ضحية الاعتداء الإرهابي في بات يام، سعيد موسى: قتلوني مرتين

سرد سعيد موسى في حديث خاص لـ"عرب 48" تفاصيل الاعتداء الوحشي وما بعده، الذي تعرض له من قبل متطرفين يهود في أحداث الهبة الشعبية، حيث أصيب بجروح بالغة الخطورة، تركت حالة نفسية صعبة.

ضحية الاعتداء الإرهابي في بات يام، سعيد موسى: قتلوني مرتين

سعيد موسى (عرب 48)

وقف سعيد موسى، ضحية الاعتداء الإرهابي الذي اقترفه متطرفون يهود في بلدة بات يام خلال أحداث هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021، محاطا بالقضاة، و11 محاميا، إلى جانب مجرمين في المحكمة المركزية في تل أبيب.

كان سعيد وحيدا، ضعيفا، ومكلوما، ولم تظهر علامات وآثار الاعتداء على جسده، ولكن روحه كانت مثخنة بحروح الاعتداء البربري الذي استهدفه على خلفية قومية. انتهكوا روحه مرتين، وحاولوا أن يجعلوه المتهم بدل الضحية، الأولى حين اعتدوا عليه بوحشية، والثانية حين سخر المجرمون من حاله بضحكات داخل أروقة المحكمة.

كانت الساعة الثانية بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي حين قابلناه في بيته بمدينة الرملة، وقد ساد هدوء غريب. جلس على كنبة، أمامها طاولة صغيرة وضعت عليها منضدة ملأتها أعقاب سجائره، وكأنّ سعيد يريد أن يتجاوز آلامه مع كل سيجارة كان يحرقها.

حاول سعيد ببسمات شفافة أن يتظاهر بالقوة أمامنا، بيد أنه يعيش في واقع صعب منذ الاعتداء عليه، لا يريد أن يتذكر شيئا من الحادثة، "صرت أسمع أصوات أنفاسي الأخيرة، وكأني أركض وراء المجهول، لا أريد أن أعيد الذكريات أو أتحدث عنها"، قال سعيد وهو ينظر إلى الأرض.

أراد سعيد أن يقاوم جروحه، وخاصة تلك التي تركت عنده صدمة ما بعد الاعتداء، حاول العودة إلى العمل، لكن دون جدوى، صارع من أجل الحياة العائلية والاجتماعية، ولكن الصدمة النفسية لا زالت ترافقه وتحول دون ذلك لغاية اليوم.

سرد سعيد موسى في حديث خاص لـ"عرب 48" تفاصيل الاعتداء الوحشي وما بعده، الذي تعرض له من قبل متطرفين يهود في أحداث الهبة الشعبية، حيث أصيب بجروح بالغة الخطورة في كافة أنحاء جسده، والأهم من ذلك، أنها تركت عنده حالة نفسية يستصعب من خلالها العودة إلى حياته الطبيعية.

عام ونصف العام مضى على الجريمة التي تعرض لها سعيد، ولا يزال يتعرض لها في المحاكم التي أجبرته على تقديم شهادته أمام المجرمين الذين اتهموا بالاعتداء عليه، إذ حاول محامو الدفاع عن المتهمين دون رأفة منهم، تلفيق التهم لضحية التنكيل وإخراجه متهما في الملف، حين ادعوا أنه حاول تنفيذ عملية دهس قبل أن يتم الاعتداء عليه، إضافة إلى سخرية المعتدين عليه خلال الجلسات في المحكمة.

استذكر سعيد تفاصيل ما حصل معه في تلك الليلة، وهو غير قادر على استعادتها بالكامل، حيث كان في ذلك اليوم عائدا لينقل مركبته الخاصة بالعمل إلى بيته في مدينة الرملة، حين كانت مجموعات من المتطرفين اليهود يبحثون عن عرب للاعتداء عليهم.

قال سعيد إن "الأجواء كانت تشتعل وأنا لا أدري بها، الشوارع كانت فارغة، وصلت إلى أحد المفارق بالقرب من بلدة بات يام، أوقفني شاب وفتاة كي أنقلهما في طريقي، وعند وصولي إلى مكان الاعتداء، تم إيقافي من قبل مجموعة شبان كانوا يبحثون عن عرب للاعتداء عليهم".

حتى تلك اللحظات، لم يدر في ذهن سعيد أنه وقع في فخ، وهو محاط بمجموعة من الإرهابيين اليهود، "فجأة بدأوا يصرخون بعبارات عنصرية، حتى هاجمني أكثر من واحد، ومن ثم لم تتوقف الحشود، بل ازدادوا إجراما، ضرب بالعصي وصعق بالكهرباء، هنا، فقدت الوعي، وكأنّ الدنيا اتشحت أمامي بالسواد حتى هذه اللحظات التي أتحدث فيها معك".

تُظهر الفيديوهات المصورة التي وثقت الاعتداء الوحشي على سعيد، حجم الإجرام الذي تعرض له، وتبين المقاطع حشودا يضربونه دون رحمة، حتى بعد أن أغمي عليه وطرح أرضا، وعلى الرغم من أن تفاصيل المشاركين في الاعتداء كانت واضحة وعددهم لا يقل عن العشرة، قدمت النيابة العامة لوائح اتهام ضد أربعة متهمين فقط، نسبت إليهم تهما تم تخفيفها مع مرور الوقت.

لا تزال حالة الضحية تصعب عليه وعلى عائلته، تحولت حياته إلى كابوس بلحظة، وانقلبت رأسا على عقب. قال المُعتدى عليه إن "الليل بالنسبة لي مجرّد عتمة، وحدي أبقى مستيقظا، يبدأ الليل فأحاول النوم ثم لا أستطيع، ثم أحاول، لكن دون جدوى. لم تعد الأدوية التي تساعد على النوم ناجعة، ولم تعد تأخذ مفعولها. هو الليل، سكون يدخلني في هواجس أكتم فيه أنفاسي، أعقد يدي على صدري، أغمض عيني، وأستلقي لساعات، لتتداخل المشاعر المختلطة في رأسي".

ترافق الآلام الجسدية سعيد حتى يومنا هذا، على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف العام على جريمة الاعتداء والتنكيل التي تعرض لها، فهو لا يزال يعاني من الأوجاع بعد أن تعرض لكسور في اليدين، والكتف، والقدم، وكسرت أسنانه، وتعرض لرضوض في الرأس والظهر.

أشار سعيد إلى أن الآلام الجسدية يمكن أن تهون أمام الآلام النفسية التي لا تزال تلازمه، وقال إنه "تركت كل شيء، أصدقائي، عائلتي، وجيراني، لا أتأقلم مع أكثر من أحب، حتى الأشياء التي كنت أعشقها. بات كل شيء أحببته في السابق يشكل عبئا علي اليوم. حتى العلاجات النفسية والطبية، لا أستطيع القيام بها لوحدي، أصبحت إنسانا عاجزا، مهتزا من الداخل".

وقف سعيد في المحكمة المركزية بتل أبيب، ليدلي بشهادته أمام القضاة ضمن استكمال الإجراءات القضائية في الملف. كان في داخل قاعة المحكمة، المتهمون الذين اعتدوا عليه، ومحامي الدفاع عنهم. على الرغم من الصدمة النفسية التي عانى منها سعيد، لم يمنع ذلك طاقم محامي الدفاع عن المتهمين من توجيه سيل من الاتهامات الباطلة في محاولة لاستفزاز سعيد، غير أن المتهمين ألقوا تجاهه بصورة غير مباشرة الإهانات والعبارات العنصرية والتهديدات داخل قاعة المحكمة.

أكد سعيد أن "محامي الدفاع عن المتهمين سببوا لي الضرر أكثر من المتهمين، كنت أتصبب عرقا من شدة الضغط النفسي، والمشاعر كانت مختلطة، لم يرحموني، بل انهالوا على بالاتهامات الباطلة، وأنا عاجز لا أملك أي قدرة على الرد، والدموع تنهمر من عيني".

سعيد موسى: أردت فقط أن يتركوني وشأني

في المحكمة، بدا التعب والإرهاق على وجهه الأسمر الذي قُتم من شدة الحزن، شعر سعيد بالألم والحسرة مع كشفهم تفاصيل الاعتداء الوحشي مرة أخرى، ومع كل اتهام كان يوجهونه ضده في المحكمة.

شدد ضحية الاعتداء الإجرامي على أنه "لم أرد شيئا في وقتها غير أن تنتهي المحكمة على الفور، لم أرد أن يحاكم المجرمين أو أية عدل من المحكمة، فقط أردت أن يتركوني وشأني، وأن أترك قاعة المحكمة بسرعة، لم أستطع المقاومة، والتعب كانت يرتسم على وجهي".

في السياق، قالت الناشطة السياسية والمتابعة لملف سعيد موسى، فداء شحادة، لـ"عرب 48" إن "الاعتداء على سعيد لو لم يوثق في بث حي ومباشر أمام الكاميرات لكادت القضية قد دُفنت وأخفيت كغيرها من جرائم الاعتداء على المواطنين العرب في هبة الكرامة".

وأوضحت شحادة أن "قصة سعيد موسى هي ذاكرتنا الجماعية لشعب كامل تم الاعتداء عليه بسبب هويته العربية الفلسطينية، ولأنه لا يوجد إعلام يوثق قصصنا، فهي باتت غير مرئية وشفافة. الاعتداءات ومحاولات الإعدام والاعتداءات على البيوت العربية، كلها حاضرة بقصة سعيد. لدينا قصة موثقة تدار بالمحاكم حبذا لو نقف هناك وندعم رواية سعيد وندعم عائلته".

‎وأضافت أنه "في الجلسة الثالثة قبل شهر ونصف، تواجد سعيد بالمحكمة لوحده أمام 11 محاميا، الذين دفعوه للانهيار خلال محاولاتهم لإثبات الادعاء بأن المهاجمين الذين اعتدوا عليه وحاولوا قتله ظنوا أنه إرهابي".

وختمت شحادة بالقول إن "قصة سعيد شاهد على حقبة مررنا بها كشعب بأسره، سعيد وعائلته يدفعون ثمنا بلا رحمة للاستعلاء اليهودي الذي يرفع رأسه بدون خوف أو خجل. لا تغمضوا عيونكم وتسدوا آذانكم عن قصة سعيد، لأن قصته تمثلنا جميعا. تعالوا لنتواجد مع سعيد بجلسات المحاكم على الأقل، بعد أن خسر بيته وعمله، ولنعد أمل الحياة عنده وعند عائلته التي تعاني معه الأمرين".

التعليقات