هبّة الكرامة: بعد أعوام من وفاة والده "تحت التعذيب"... عائلة حوراني تخشى مصير ابنها المعتقل

بعد أعوام من وفاة والده "تحت التعذيب"، تخشى عائلة حوراني مصير ابنها المعتقل آسي، والذي تنسب النيابة العامة إليه تهمة "ارتكاب مخالفات خطيرة على خلفية قومية"، خلال أحداث هبة الكرامة، عام 2021.

هبّة الكرامة: بعد أعوام من وفاة والده

من اليسار، المعتقل آسي حوراني داخل قاعة المحكمة ("عرب 48")

تخشى عائلة حوراني من عكا، مصير ابنها المعتَقَل آسي (50 عاما)، الذي اتُّهم أنه شارك في اعتداء على مواطن يهوديّ، خلال أحداث هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021 في المدينة، وبخاصة أن ما يحدث معه خلال المسار القضائي، يعيد إلى أذهان العائلة، وفاة والده محمود حوراني عام 1976، إثر "تعرّضه للتعذيب، خلال التحقيق معه بتهمة ارتكاب جريمة قتل" حينها، بحسب ما أفادت العائلة التي تؤكّد أنه اتُّهم زورا.

واتُّهم محمود حوراني، والد آسي، عام 1976، بارتكاب جريمة قتل نُفِّذت في آب/ أغسطس عام 1976، في حين تم القبض على القاتل الحقيقي بعد مدة من وفاة حوراني، وفق العائلة التي تخشى أن يكون مصير ابنها آسي مشابها لما حدث مع والده، ولا سيّما أن النيابة العامة تنسب إلى آسي "ارتكاب مخالفات خطيرة على خلفية قومية"، بالإضافة إلى أنّ المحامي الموكل بالدفاع عنه، ماهر تلحمي، كان قد قال لـ"عرب 48" في الثامن عشر من الشهر الماضي، إن موكّله "تعرّض للتعذيب خلال التحقيق".

"جريمة قتل لم يرتكبها"

وخلال حديثها مع "عرب 48"، عادت الذاكرة بمنيرة حوراني، زوجة المرحوم محمود، ووالدة آسي حوراني، إلى وفاة زوجها، وقالت: "حالتي الصحية تتدهور باستمرار منذ اعتقال ابني آسي، فقد عشت مع أبنائي عندما كانوا أطفالا ظروفا قاسية بسبب اعتقال زوجي في تموز/ يوليو من عام 1976، للتحقيق معه بتهمة قيامه بجريمة قتل لم يرتكبها، حيث توفي بسبب التعذيب الذي تعرض له خلال التحقيق، علما بأنه تم القبض على القاتل بعد وفاة زوجي، والد آسي".

وأضافت: "قبل نحو خمسة عقود، تعرّض زوجي للاعتقال من مكان عمله، بتهمة قتل مسنّ من عكا، وتم القتل خارج أسوار المدينة، وقمت بتوكيل محام للترافع عنه، وبعد ثلاث جلسات، قررت المحكمة توقيفه على ذمة التحقيق لمدة خمسة عشر يوما".

وتابعت حوارني: "وقبل انتهاء هذه المدة، تعرض (زوجها الراحل) لاعتداء من قبل إدارة السجن، من خلال ضربه بعصى غليظة على رأسه، وأخذوه إلى صندوق للمرضى، حيث كان من المزمع أن يعالَج هناك، وأثناء وجوده في المركز الطبي صادف وجوده، وجودَ سيدة نعرفها شخصيا، وأعطاها زوجي قميصه المضرّج بالدماء، والذي بات لونه أحمر، بعد أن كان ناصع البياض، وذلك من كثرة الدماء التي عليه، وطلب منها إيصال القميص إليّ؛ كما طلب منها أن توصل رسالة مفادها أنه: ’على زوجتي الاحتفاظ بهذا القميص’".

آسي حوراني يحمل رضيعا، ويتوسط أفراد عائلته

وأضافت أنه "بعد ذلك أعادوه إلى السجن، وبعد يومين أخذوه إلى مركز التحقيق في عكا، وعندما ذهبت لزيارته في السجن استوقفني شرطي... وأخبرني أن زوجي ذهب إلى مركز التحقيق، ولم يعد بعد ذلك. بعدها ذهبت إلى مكتب المحامي الوكيل بناءً على طلبه، وهناك سألني عن عدد أطفالي فأخبرته أنهم ثلاثة، ولم يتجاوز أكبرهم سنّ الخامسة، فنظر لي نظرة حزن وقال لي: أسال الله أن يحفظهم لكِ، فتعجبت من طريقة سؤاله وحديثه، فسألته: ما الخطب؟ فأخبرني أن زوجي قد توفاه الله، ولا أعلم كيف حملتني قدماي بعد ذلك، وكيف وصلت إلى المنزل لأخبر أمه وأشقاءه بهذا النبأ المفجِع".

"مُنعت من زيارته"

وتابعت: "لم تكن الشرطة تسمح لي بزيارته أثناء مكوثه في السجن، وعلمت أنه كان مقيّدا مع شرطيٍّ بنفس القيد، وقام الشرطي بدفعه، وتسبب له بجرح بالغ في ساعده، كما علمت أن رفاقه في الزنزانة بعد ذلك عندما حاولوا إيقاظه في الصباح، وكان قد رفع قدميه إلى الأعلى وشبكهما ببعضهما، وكان الدم والدمع يجريان معا من كلتا عينيه، وقد لفظ أنفاسه الأخيرة".

وقالت حوراني إنه "عندما أخرجوه من مركز التحقيق إلى المشفى، وضعوه خارج الثلاجة (المخصصّة للاحتفاظ بجثامين الموتى) لثلاثة أيام، ما أدى إلى انتفاخ وتفسّخ جثته، وبعدها قاموا بتسليمنا جثمانه، ولم يتم التحقيق في قضية تعذيبه ومقتله إطلاقا، حتى أن والده رفض حينذاك أن يكلف محاميا بطلب التعويضات، لأنه كما قال أنه لن يستبدل ابنه بتعويض ماديّ".

والدة آسي حوراني وشقيقتاه أنهار وأزهار ("عرب 48")

ويزداد ألم العائلة ولوعتها على ما يواجهه ابنها آسي، لأنه كان يساند أمه وشقيقتيه أزهار وأنهار اللتيين عانيتا لوعة فراق الأب.

وقالت منيرة حوراني متحدثة عن ابنها بتأثر: "جميعنا نشعر بفقدان آسي والحنين إليه، وسامحوني إن قلت لكم إنه من الصعوبة بمكان أن أتحدث لكم عن ابني لما ألمّ بنا من مصاب من جراء فقدانه، واعتقاله القسري الظالم".

وذكرت أن ابنها آسي "كان بالنسبة لي -عدا عن كونه ابني- بمثابة الزوج والأخ، إذ كان يعتني بي ويأخذني إلى المستشفيات ويجلب لي الدواء، ويحدوني الأمل في أن يطلق سراحه عما قريب، وأسأل الله له الفرج العاجل، ولكل معتقل يعاني ما عاناه ابني من الظلم".

"أخفوا السبب الحقيقيّ وراء وفاته"

بدورها، أشارت أزهار حوراني، شقيقة المعتقل آسي، إلى شهادة وفاة والدها التي تحتفظ بها العائلة منذ عام 1976، قائلة: "بعد اطّلاعي على شهادة وفاة والدي، وجدت أن إدارة السجن قد وصفت سبب وفاته بالسبب غير المعروف، وكانوا قد أخفوا السبب الحقيقيّ وراء وفاته".

شهادة الوفاة التي أبرزتها العائلة

وأضافت أزهار: "كان عمري عند مقتل والدي لا يتجاوز الأربع سنوات، وفكرنا مليًّا في رفع دعوى قضائية للمطالبة بالعدالة لوالدي وأخْذ حقه، إلا أنه مرّ وقت طويل من الزمن على ذلك، فالقضية قديمة، وقد سقطت الدعوى بالتقادم".

وتابعت: "والدي لم يكن القاتل، وبعد مدة من وفاة أبي، حدثت حادثة قتل مشابهة لجريمة القتل التي ألصقتها الشرطة بوالدي، وتم القبض على القاتل الذي اعترف بارتكاب الجريمة، وارتكاب جريمة قتل المسن من عكا، والذي اتُّهم والدي بقتله، وبذلك يكون والدي قد قُتل ظلما، ولا يد له في هذه الجريمة، وتم سجن القاتل الحقيقي، ولكن بعد فوات الأوان".

آسي ووالدته

وقالت أزهار: "بالنسبة لشقيقي آسي، فإنه يتملكني الخوف مما قد يحدث معه في السجن، ومبعث هذا الخوف مردّه لما حدث مع والدي، وخشيتي من أن يلقى مصيرا مشابها، ولا أستطيع النوم من كثرة التفكير بهذا الموضوع، لقد زرناه (مؤخرا) في السجن، وهو بصحة جيدة، ولكن يتملّكنا الخوف عليه".

وتحتفظ العائلة بنسخة من جريدة "الاتحاد"، كانت قد صدرت في السابع والعشرين من آب/ أغسطس 1976، والتي كانت قد أوردت خبر تشييع جثمان والد آسي، في خبر جاء فيه أن "الاشتراك (المشاركة) الضخم في الجنازة، كان تعبيرا عن التحدي، إذ لم يشكّ أحد في كون المرحوم، إنما مات تحت التعذيب الوحشيّ في معتقله". وفي الخبر ذاته ورد أن والدة المرحوم، قالت خلال تشييع جثمانه: "لقد قتلوه".

ابنة المرحوم محمود حوراني تحمل جزءا من النسخة المذكورة

وقالت أزهار عن ذلك: "هذا الخبر الذي ترونه أمامكم من جريدة ’الاتحاد’ التي احتفظت بها والدتي طيلة هذه السنوات، والخبر يتحدث عن جنازة كبيرة لجثمان والدي رحمه الله، وكنا غير راغبين بعرض هذه الجريدة التي تحمل خبر وفاة والدي وجنازته والتي تعود للعام 1976، لكن اضطررنا لفعل ذلك، لتسليط الضوء على قضية شقيقي آسي، وأنه يتعرض اليوم للظلم ذاته الذي طال والدي قبل 47 عاما من اليوم".

وفي وقت سابق، قال المحامي ماهر تلحمي، الموكَّل بالدفاع عن آسي حوراني، لـ"عرب 48" إن "المحكمة ستبدأ بتداول الإثباتات في ملف المعتقل آسي حوراني، منذ المنتصف من شهر شباط/ فبراير الجاري، وستستمرّ في المداولات على مدار عام كامل، إذ أنه من المتوقع أن تخرج إلى الضوء العديد من الأمور في ملف هبة الكرامة، بخاصة وأن رواية الدولة التي تتهم العرب في عكا بأنهم خرجوا من بيوتهم للاعتداء على اليهود، خاطئة، والحقيقة الواضحة تؤكد أن العرب خرجوا للدفاع عن أنفسهم وعن بيوتهم من اعتداءات اليهود، وليس بهدف الاعتداء على أحد".

وأكد أن موكله "ينكر كافة التهم الموجهة ضده من قيامه بأي اعتداء أو ضرب أي شخص".

التعليقات