"علاقة مباشرة بين تراجع النضال الشعبي وهدم البيوت المُهددة بيد أصحابها"

ويؤكد المحامي علاء تلاوي في حديث لـ"عرب 48" حديث يونس، أن "هناك فرق بين ذهاب المحامي لطلب تجميد دون نضال جماهيري في الخلفية، وبين أن يكون الشارع مشتعلا ومتوترا، فالمحكمة تعطي وزنا في اتخاذ قراراتها إذا كان هناك تحركات شعبية".

(Gettyimages)

في الواحد والثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر 2010، احتشد عشرات السكان من مدينة الطيبة أمام بيت صلاح شيخ يوسف، شرقي المدينة المهدد بالهدم الفوري، من أجل حمايته، وفي لحظة خاطفة، طوّقت قوات كبيرة من الوحدات المختلفة للشرطة المنطقة؛ قوات خاصة وحرس الحدود وقوات من وحدة الخيالة، هناك اندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتواجدين التي حالت دون أن تستطع جرافات الهدم الدخول إلى منطقة البيت.

وأسفرت المواجهات حينها عن عدة إصابات بينها كانت إصابات متوسطة، اضافة إلى عدد كبير من الاعتقالات، الأمر الذي أدى في وقتها إلى تحوّل قضية بيت شيخ يوسف إلى نضال شعبي كبير شارك فيه المئات من أهالي الطيبة.

وجاء النضال الشعبي لبيت شيخ يوسف، بعد أن استنفذت كافة الوسائل القضائية والسياسية والتخطيطية، وبعد مواجهات ونضال شمل العديد من الخطوات الاحتجاجية المختلفة، اضطرت السلطات إلى التراجع عن قرار الهدم في نهاية المطاف، ليسجل هذا النضال في تاريخ العمل الجماهيري في الطيبة.

ورفضت عائلة شيخ يوسف كافة أنواع التهديد التي مورست عليها من قبل الشرطة، من أجل أن تقوم العائلة بهدم بيتها بيدها، واختارت أن تتجه إلى النضال الشعبي الذي كان المناص الأخير لإنقاذ البيت من الهدم المحتوم، وآنذاك وقفت اللجنة الشعبية في الطيبة وقفة واحدة بالتعاون مع أهالي المدينة، ولا يزال بيت العائلة مأهولا بسكانه.

لكن، لم يكن بيت عائلة شيخ يوسف في مدينة الطيبة هو البيت الأول أو الأخير الذي حاولت السلطات أن تنال من أصحابه كي يقوموا بهدم بيوتهم بأيديهم من خلال ممارسة الضغوطات عليهم، فقد شهدت مدينة قلنسوة في السنين الأخيرة حراكات شعبية استطاعت أن تمنع أوامر هدم فورية كثيرة، آخرها في المنطقة شرقي شمال المدينة (تحت خط الكهرباء) بعد أن اضطرت السلطات إلى ترخيص كافة البيوت هناك وإزالة أوامر الهدم.

يقول حقوقيون إن النضال الشعبي لبيت مهدد بالهدم، يعطي صاحب البيت الأمل أولا على الصعيد المعنوي، ومن ثم يعيق حركة الشرطة التي تقوم في تجهيز عملية الهدم أيام قبل تنفيذها.

ويعطي النضال الشعبي إشارات للسلطات إلى أن "مواجهة حتمية ستقوم مع السطات في حال هُدم البيت"، فيشير رئيس اللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، مضر يونس، لـ"عرب 48"، إلى أن "النضال الشعبي يشكل زعزعة لدى السلطات قبيل عملية هدم، ويعطي مهلة لأصحاب البيت والدفاع أن يقوموا بتجميد أمر الهدم".

ويؤكد المحامي علاء تلاوي في حديث لـ"عرب 48" حديث يونس، أن "هناك فرق بين ذهاب المحامي لطلب تجميد دون نضال جماهيري في الخلفية، وبين أن يكون الشارع مشتعلا ومتوترا، فالمحكمة تعطي وزنا في اتخاذ قراراتها إذا كان هناك تحركات شعبية".

المحامي علاء تلاوي

هناك علاقة وطيدة ما بين النضال ضد هدم البيوت والهدم الذاتي، فيشير ناشطون سياسيون ومسؤولون في تقرير أعده "موقع عرب 48" حول العلاقة بين ارتفاع نسبة الهدم الذاتي في المجتمع العربي وبين تراجع النضال الشعبي الجماهيري في الآونة الأخيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع حاد في تنفيذ أوامر الهدم الذاتية في المجتمع العربي، وتبين أيضًا ارتفاعا منذ العام 2017 حتى العام 2021 في أوامر الهدم بشكل عام.

وتوضح المعطيات في تقرير لسلطة تطبيق القانون في دائرة "أراضي إسرائيل"، أن تنفيذ أوامر الهدم في البلاد ارتفع بنسبة 80% في المجتمع العربي. وسُجّل في العام 2021 هدم 1708 مبنى، 85% منها هُدمت بشكل ذاتي على يد أصحابها، سواء مبان سكنية أو منشآت تجارية أو زراعية، أي ما يعادل 1405. أما في العام 2020 هُدم 1701 مبنى، 1209 من هذه المباني، هُدمت بشكل ذاتي من قبل أصحابها.

ويُستدل من التقرير أيضا أنه طرأ انخفاض في بدء البناء، إذ تشير المعطيات إلى أن 28% هي نسبة الانخفاض في بدء البناء في العام 2021 مقارنة مع العام 2020. إذ رصدت السلطات في العام 2020، 253 أساسات لبناء جديد، أما في العام 2021 رصدت 181 بناء جديد، ما يشير إلى أن السلطات نجحت بتشديد قبضتها أن تحد من عمليات البناء الجديد.

أما أوامر الهدم فقد شهدت ارتفاعا بنسبة 10% في العام 2021 مقارنة بالعام 2020، إذ سلّمت السلطات 1662 أمر هدم إداري في العام 2020 وفي العام 2021 سلّمت 1844، ومقارنة مع المعطيات من العام 2017 فإن ارتفاعا بنسبة 190% سُجّل بما يتعلق بأوامر الهدم، بالمقارنة مع عام 2017 لقد سُجل، 533 أمر هدم فقط.

تراجع النضال الشعبي

يرى عبد الرحيم عودة، من الحراك الشبابي في قلنسوة إن "الشرطة والسلطات الإسرائيلية باتت تغيّر من إستراتيجية عملها ضد أصحاب البيوت المهددة بالهدم" مشيرا إلى أن "عملية الترهيب التي يتعرض لها صاحب البيت المهدد بالهدم، التي ترافق أمر الهدم، تضعه في الزاوية دون حلول، وهذا قد يؤدي إلى هدم المواطن بيته بيده دون اللجوء إلى نضال شعبي خوفا من تلك التهديدات التي تلقاها".

الناشط عبد الرحيم عودة

وبحسب عودة إن "تراجع العمل الشعبي في قضية الأرض والمسكن هو سبب بارتفاع الهدم الذاتي هناك تراجع في العمل الشعبي، وخاصة اللجان التابعة للجنة المتابعة، ولكن اللجان المحلية المستقلة في الفترة الأخيرة هي الأكثر نجاعة، ولكن في المجمل في قضية الأرض والمسكن تشهد تراجعا مقلقا في النضال".

يتفق رئيس لجنة رؤساء السلطات المحلية، مضر يونس، مع أقوال عودة، مشيرا إلى أن "النضال والحشد الجماهيري أصبح ضعيفا مقارنة مع في الأعوام السابقة".

وأضاف أن "النضال الجماهيري ليس كافيا، صحيح، ولكن كان يخلق حالة من الردع لدى الشرطة والسلطات إذا كان هناك بيت مهدد بالهدم، والمواطن اليوم أصبح محتارًا، هل النضال الجماهيري في أيامنا هذه إذا تواجد سيرافقه حتى إصدار التراخيص أو الحصول على تجميد الهدم، في حين أن السطات أصبحت أكثر حزما في قضايا الهدم".

ويوضح يونس أن "المواطن أصبح غير مطمئن، إن يهدم ويتفادى الغرامة، أو أن لا يهدم ويخلق الأمل لترخيص المنزل، ولكن في المقابل لا ننسى أنه يخاطر في الغرامات. والمواطن ليس لديه ثقة بمؤسسات الحكومة أن تقوم بمسامحته في حال تم البناء غير المرخص".

"مع كل ضربة للجرافة في البيت كأنها بقلبي"

يقول نبيل جابر من مدينة الطيبة، متزوج وهو أب لثلاثة أبناء، بعد أن قام بهدم بيته بيده قبل عام ونيف بذريعة البناء دون ترخيص في حديث لـ"عرب 48" إنه "لا يوجد أصعب من أن ترى الحلم الذي بنيته لك ولأولادك تهدمه بيدك، مع كل ضربة للجرافة، كأن جزءا من قلبي كان يُهدم، المشهد لمن يراه من بعيد ليس كما من عاشه على جسده، صرف الغالي والنفيس عليه".

لم يُقتصر الأذى على الخسارة المادية لجابر، إنما حالة نفسية سيئة تسللت إلى العائلة منذ استلام أمر الهدم "لم نكن نشرب ونأكل ولا ننام كما في السابق منذ أن استلمنا أمر الهدم، إنك تعيش بأوهام وكوابيس طيلة الوقت، وتساؤلات كثيرة كسرت الطمأنينة عندي وعند العائلة، هل البيت سيهدم أم لا؟ ماذا سأفعل لكي أحميه؟ هذه أسئلة كانت تسبب لي الضغط والأذى النفسي لي ولعائلتي".

عائلة نبيل جابر

يوضح جابر أنه شهد نضالا شعبيا في بيته، ولكن وفق حديثه فإن "هذا النضال لم يكن كافيا مقارنة مع ضغوطات السلطات عليه، كان هناك بعض الناشطين الحريصين على مصلحة الطيبة ووقفوا إلى جانبي، ولكنني خدعت من السلطات ومن لجنة التنظيم في السلطة المحلية، وهي التي كانت أحد الأسباب الذي دفعني إلى هدم البيت بيدي".

وأضاف "حاولت جاهدا تفادي الهدم، ولكن الهجمة التي كانت على أكبر من الوقفة التي كانت إلى جانبي، اضطررت إلى هدم البيت تفاديا بالغرامات المالية التي هددوني بها، وفي الحقيقة لو كانت هناك وقفة قوية، لكنت استمريت في النضال الشعبي".

تعامل الحكومة لم يتغيّر

يرى مضر يونس، رغم تراجع العمل الشعبي وارتفاع في الهدم الذاتي، أنه من أهم الأمور في هذا السياق هو التخطيط والتنظيم السليم ولو كان الأمر صعبا "نعرف أن التخطيط والتنظيم في سلطاتنا ليس سريعا، والسياسة الإسرائيلية في ما يتعلق بقضية الأرض والمسكن لم تتغير، فما زالت اللجان اللوائية تصعب تعاملها مع سلطاتنا المحلية، فالمعاملة هي ذاتها لم تتغير للأحسن، ولم يخلق أفقًا للمواطن العربي، لذلك يضطر لهدم بيته بيده".

وأضاف يونس أنه "على السلطات المحلية العربية أن تقوم بواجبها، ونحن كرؤساء سلطات محلية، لا يمكننا أن نقول للمواطن إن يهدم أو لا، لأن هذا القرار شخصي وحساس جدا. يجب علينا أن نتعامل مع الواقع ونفهم ما يدور حولنا، وأن يكون الحراك الشعبي في سلم الأوليات إلى جانب الأمور الأخرى التي تم ذكرها".

مضر يونس

وكما يونس، يوافق عودة أنه على اللجان الشعبية أن تكون في حالة انعقاد دائم في قضية الأرض والمسكن "إننا على ما يبدو نتجه إلى أيام صعبة. هناك تقصير من قبل السلطات المحلية في التخطيط والتنظيم، ولكن المسؤولية الأولى على الدولة وسياستها ضدنا كعرب، لذلك، حين تهدم بيتك فأنت تعطي شرعية لهذه السياسة، مع كل الألم الذي يذوقه صاحب البيت، ولكن بهذا أنت تعترف أنك أخطأت، لذلك إذا أرادوا أن يهدموا فليأتوا بأنفسهم ويتصدى لهم الحراك الشعبي".

النضال الشعبي سيخفف من الهدم الذاتي

لا ينفي المحامي علاء تلاوي أن هناك علاقة مباشرة بين ارتفاع الهدم الذاتي وتراجع العمل الشعبي، ويوضح من الجانب القانوني أن "قضائيا العمل الشعبي ليس له وزن، ولكن، سياسيا وشعبيا قد يكون أحيانا أفضل من طاقم مختصين، العمل الشعبي يؤثر وأثر كثيرا في قرارات القضاة في بيوت مهددة بالهدم، وكمحام هذا يعطيني ورقة مقايضة أمام المحكمة".

من جهته، يعتقد عبد الرحيم عودة أن "عدم لجوء أصحاب البيوت المهددة بالهدم إلى تعميم قضيتهم للعمل الجماهيري هي إحدى الأسباب التي أدت إلى اضطرار المواطن هدم بيته بيده، وناشد عودة أصحاب البيوت المهددة بالهدم أن ‘لا تترددوا بالتوجه إلى اللجان الشعبية المحلية، أو أي حراك وطني شعبي يمكنه أن يقود نضالا عادلا ووطنيا‘، تجربتنا في مدينة قلنسوة في حراك شبابي مستقل، منعت الكثير من الهدم الذي كان محتوما، لأن الشرطة عادة إذا رأت أن هناك حالة هدوء تسود البلدة، فإنها تنفذ الهدم بأريحية بل وتستمر على بيوت أخرى، على أصحاب البيوت أن يمنحوا ثقتهم الكاملة للحراكات الشعبية".

وأضاف عودة أنه "على الناس أن تفهم أن الشرطة لا تريد مصلحتنا، حين يأتون إلى صاحب البيت المهدد بالهدم ويبدأون في كيل النصائح أن يهدم بيته بنفسه، لقد شهدنا أن الشرطة نفسها حذرت أصحاب بيوت مهددة أن لا يتجهوا إلى الحراكات الشعبية، وهذا يجب أن يعطي إشارة إنذار لأصحاب البيوت".

التعليقات