مدينة قيسارية.. التاريخ والتهجير

خلال الفتوحات احتل المسلمون فلسطين ما عدا قيسارية التي كانت تحصل على إمدادات عن طريق البحر من الروم فتأخر فتحها إلى سنة 640 ميلادية، وقد ذكر اليعقوبي أنها كانت آخر مدينة فتحت في أثناء الفتح العربي الإسلامي

مدينة قيسارية.. التاريخ والتهجير

قيسارية المهجرة عام 1938 (Gettyimages)

تقع مدينة قيسارية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد 37 كيلو مترًا إلى الجنوب الغربي من مدينة حيفا، على ارتفاع 25 مترًا عن سطح البحر.

بنى الفنيقيون فيها برجًا أسموه برج ستراتون على اسم حاكم صيدون. عمل السكان في تلك الفترة بالتجارة. أما المدينة، فقد بناها هيرودوس الأدومي في العصر الروماني ودعاها سيزاريا "قيصرية" تيمنًا بسيده أغسطس قيصر بين سنتي 22 و10 قبل الميلاد.

المدينة اليوم خالية من السكان بعد طردهم منها عام 1948. لا تزال آثار المسرح الروماني، وحلبة السباق، والأسوار العالية، والمسجد الذي حوّل إلى خمارة وقناطر قناة الماء ماثلة للعيان.

قيسارية عام 1938

خلال الفتوحات احتل المسلمون فلسطين ما عدا قيسارية التي كانت تحصل على إمدادات عن طريق البحر من الروم فتأخر فتحها إلى سنة 640 ميلادية، وقد ذكر اليعقوبي أنها كانت آخر مدينة فتحت في أثناء الفتح العربي الإسلامي. في فتنة عبد الله بن الزبير تمكن الروم من احتلال عسقلان وقيسارية ولكن عبد الملك بن مروان أعادهما إلى حوزة الإسلام وبنى فيهما مسجدين.

كانت المدينة موطنًا لعدد من الشخصيات العربية ذائعة الصيت مثل عبد الحميد الكاتب الأديب المشهور في البلاغة. إلا أن نجم المدينة أخذ بالأفول لاحقًا.

في عام 1047 ميلادي زارها الرحالة ناصر خسرو فوصفها بأنها مدينة جميلة ذات جداول، ونخيل، ومسجد جميل يتمتع المصلون فيه بمشهد البحر، وسور حصين.

عثر في مياه ميناء قيسارية على كنز مكون من مئات الدنانير التي سكت في العهد الفاطمي. يعتقد الباحثون أن المبلغ كان رواتب للحامية الفاطمية التي حرست ميناء قيسارية وقلعتها.

احتل الفرنجة الصليبيون قيسارية عام 1101 ميلادي، واستردها صلاح الدين الأيوبي عام 583 هجري/1187 ميلادي. لكن الفرنجة عادوا بحملة صليبية جديدة يقف على رأسها ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد، فاحتلوها عام 1191 ميلادي، ونهبوها، ثم بنوا فيها مرفأ، وجعلوها مقرًا لرئيس الأساقفة إلى أن احتلها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في عام 663 هجري/1265 ميلادي. ولم تستعد المدينة عافيتها إلا في أواخر القرن التاسع عشر حين استوطنها فريق من الشركس وبعدهم فريق آخر من البوسنة والهرسك.

في عام 1878 ميلادي احتلت النمسا منطقة البوسنة والهرسك ومنطقة مارفيل الواقعة على الحدود اليونانية البلغارية، فاضطر الشركس الذين كانوا قد رحلوا من القفقاس إلى مارفيل إلى الهجرة من جديد حيث نقلتهم الدولة العثمانية إلى فلسطين وشرق الأردن. سكن الشركس في ثلاث قرى وهي: كفر كما، الريحانية، وخربة الشركس شرق مدينة الخضيرة. سكن بعضهم في قيسارية من هؤلاء كان علي بك الجركسي الذي عين مديرًا للناحية. وقد عثر على شاهد قبره في قيسارية. توفي عام 1321 هجري/1903-1904.

في عام 1882 وصل البوسنيون إلى قيسارية وأخذوا يبنون بيوتهم على الطراز الأوربي مستخدمين حجارة المباني المهدمة في المكان. لقد حظوا بتشجيع السلطان العثماني والدولة العليّة. امتدت القرية إلى خارج الأسوار وبني فيها مسجد جديد ومدرسة. أطلق العرب عليهم اسم بشناق. هؤلاء حصلوا على أراض كثيرة استصلحوها وزرعوها بالحمضيات. كما كانت لديهم مواتير لضخ المياه، وبابور لطحن الحبوب. عمل في تلك البيارات عرب. حافظ البشناق على أنسابهم فلم يصاهروا إلا الأتراك. عاش قسم من البشناق في خربة صفصافة وحديدون في بلاد الروحاء، ولكنهم تركوها بسبب تفشي الملاريا بينهم ورحلوا إلى قيسارية، وبعضهم ما زال يعيش في مدينة الخضيرة. هدفت الدولة العثمانية من وراء توطينهم حفظ الأمن في تلك المناطق. قسم من البشناق توطنوا في قرية يانون الواقعة إلى الشرق من نابلس.

مسجد قيسارية الذي حولوه إلى خمارة

في 24 شباط/ فبراير 1328 مالية/ 7 آذار/ مارس 1912م أجرى الأتراك إحصاء لسكان قيسارية. بلغ عدد هؤلاء 251 نفرًا، منهم 129 من الذكور، 122 من الإناث، يعيشون في 56 بيتًا. وفي ما يلي أسماء أرباب الأسر القاطنة في البلدة:

1.الحاج علي زاده الحاج حسين علي أفندي - صاحب أملاك

2. عبد الله مصطفى ريباش

3. محمد عبد الله اجطرباج

4. علي قاضي زاده عثمان

5. أحمد حسين كدخوان زاده - مدير الناحية

6. علي بكير بك

7. حسن محمد حسن برشتو

8. محمد صالح مراد زاده

9. محمد حاجي شالدو

10. الأرملة حبيبة خانم حاجي مصطفى

11. مصطفى صالح علي سكسك

12. الأرملة جواهر بنت سعيد

13. محمد حسين لاقشة

14. أخوه عبد الله حسين لاقشة

15. عمر حاجي درياش دياترو

16. محمد نصيف

17. محمود عثمان باج زاده عثمان

18. فهيم أفندي حاج ملا إسرائيلي - مسلم

19. حسين صالح قومار

20. عبد الحميد بكر جركس

21. حسين رمزي بكر جركس

22. صالح بكر جركس

23. عزيز أحمد ترك

24. فيض الله عبد القادر ترك

25. حسين اسماعيل ترك

26. إبراهيم حاجي درويش مراد

27. مصطفى أفندي الحاج حسين الحاج علي

28. عمر حسين المصطفى

29. إبراهيم عثمان بوزيج

30. يوسف صالح جانيو

31. محمد أحمد مراد

32. الأرملة خديجة عثمان-بوسنة

33. شكري صالح بشير

34. مصطفى ابراهيم جركس

35. حاج حسن أفندي إبراهيم

36. إسماعيل إبراهيم مزري بك جركس

37. الشيخ أحمد إبراهيم الشاعر

38. عبد القادر أحمد الموسى

39. محمد صالح الحسن شيلي

40. علي راميك حاج مصطفى

41. الحاج عمر السالم

42. زكريا إبراهيم جركس

43. إسماعيل إبراهيم جركس

44. مصطفى علي رأفت

45. صالح علي آغا

46. أحمد أفندي الحاج شاكر أفندي

47. أحمد محمد شهر زاده

48. صالح سعيد السعيد من زيتا

49. حمدان حسن زغل من قاقون

50. أحمد محمد جدوا

51. حسن محمد الكويس من عربان برة

52. حسين العبد اليوسف

53. أحمد محمد الكويس

54. سعد مسعود المغربي من الجزائر

55. طاهر محمد طريق من الجزائر

56. إلياس حنا نصر - مسيحي

57. محمد نصري حنا - مسيحي اعتنق الإسلام فأطلق عليه اسم المهتدي.

58. محمود حسين الحمدان

59. شحادي الله يوسف العلي

60. مصطفى عناب الخضر

61. حاج محمد حاج عمر مغربي

يلاحظ وجود أفراد من زيتا، باقة، الكفرين، يعبد وبرة والجزائر في قيسارية. معظم السكان كانوا شركس وبوسنيين (بشناق) من مدينة موستار وغيرها من مدن البوسنة والهرسك.

أدت هزيمة الأتراك عام 1918 ميلادي واحتلال البريطانيين لفلسطين إلى تضعضع مكانة البشناق والجركس في قيسارية. أول عمل قام به الإنجليز كان إلغاء منصب مدير الناحية ونقل مركز السلطة إلى حيفا ما أفقد بعض البشناق مورد رزقهم. كما أن الملاريا انتشرت بينهم، فباع قسم منهم أراضيه إلى شركة بيكا الصهيونية وهاجر إلى حيفا. تلك الشركة أجرت تلك الأراضي إلى العرب ليفلحوها.

في عام 1922م سكن في قيسارية 288 مسلمًا، و26 يهوديًا، و32 مسيحيًا ما مجموعه 346 نسمة، وفي عام 1931 عاش في قيسارية 686 مسلمًا و19 مسيحيًا وقد شمل الإحصاء الأخير سكان عرب برة قيسارية. بقي في قيسارية في الأربعينيات من القرن الماضي ما بين 200-300 بشناقي.

لم يشارك البشناق في ثورة 1936-1939م ولكن برز من بينهم عدد من الشخصيات التي لعبت دورًا في الحركة القومية الفلسطينية، نذكر منهم د. مصطفى سليمان بشناق الذي نفي إلى مصر في عهد الثورة وأعيد إلى فلسطين فقط في عام 1945م، وكان من مؤيدي المفتي محمد أمين الحسيني، وعثمان بشناق وهو محام في طولكرم ووطني غيور، وعبد الرحمن بشناق الذي برز في مؤتمر حزب الشباب، وصار معلمًا للأدب الإنجليزي في الكلية العربية في القدس (دار المعلمين)، وفي عام 1945م تولى رئاسة تحرير مجلة المنتدى الحكومية. من الجدير بالذكر أن والي عكا أحمد باشا الجزار يعود بأصله إلى البشناق.

من العائلات التي سكنت في قيسارية: جبر، وعارف الجمّال، وبوشناق، وجركس، ومصيعي، والزغل وصالح السعيد وغيرها.

التهجير

يقول بيني موريس في كتابه نشوء مشكلة اللاجئين (ص 82): "إن سكان قرية قيسارية الذين فلحوا أراضي شركة بيكا بدأوا بالجلاء خوفًا في 12 كانون الثاني/ يناير 1948، وأن سكانًا آخرين خرجوا في 9 شباط/ فبرار. في 15 شباط/ فبراير احتلت وحدة من ’البلماخ’ القرية فهرب معظم السكان، أو بالأحرى أمروا بالنزوح أي طردوا. بقي في القرية عشرون رجلا وقد طرد هؤلاء في 20 شباط/ فبراير بعد أن قامت وحدة من ’البلماخ’ بنسف بيوت العرب.. لقد نسفوا 24 بيتًا وبقي 6 بيوت بسبب نفاذ الذخيرة. كانت قيسارية أول قرية ساحلية يطرد أهلها وفق مخطط مسبق وبصورة منظمة في عام 1948". أما يورام كانيوك في كتابه عن حرب 1948، فيقول: " شاهدنا البوسنيين ينزحون، جارين حوائجهم بين الرمال، وهم مرفوعو الهامة بعد أن طردناهم".

التعليقات