الزلازل تقوّض الآثار والمقدسات بالقرى المهجرة

يهدد خطر الانهيار والدمار مواقع أثرية ومساجد وكنائس ومقدسات ومقامات في القرى المهجرة في فلسطين التاريخية، وخاصة في منطقة بيسان وطبرية وصفد وعكا والجليل الأعلى، في ظل الزلازل والهزات الأرضية التي ضربت المنطقة، مؤخرا.

الزلازل تقوّض الآثار والمقدسات بالقرى المهجرة

المسجد الفاروقي في بيسان مهدد بالاندثار والطمس (عرب 48)

تواجه عشرات المواقع الأثرية والمساجد والكنائس والمقدسات والمقامات في القرى المهجرة في فلسطين التاريخية، وخاصة في منطقة بيسان وطبرية وصفد وعكا والجليل الأعلى خطر الانهيار والدمار، وهي المخاطر التي تضاعفت في ظل الزلازل والهزات الأرضية التي ضربت المنطقة، مؤخرا، وبضمنها زلزال تركيا وسورية المدمر الذي وصلت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر.

وتأتي الزلزال والكوارث الطبيعية إلى جانب سياسة الإهمال والحصار التي فرضتها السلطات الإسرائيلية على المواقع والمقدسات في القرى المهجرة بعد نكبة العام 1948، وهي المواقع التي عانت الطمس والنبش والاعتداءات والحفريات وسط تقاعس وصمت ما تسمى "سلطة الآثار الإسرائيلية".

إلى جانب التقاعس وغض الطرف عما تتعرض له القرى المهجرة من نبش وحفريات وسرقة للآثار، عمدت السلطات الإسرائيلية وعلى مدار عقود على حظر ومنع المؤسسات والجمعيات العربية في أراضي 1948 من رعاية وصيانة وترميم المقدسات العربية والإسلامية، وهو ما جعل المواقع والمقدسات والمقامات تتآكل تدريجيا وعرضة للانهيار، فيما بدت عوامل الطبيعة والكوارث والزلزال المسمار الأخير لتقويض وتدمير المقدسات والمواقع الأثرية.

وعلى طول الشق السوري- الأفريقي الذي يسمى أيضا الوادي المتصدع الكبير، وعقب زلزال تركيا وسورية المدمر، عدت برفقة باحث الآثار والمقدسات العربية والإسلامية في فلسطين، عبد الرازق متاني، إلى مدينة بيسان مرورا بتل الشوك حتى المسجد الفاروقي في بيسان، في مشاهد تستحضر الزلزال الكبير الذي ضرب في العام 749 ميلادي، القدس، وبيسان، وأريحا، وطبرية، وتسبب بدمار هائل.

سقف المسجد الفاروقي المهدم بانهيار تام بسبب الزلزال وحظر ترميمه وصيانته

ما تبقى من أنقاض المسجد الفاروقي الذي يعود تاريخه إلى الخلفية عمر بن الخطاب، يشهد على طبيعة المكان وهوية الإنسان والحضارات التي ترسخت وتركت بصمات في بيسان وعند تقاطع التقاء مرج بن عامر وسهل غور الأردن، وعلى طول الطريق الموصلة بين القدس وطبرية، في مشاهد تواجه معاول النبش والحفريات لقراصنة الآثار وسياسات التهميش والطمس التي تنتهجها المؤسسة الإسرائيلية ضد المقدسات لتقويضها وشطب هوية حضارات المكان.

الآثار والمقدسات

جاءت الجولة الميدانية لـ"عرب 48" برفقة باحث الآثار والمقدسات، متاني، للمقامات والمقدسات والمقابر والمواقع الأثرية في القرى المهجرة، إثر وصول معلومات تشير إلى أن زلزال تركيا وسورية أثّر على هذه المواقع والمباني في الجليل الأعلى ومنطقة صفد وطبرية وبيسان، وهي المنطقة التي وثّق الباحث عبر مسح شامل وواسع لأهم المواقع والمساجد والكنائس، والتي يتفقدها بشكل دوري ويدوّن المستجدات والمتغيرات على المقدسات والمباني والمواقع الأثرية.

جدران مواقع أثرية ومقامات في بيسان آيلة للسقوط

لا يمكن الجزم بالأثر المباشر للزلزال الأخير على المواقع الأثرية والمقدسات والمساجد والكنائس والمقامات العربية، لكن يقول الباحث متاني لـ"عرب 48" إن "عشرات المواقع الأثرية والمقدسات في القرى المهجرة ومناطق طبرية وبيسان والجليل الأعلى التي همشت وطمست وتركت دون رعاية تفاقم وضعها وازداد سوءا ولحقت بها الأضرار من الزلزال".

وأضاف متاني أنه "من خلال متابعتي الميدانية لهذه المواقع والجولة التفقدية التي قمت بها للمقدسات وبعض المساجد والكنائس بعد زلزال تركيا وسورية، هناك احتمال كبير بأن يكون ازدياد الضرر بالمواقع والمقدسات، إذ توسعت الشقوق والتصدعات من الزلزال، كما لا يستبعد إحداث تصدعات جديدة التي تهدد بانهيار ودمار شامل لهذه المواقع في حال لم يتم ترميمها وصيانتها بشكل فوري".

باحث الآثار والمقدسات العربية والإسلامية في فلسطين، عبد الرازق متاني، فوق مسجد الفاروقي المطل على تل بيسان المهجر

وأكد باحث الآثار والمقدسات العربية والإسلامية في فلسطين أن هذه المباني والمساجد والكنائس والمقامات والمقابر، في بيسان وطبرية ومنطقة صفد والغابسية والبصة، بوضع سيء جدا وكارثي وآيلة للسقوط والانهيار بسبب تقاعس السلطات الإسرائيلية ومنع صيانتها وترميمها وحظر رعايتها وتدعيمها، مشيرا إلى أنها تحتاج إلى ترميم فوري، كونها المباني ضعيفة جدا بسبب عدم السماح بترميمها ولا تتحمل الزلازل والكوارث ولن تصمد أمام عوامل الطبيعة.

الزلزال والتداعيات

وأكد متاني أن آثار وتداعيات الزلازل على المقدسات المسيحية والإسلامية والمواقع والمقابر في القرى المهجرة، "أكثر بكثير، بالإضافة إلى وعمليات التبلية الطبيعية والترسب، وجذور أشجار الغابات والأحراش والأعشاب وتآكل للمواد للمباني، وكذلك عوامل الطقس والمطر الذي يسارع في تدمر المباني".

ويتساءل متاني والكثيرون أيضا، هل هناك تأثير للزلزال على المقدسات والآثار بالقرى المهجرة؟ يقول باحث الآثار والمقدسات العربية والإسلامية في فلسطين إن "العين المجردة توحي بأثر شديد وانعكاس الزلزال على المقدسات والمواقع الأثرية في القرى المهجرة، التي تواجه معركة بقاء وصمود منذ نكبة 1948، وتواجه حاليا تهديدا بالانهيار والدمار بسبب تهميشها وإهمالها على مدار 75 عاما ومنع صيانتها وترميمها".

مسجد الزيداني والسوق في طبرية، وتظهر التشققات والتصدعات على القبة والمأذنة

أصلا قبل الزلزال، يؤكد متاني أنه "من خلال متابعتي وجولاتي الميدانية الدورية للمقدسات في القرى المهجرة، أطلقت نداء مستعجلا بأن أغيثوا ما تبقى من مقدسات ومواقع أثرية، واليوم وعقب الزلزال الذي زاد الطين بلة، فالمقدسات والمساجد والكنائس والمقابر والمواقع الأثرية والمباني توسعت وزادت بها التشققات والتصدعات إثر الزلزال، وهي مُعرضة للانهيار، وعليه، هي بحاجة إلى خطة إنقاذ شاملة فورية".

تشققات وتصدعات

وعلى الرغم من الطمس والتدمير التي عاشته المواقع الأثرية في بيسان على مدار 75 عاما، والصمود أمام عوامل الطبيعة والزلازل التي ضربت المكان، ومخططات الطمس والتهويد ومشاريع الإسكان والتحريش من قبل البلدية والسلطات الإسرائيلية، بيد أن مواقع أثرية ومقامات ومقدسات ما زالت ماثلة وإن أوشكت على الانهيار والدمار.

الدمار بدا واضحا على المسجد الفاروقي، وزارد ذلك وأصبح وضع المبنى والموقع أكثر سوءا بعد زلزال تركيا وسورية، وهو الواقع الذي يمكن معاينته بالعين المجردة، والمشاهد والحالات التي بحاجة لتوثيقها ورصدها والتأكد منها بتقنيات مهنية وعلمية أثرية للجزم بأن تداعيات الزلزال والهزات الأرضية الارتدادية أسهمت في تقويض الآثار والمقدسات في القرى المهجرة.

تقويض جدران وأساسات مسجد الزيداني في طبرية وهو آيل للانهيار في حال واصلت السلطات الإسرائيلية حظر ترميمه وتدعيمه

ووثقت كاميرا "عرب 48" توسع التشققات والتصدعات وأيضا التصدعات الجديدة في مبنى المسجد الفاروقي والجدران والمواقع الملاصقة له، فيما بقيت عقارات السوق من العهد الأموي شاهدة على العصر بحجارتها البازلتية، وكذلك مبنى السرايا من العهد العثماني، وبعض الآثار من الفترة الرومانية.

وهذا الواقع تواجهه أيضا المقدسات العربية والإسلامية والمسيحية والآثار من حقب تاريخية وحضارات مختلفة التي مرت وعاشت في طبرية، التي ضربها الزلزال الكبير في العام 1033، وعرف بـ"زلزال وادي الأردن"، الذي دمر واستهدف مساحات شاسعة من فلسطين وبلاد الشام، وكذلك الزلزال المدمر بالعام 1068، حيث دمرت طبرية بالكامل، كما عاشت المدنية تداعيات الزلزال الكبير الذي ضرب فلسطين عام 1927.

مساجد وكنائس

على طول الطريق المؤدي إلى طبرية التي ضربتها هزة أرضية بالعام 2019، تنتشر المواقع الأثرية والمقدسات والمقابر والمقامات التي تم تهويد بعضها وطمس معالمها العربية والإسلامية، بينما يواجه مسجد الزيداني والسوق في البلدة القديمة بطبرية ذات المصير الذي يعيشه مسجد الفاروقي في بيسان من توسع الشقوق والتصدعات إثر الزلزال، وهي المشاهد التي تكررت في مسجد البحر في المدنية، وشواهد المقبرة المسيحية التي لا تبعد كثيرا عن المكان.

مسجد البحر في طبرية مغلق ويحظر ترميمه حيث تأثر بالزلزال الذي ضرب طبرية بالعام 2019

وفي الطريق إلى صفد، بدت المواقع الأثرية مهجورة ومطموسة، وعرضة لعوامل الطبيعية التي سرعت في تفككها كما هو الحال لبقايا الآثار العثمانية والأموية وأبرزها، قصر الوليد بن عبد الملك في خربة المنية الواقعة على الضفة الغربية لبحيرة طبرية بالقرب من بلدة الطابغة المهجرة، إذ ترك هذا القصر أسوة بمختلف المواقع الأثرية التي همشت من قبل "سلطة الآثار الإسرائيلية"، وتركت لعوامل الطبيعة وتداعيات الزلزال ولقراصنة الآثار.

طال معول النبش والحفريات مسجد ومقام النبي يوشع والمقبرة في قرية النبي يوشع المهجرة، قضاء صفد، وكانت قرية النبي يوشع إحدى القرى الشيعية قبل نكبة العام 48، من أصل 7 قرى شيعية كانت في المنطقة، ويواجه المقام، والمقبرة وبقايا المنازل المدمرة خطر الانهيار والطمس، مع اتساع الشقوق والتصدعات والانهيارات في الأسقف والجدران إثر الزلزال، وهو ذات المصير الذي تعيشه الكنيسة الكاثوليكية في البصة، قضاء عكا، التي تعاني التصدعات وخطر الانهيار والردم، حيث بدا مبنى الكنيسة وجدرانها متداعية كما مسجد الغابسية.

اقرأ/ي أيضًا | سنة الهزة الكبيرة..1927: زلزال يضرب فلسطين وشرق الأردن../ د.محمد عقل

جدران مسجد البحر في طبرية آيلة للسقوط والانهيار بسبب عوامل الطبيعة والكوارث
قصر الوليد بن عبد الملك في خربة المنية الواقعة على الضفة الغربية لبحيرة طبرية بالقرب من بلدة الطابغة المهجرة
مسجد ومقام النبي يوشع والمقبرة في قرية النبي يوشع المهجرة قضاء صفد
تشققات وتصدعات في جدران بقايا منازل في قرية النبي يوشع
مواقع أثرية ومقامات قضاء صفد يهددها خطر الانهيار
تصدعات في جدران وقباب مقامات قضاء صفد التي تضررت جراء الزلزال
اندثار وطمس شواهد مقبرة قرية النبي يوشع المهجرة
الجدران الخارجية لمسجد الغابسية قضاء عكا على وشك الانهيار جراء توسع التصدعات والتشققات
تشققات وتصدعات جديدة في الجدران الداخلية وقبة مسجد الغابسية
ما تبقى من مبنى الكنيسة الكاثوليكية في البصة يوشك على الانهيار والاندثار
تصدعات وتشققات جديدة في جدران وسقف كنيسة البصة عقب الزلزال
انهيارات جديدة وتوسع التصدعات في جدران كنيسة البصة

التعليقات