير والصغير في جديدة المكر على أن أعمال العنف والجريمة لا يمكن وقفها دون مجابهة جذورها، وهي تجارة السلاح، التي سلبت الأمن والأمان من حياة المواطنين اليومية، وكذلك تحولت الخلافات بين العائلات لساحة جرائم، لم نكن نعهدها من قبل، وأن هذا ما حدث تماما في النزاع بين عائلتي ضحيتي جريمتي القتل، إذ تحوّل خلاف عادي بسيط لجريمة قتل بالسلاح، وتطورت أعمال العنف لجرائم أزهقت ثلاثة ضحايا من العائلتين.
وقال رئيس مجلس جديدة المكر، سهيل ملحم، لـ"عرب 48" إنه "على الرغم من مرارة الموقف، لكننا اليوم في جديدة المكر نأمل بأن يجد هذا الصراع حدا ونهاية، وذلك بفضل تدخل قيادات شعبنا وإصرارهم على التوصل إلى حل لهذه المشكلة".
وأضاف أنه "خسرنا ثلاثة أرواح عزيزة، هذه العائلات تعبت ونحن تعبنا ولم يعد هناك أغلى مما خسرنا ونخسر ألا وهي أرواح الشباب، ولذا فالجميع يسعى لحل هذه النزاعات. ما حدث لن نتمكن من تغييره، ولكننا نستطيع تغيير ما هو قادم بجهود أهل الخير".
وقال رئيس لجنة الصلح المحلية، أسعد كيال، لـ"عرب 48" إنه "كلي أمل أن تصل العائلتان لحلول، في أسرع وقت ممكن. نطالب أهل الخير بمساعدتنا في التوصل لحلول بين العائلتين، وإن كانت هناك أياد سوداء تعمل في الظلام من أجل مكاسب سياسية أو غيرها، فنحن نرفضها ونريد تحقيق الصلح بكل الأحوال لأنه لا حل إلا من خلال إصلاح".
وأضاف أنه "نحن عائلة كيال وعائلة رباح لم نكن يوما نشعر بأننا عائلتين وإنما كنا عائلة واحدة، وممنوع أن نتحول لطرفي نزاع، ويجب أن نوقف الأيادي السوداء والفتنة عند حدها، ونعم نحن نطالب بجمع السلاح وفورا من البلدة ومن كل مجتمعنا العربي، فهذه الأسلحة سبب مباشر لتفاقم الجريمة، وجديدة المكر كغيرها لم تسلم من تجارة الأسلحة والأشخاص المرتبطين بالدولة، ولو أرادوا جمع السلاح لفعلوا في غضون 12 ساعة، ولكن هناك من هو معني بتفتيت مجتمعنا".
وقال المحامي وسام عريض لـ"عرب 48" إنه "من المؤسف القول إن جديدة المكر كغيرها من البلدات العربية، غزتها عصابات الإجرام، ونشرت السلاح بين أيدي الشباب بدون أي رادع. هذا السلاح هو سبب الداء في مجتمعنا، إذ لم تعهد الصراعات العائلية يوما سقوط قتلى وإزهاق أرواح بهذا الشكل، وكل شر في مجتمعنا أصله من يسعى لإفساد وتدمير مجتمعنا من خلال نشر تجارة السلاح والجريمة بيننا".
وتابع عريض أنه "كان بالإمكان التوصل للصلح وحقن الدماء قبل سقوط الضحايا الأخيرة، ولكن مع الأسف وقع ما وقع، واليوم تقع على عاتقنا مسؤولية لمنع وقوع ضحية أخرى، والسعي لإصلاح ذات البين".
وختم عريض بالقول إن "انتشار السلاح هو سبب كل الشرور في مجتمعنا، وهو برنامج مرسوم لمجتمعنا من قبل الأجهزة الأمنية في إسرائيل، وهدفه واضح بأن يستخدم هذا السلاح للاقتتال الداخلي، ولو وجه هذا السلاح لآخرين لمنعت السلطات وصوله لأيدينا، ولكن طالما يسفك فيه دم عربي فليس هناك من يسأل أو يهتم".
وقال أيمن عيشان من جديدة المكر لـ"عرب 48" إنه "شهدنا خلافات وصراعات بين العائلات سابقا، ولم يكن هذا الأمر غريبا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولكن لم يحدث أن وصلنا لحالة مماثلة كما يحدث في هذه الأيام".
وحذر من استخدام السلاح، وقال إنه "ما أن يقع خلاف بين إثنين حتى يستخدم السلاح ويُقتل شباب. الشر أصله كله في انتشار السلاح الذي يدمر مجتمعنا برمته".
التعليقات