مفيد دحدل من الناصرة.. بحّارٌ جاب العالم

جمع البحار النصراوي من خلال رحلاته البحرية المئات من المقتنيات من أسواق العالم، ومعظم هذه المقتنيات من متعلقات البحر قد لا تجد مثيلا لها لندرتها، من أهم هذه المقتنيات الحيوانات البحرية المحنطة كالتمساح والأسماك المفترسة.

مفيد دحدل من الناصرة.. بحّارٌ جاب العالم

البحار مفيد دحدل من الناصرة (عرب 48)

صادف أول من أمس، الأحد، اليوم العالمي للبحّارة، والذي حددته المنظمة البحرية الدولية للبحارة في 25 حزيران/ يونيو من كل عام، لزيادة الاهتمام بالبحارة والعناية بسلامتهم بوصفهم الركيزة الأساسية في تشغيل السفن، والتوعية بتطبيق معايير السلامة والأمن البحري لتحقيق ملاحة بحرية آمنة.

وفي هذه المناسبة أجرى موقع "عرب 48" الحوار التالي مع البحّار المتقاعد مفيد دحدل (69 عاما) من مدينة الناصرة، والذي أمضى أكثر من نصف عمره على متن البواخر والسفن التجارية، التي من خلالها جاب المحيطات والبحار في رحلات تجارية استمرت كل واحدة منها لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر. وإذا كان "مفيد الوحش" بطل رواية "نهاية رجل شجاع" للكاتب الروائي اللبناني حنا مينة، فإن مفيد دحدل لا يقل شجاعة عنه في مواجهة العواصف البحرية والقراصنة والكثير مما واجهه في رحلاته البحرية التي امتدت على مدار عقود طويلة.

ولكي يبقى البحّار مفيد دحدل، ينعم بعشقه للبحر والسفينة، بعد تقاعده عن العمل، فقد حوّل منزله لمتحف للقطع الأثرية والتحف والمقتنيات من كنوز البحار، وله من كل دولة في العالم ذكرى في متحفه البيتي.

قبرص، اليونان، إيطاليا، اسبانيا، كندا، أميركا، بنما، جمايكا، سان فرانسيسكو، اليابان، تايوان، هونغ كونغ، وحيفا.. لا تربطها معاهدة أو ميثاق دولي أو تحالف، وإنما هي محطات في طريق البحار دحدل، الذي روى لـ"عرب 48" رحلاته التي استمرت 105 أيام كل واحدة منها، وفي تلك البلدان رست سفينته التجارية المحمّلة بآلاف الحاويات للبضائع والنفط والغاز من وإلى دول العالم المختلفة.

بدأ البحار دحدل، عمله في الملاحة البحرية عام 1975، وكان ذلك عن طريق الصدفة، فاللقاء الذي جمعه بصديقين له أحدهما ضابط بحري يعمل في صيانة الآليات والمركبات البحرية في ألمانيا، وكان هذا الضابط يعلم بعشق دحدل للبحر والملاحة، فاقترح عليه وعلى صديقه الآخر أن يقدما سيرتهما الذاتية لإحدى شركات النقل البحري، كونها بحاجة لاستيعاب ملاحين للعمل، وكان أجمل يوم في حياته حين تلقى اتصالا من الشركة التي أبلغته بقبوله للعمل، على الرغم من أنه كان يراه حلما صعب المنال وأن فرص قبوله ضئيلة نظرا لعدم امتلاكه الخبرة في هذا العمل، سوى حبه وعشقه اللامتناهي للبحر والصيد والسفن.

قال دحدل "انطلقتُ في أول رحلة لي على الباخرة التجارية مع طاقم مؤلف من 22 بحارا وعامل صيانة، وكانت بمثابة رحلة تعليمية إرشادية، استغرقت رحلتي الأولى 11 شهرا و11 يوما بالتمام والكمال، أبليت خلال الرحلة بلاء حسنا، وحصلت بعدها على أول ترقية من الشركة التي كنت أعمل فيها".

أما الرحلات التجارية التي يصفها البحار دحدل بالقصيرة، فكانت معظمها إلى أوروبا، وكانت تستغرق 13 يوما، ومسارها من حيفا إلى تركيا، وروسيا، ورومانيا، ثم العودة إلى حيفا، أما الرحلات المتوسطة إلى أوروبا فكانت تستغرق 30 يوما، لكن معظم رحلاتها كانت تستغرق ثلاثة أشهر ونصف الشهر أي (305 أيام) وبعدها كان يحصل على إجازة لمدة شهرين.

وأوضح أن "الإبحار على متن الباخرة من ميناء حيفا، باتجاه جنوب إفريقيا مباشرة، كان يستغرق 17 يوما لا نرى فيها سوى البحر والسماء والشهب التي تشتعل ليلا وتسقط ثم تنطفئ وتختفي في الفضاء".

واجه البحّار دحدل العديد من المصاعب والمتاعب والتحديات خلال مسيرته التي استمرت لمدة 23 عاما، أمضاها في البحار والمحيطات، تعرضت البواخر التي كان يقودها لعواصف خلّفت أمواجا عاتية، تسببت أعنف هذه العواصف بفقدان عدد من الحاويات التي تشحنها الباخرة، وسقطت الحاويات في البحر، كان بعضها محملا بمقتنيات وبضائع ثمينة، كما تعرّضت بعض البواخر لأعطال وأعطاب في المحرك خلال الإبحار، وكان يتم تصليح هذه الأعطال بواسطة طاقم الصيانة المرافق على متن الباخرة ويحتوي "بطن الباخرة" مرأب (كراج) ومخرطة يمكّن طاقم الصيانة من التغلب على أي عطل قد يصيب محرك الباخرة خلال الإبحار.

أخطر وأصعب التحديات التي كانت تواجه البحّارة هجوم القراصنة عند سواحل البرازيل والمكسيك ودول أميركا اللاتينية.

تحدث دحدل لـ"عرب 48" عن إحدى هجمات القراصنة التي تعرّضت لها الباخرة قائلا إنه "حدث ذلك في ورديتي، حين كنتُ مناوبا على قيادة الباخرة، وكان معي بحّار متدرب، لاحظنا اقتراب قارب من باخرتنا، واستطعنا من خلال المنظار رصد عدد من القراصنة على متنه، وقد صار البحار المتدرب يرتجف من شدة الخوف، فحاولت أن أُهدئ من روعه، وتوجهت مباشرة إلى سخّان المياه في الباخرة، وملأت دلوا بالماء الساخن، وتوجهت إلى حيث قارب القراصنة الذي التصق بالباخرة، فألقى القراصنة خطّافا إلى الباخرة، وعندما رأيت الخطاف قد علق بالباخرة وبدأ أحد القناصين يصعد إليها بواسطة حبل مربوط بالخطّاف قمت بسكب الماء المغلي عليه فأفلت الحبل وسقط في البحر، وعندها قمت بتحرير الخطّاف ورميه في البحر، وإنقاذ الباخرة من هجوم القراصنة".

جمع البحار النصراوي من خلال رحلاته البحرية المئات من المقتنيات من أسواق العالم، ومعظم هذه المقتنيات من متعلقات البحر قد لا تجد مثيلا لها لندرتها، من أهم هذه المقتنيات الحيوانات البحرية المحنطة كالتمساح والأسماك المفترسة، بالإضافة للتحف من المنحوتات الخشبية والصور والمجسّمات النادرة التي علّقت على الجدران وفي زوايا المنزل.

وردا على سؤال حول أي من التحف الأقرب إلى قلبه قال دحدل إن "لكل واحدة منها حينما أنظر إليها ذكرى خاصة، فعندما أنظر إلى المقود الخشبي أتذكر قيادة السفينة، وحين أنظر إلى المقتنيات من هونغ كونغ أتذكر الرحلة الأطول في حياتي، وأحرص دائما على صيانة القطع التذكارية والتحف بطلائها وتحسينها وتلميعها، لكن أكثر ما أشتاق إليه هو اهتزاز الباخرة".

التعليقات