في ظل العنف والجريمة بالمجتمع العربي.. بيئات تربوية وتعليمية لتحصين الأطفال

أظهرت الدراسات التي سبقت تطبيق الخطط التربوية والتعليمية أن غالبية الأطفال العرب ما زالوا يعانون تداعيات جائحة كورونا، وكذلك يواجهون الانعكاسات السلبية من جراء ازدياد العنف والجريمة بالمجتمع العربي، وهو ما عمق الفجوات النفسية لديهم.

في ظل العنف والجريمة بالمجتمع العربي.. بيئات تربوية وتعليمية لتحصين الأطفال

معلمات ومساعدات روضات من باقة وجت وجسر الزرقاء شاركن بالخطط التربوية والتعليمية (عرب 48)

تعد مرحلة جيل الطفولة المبكرة ورياض الأطفال والبساتين مرحلة مهمة ومفصلية في بلورة شخصية الطفل، وثمة تأثير لمختلف الأزمات والأحداث والظواهر والتجارب الحسية والعاطفية والنفسية التي يمر بها الطفل في هذا الجيل، تنعكس بناء المجتمع في المستقبل.

في ظل تداعيات جائحة كورونا والأزمات المجتمعية والعنف والجريمة المستفحلة في المجتمع العربي، وانعكاسها على مختلف أفراد المجتمع والنَشْء والأطفال على وجه الخصوص، نفذت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع أقسام المعارف في السلطات المحلية في باقة الغربية وجت المثلث وجسر الزرقاء، خطة تربوية وتعليمية خاصة بجيل الطفولة المبكرة لتضم نحو 10 آلاف طفل حتى جيل 6 أعوام.

مشاركات من الطواقم المهنية والتفتيش في إعداد الخطط التربوية والتعليمية لصقل شخصية الطفل

وعمدت الخطة على تأهيل كوادر مهنية من المعلمات والمساعدات، هدفت لتوفير بيئة حاضنة وآمنة للطفل بالروضات والبساتين، لتكون الإطار لاحتواء الطفل والتعبير عن ذاته والحديث عن مشاعره، وكذلك عن الظروف والأوضاع التي تعصف بالمجتمع العربي بظل استشراء العنف والجريمة.

برامج وأهداف

تهدف هذه الخطة إلى منح الأطفال شعور الأمن والأمان، والمهارات لمواجهة التحديدات، وكذلك تعزيز الانتماء لديه للمحيط والعائلة والمجتمع، ومنحه الاستقلال الذاتي عبر تحصين وصقل شخصيته للمبادرة والتميز والإبداع والمعرفة وتعزيز الثقة بالذات.

كما تهدف الخطة التربوية والتعليمية إلى منح فرص متساوية للأطفال وتطوير قدراتهم، وتذويت ثقافة الاحترام المتبادل وإكسابهم مهارات الحوار، وتحصين الحالة النفسية للأطفال وتأهيليهم للمبادرة إلى اتخاذ القرارات.

جانب من الحضور بورشة الأمن والأمان في الساحات التعليمية للأطفال

تشدد الخطة التربوية والتعليمية التي تطبق على مدار العام الدراسي على ضرورة تقليص الفوارق والفجوات لدى الأطفال، وتدعيم لغة الحوار فيما بينهم، وهو ما يلزم المعلمة والمساعدة تكثيف العمل من خلال البرامج والفعاليات، وتجهيز الزوايا الصفية بالبرامج الثرية والقصص بالتحفيز على القراءة.

وتعتمد الخطط على تحضير ملف محوسب لكل طفل، تمكن المعلمة من توثيق وأرشفة مسيرة وسيرورة كل طفل وخصوصياته وقدراته واحتياجاته، وكذلك إشراك الأهالي في هذه المسيرة واطلاعهم على سير تطور الطفل وتقدمه، عبر الشراكة في المسيرة التربوية وجمع المعلومات والبيانات عن الطفل، بكل ما يتعلق بالفوارق والفجوات وسبل تقليصها، والمهارات اللغوية التي يكتسبها الطفل، وسبل اندماجه بالمجتمع.

فجوات وانعكاسات

أظهرت الدراسات التي سبقت تطبيق الخطط التربوية والتعليمية أن غالبية الأطفال العرب ما زالوا يعانون تداعيات جائحة كورونا، وكذلك يواجهون الانعكاسات السلبية من جراء ازدياد العنف والجريمة بالمجتمع العربي، وهو ما عمق الفجوات النفسية لديهم.

محاضرات لإكساب المعلمات والمساعدات المهارات لتوفير بيئة آمنة للأطفال

وبرزت كذلك الفجوات التربوية والتعليمية في مجال معرفة اللغة، وفهم المقروء وكنز الكلمات والمعلومات، إذ أظهرت الإحصاءات أن 82% من الأطفال العرب من جيل الطفولة المبكرة وحتى الصفوف الرابعة يجدون صعوبة في القراءة والكتابة، مقابل 43% عند الأطفال اليهود.

وعليه، تكمن أهمية الخطط التربوية في توفير ساحة آمنة ومتعددة المجالات، ووضع خطط حول الرؤية المستقبلية للروضة والبستان تتميز بالمعرفة والقيم والأخلاق، وإكساب الأطفال المهارات التي تتلاءم مع تطورات العصر.

صقل وتأسيس

تولي مديرة قسم جيل الطفولة المبكرة في جسر الزرقاء، نجلاء عنبوسي، أهمية قصوى في دور الخطط التربوية والتعليمية في بناء وصقل شخصية الطفل، وذلك لما لهذه المرحلة أهمية على تحديد ملامح وشخصية الطفل بالمستقبل، وهو ما يعني التدخل في بناء وتأسيس الأجيال الشابة التي ستقود المجتمع.

مديرة قسم جيل الطفولة المبكرة في جسر الزرقاء، نجلاء عنبوسي

واستعرضت عنبوسي لـ"عرب 48" الخطة التربوية التي تم تطبيقها وتجربتها في رياض الأطفال والبساتين في جسر الزرقاء، ودورها في تطوير وصقل شخصية الطفل، إلى جانب البرامج ودورات التأهيل للمعلمات والمساعدات ودورها في إكساب الطواقم التربوية والتعليمية المهارات والأدوات، واستخدامها في سيرورة التربية والتعليم وتحصين الطفل وتوفير بيئة آمنة وحاضنة للأطفال سواء بالمدرسة أو حتى بالمجتمع.

وتعتبر عنبوسي مرحلة جيل الفولة حجر الأساس لصقل شخصية الطفل الذي يعتبر اللبنة الأولى لبناء المجتمع، وهو ما تركز عليه الخطط التربوية التي تطبق في التعليم، إذا تكمن الحاجة إلى ضرورة مضاعفة الاستثمار والرعاية للأطفال، خصوصا في ظل التحديات المجتمعية، وأبرزها آفة الجريمة والعنف التي بات تهدد النسيج المجتمعي.

ولتحصين النشء وإكسابه المناعة لمواجهة تداعيات آفة العنف، تقول عنبوسي إن "الخطط التربوية والتعليمية والمهنية التي تم تطبيقها جاءت بالأساس لتوفير بيئة آمنة للطفل ليشعر بالأمن والأمان، وعلى هذا الأساس تكمن أهمية العمل مع الأهالي وإشراكهم في مسيرة التربية والتعليم، وتقليص الفجوات والفوارق لدى الأطفال بمختلف المجالات".

أزمات وآفات

ذات الطرح تبنته مفتشة الروضات والبساتين في باقة الغربية، وجت المثلث، وجسر الزرقاء، سندس سيف، التي أوضحت أن فكرة تطبيق الخطط التربوية والتعليمية تبلورت عقب جائحة كورونا واستفحال آفة العنف والجريمة في المجتمع العربي.

وأوضحت أن الخطط ركزت على ديمومة وسيرورة المسيرة التربوية للأطفال، وضرورة إكسابهم المهارات والمعلومات والإسهام في صقل شخصية الطفل، ليكون الطفل أساس المدرسة كبيئة وحاضنة تربوية وتعليمية محفزة للطفل.

وأشارت سندس لـ"عرب 48" إلى أن آفة العنف والجريمة التي تجتاح البلدات العربية، كان لها تداعيات وانعكاسات سلبية على الجميع، ولعل الأبرز شريحة الأطفال الذين يعيشون الوجع والترسبات النفسية لما يحصل في المحيط، مؤكدة أنه "لا يمكن عزل الطفل عما يحصل في محيطه، ولا بد من التوعية والتحصين للطفل مما يحصل".

مرونة واحتواء

وتولي سيف أهمية قصوى لهذه الخطط وسيرورتها وضمان الاستقرار التربوي والتعليمي للطفل منذ مرحلة جيل الطفولة المبكرة، إلى جانب اعتماد أساليب المرونة في التعليم واحتواء الطفل وإطلاق العنان له في الروضة والبستان وتحفيزه على التميز والإبداع وأن تلائم الخطط وأساليب التدريس والتربية الواقع المجتمعي، وكذلك اكتشاف الطفل وقدراته والدفع نحو تعزيزها وتشجيعه.

مفتشة الروضات والبساتين في باقة الغربية وجت المثلث وجسر الزرقاء، سندس سيف

ركزت الخطط، تقول سيف، "على معرفة الظروف والأوضاع التي يعيشها كل طفل، وخلق حالة من المرونة في التعامل معه ومعالجتها، وكذلك اعتماد أساليب تربوية وتعليمية تتلاءم مع خصوصيات واحتياجات الأطفال".

ولتحقيق ذلك ولتطبيق الخطط، أكدت على ضرورة إكساب المعلمات والمساعدات مهارات وآليات تربوية من خلال دورات التأهيل والإرشاد، التي تمكن المعلمة من التعامل مع الطفل ومرافقته في سيرورته التربوية خلال فترة جيل الطفولة المبكرة.

وشددت على ضرورة احتواء الطفل والسعي لصقل شخصيته عبر توفير مساحات تعليمية وإرشادات تربوية تسهم في تعزيز الدعم النفسي والمشاعر للطفل، مع التأكيد على الشراكة ما بين الروضة والبساتين والأهالي.

وأكدت أن الشراكة هذه تدفع قدما سيرورة بناء شخصية الطفل وتحصينه وتعزيز قدراتهم وثقته بذاته وخلق بيئة تفاعلية محورها الطفل، وهو ما يسهم في تقليص الفوارق لدى الطفل وإكسابه المهارات لمواجهة التحديات المدرسية والمجتمعية بالمستقبل.

تمييز وتهميش

في جسر الزرقاء يولون أولوية عليا لتوفير بيئة حاضنة للنشء في ظل ما تعانيه البلدة من أوضاع اقتصادية واجتماعية متدنية بسبب السياسات التمييزية والتهميشية التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حيث يولد سنويا 380 مولودا جديدا في البلدة التي يصل معدل الأطفال فيها حتى جيل 6 سنوات أكثر من 2300 طفل، إذ كان 54% من الأطفال في دائرة الخطر، واليوم بعد تطبيق الخطط تراجعت النسبة إلى 34%.

وقال مدير مركز الطفولة المبكرة ووحدة تطور الطفل في جسر الزرقاء، محمد جربان، إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر بالبلدة دفع المجلس اعتماد برامج وخطط تربوية وعلاجية خاصة لجيل الطفولة المبكرة، وذلك عبر اعتماد بيئة آمنة وحاضنة من خلال إشراك الأهالي في المسيرة التربوية لاحتضان الأطفال وتدعيمهم نفسيا ومجتمعيا.

وأوضح جربان لـ "عرب 48" أنه "حتى العام 2016، لم تتوفر في البلدة الوحدة الخاصة بجيل الطفولة المبكرة التي تم تأسيسها في ظل الحاجة لهذا الإطار التربوي العلاجي، وهو الإطار الذي كان بمثابة الحاضنة للأطفال والأهالي أيضا، بهدف توفير وإيجاد حلول تربوية وتعليمية وتطويرية وعلاجية للمشاكل المجتمعية".

مشاكل وحلول

وأشار جربان إلى أن الخطط التربوية والتعليمية التي تطبق برياض الأطفال والبساتين في البلدة، ساهمت في تشخيص المشاكل التي يعاني منها الأطفال وتوفير الحلول والعلاجات التربوية المهنية من قبل الطواقم المختصة والمعلمات والمساعدات، الأمر الذي ساهم في احتواء الأطفال وصقل شخصية الطفل الذي وفرت له مساحات تربوية وتعليمية، ساهمت في تعزيز الدعم النفسي والمشاعر للطفل وعائلته كذلك.

مدير مركز الطفولة المبكرة ووحدة تطور الطفل في جسر الزرقاء، محمد جربان

وتطرق جربان إلى التحديات التي واجهتهم في تطبيق الخطط التربوية، والتي تلخصت في توسيع دائرة الشراكة مع الأهالي ليكونوا جزءا لا يتجزأ من سيرورة مسيرة التربية والتعليم لأولادهم منذ مرحلة جيل الطفولة المبكرة، مشيرا إلى أنه "يتنا نلمس توطيد العلاقات بين الأطر التربوية وأهالي الأطفال الذين يبدون اهتماما في توفير بيئة تربوية ومجتمعية آمنة وحاضنة لأطفالهم".

وكشف جربان النقاب عن وجود 300 طفل بالبلدة بحاجة لرعاية خاصة وتدخل فوري من أجل تقليص الفوارق التربوية والتعليمية، وهو ما دفع المجلس إلى تمويل خطط علاجية وإرشادية للأطفال وذويهم عدا عن الإطار التعليمي الرسمي، وبناء منظومة محوسبة وبنك معلومات عن الأطفال توفر الأطر والحلول العلاجية، ومرافقة الطفل وتدعيمه وصقل شخصيته ومرافقته في مرحلة جيل الطفولة المبكرة، وفي كافة المراحل المدرسية التعليمية.

حاضنة وشراكة

يتفق عضو بلدية باقة الغربية ومدير عام جمعية القلم للتميز والإبداع، د. أحمد قعدان، مع طرح جربان ضرورة اعتماد الخطط التربوية والتعليمية الخاصة للأطفال في كافة البلدات العربية، في ظل ما تواجهه من تحديات خاصة في ظل استفحال آفة العنف والجريمة، مؤكدا أن شخصية الطفل تكتمل بالتربية السليمة بالبيت والبيئة التربوية الحاضنة في رياض الأطفال والمدارس.

وأوضح قعدان لـ"عرب 48" أنه لا يمكن تحقيق ذلك دون طواقم مهنية مختصة في كافة المجالات، وشراكة مع الأهالي، عبر توفير بيئة مجتمعية يشعر من خلالها الطفل بالأمن والأمان، وينطلق نحو التميز والإبداع وتحقيق الذات، وبالتالي أي خلل في هذه القاعدة سيكون له تداعيات وانعكاسات سلبية على النشء وعلى تطور وتقدم المجتمع وإنقاذه وإخراجه إلى بر الأمان.

عضو بلدية باقة الغربية مدير عام جمعية القلم للتميز والإبداع، د. أحمد قعدان

واستذكر قعدان أهمية تحقيق الأهداف وتطبيق الخطط التربوية والتعليمية منذ جيل الطفولة المبكرة التي تعد حجر الأساس لبناء مسيرة الطفل التعليمية وتأهيله لمواجهة التحديات في المجتمع وشق طريقه نحو المستقبل، قائلا إنه "لنصنع بأيدينا قائدا مبدعا ومتميزا يعود بالنفع على بلده ومجتمعه".

تخطيط وتشبيك

وحول أهمية ودور الخطط في توفير بيئة حاضنة وداعمة للأطفال في جيل الطفولة المبكرة، قال رئيس لجنة أولياء أمور الطلاب المحلية في جت المثلث، غسان شرقية، إنه "اليوم ومع تسارع التطورات التكنولوجية يجب العمل على تزويد الأطفال بالتقنيات المناسبة للتعلم، وتوفير الأدوات التي يحتاجها الطفل حتى يتعامل بفاعلية مع المعلومات التي تقدم له داخل الصف".

يؤكد شرقية لـ"عرب 48" أن "كل هذا يأتي من خلال توفير البيئة التربوية وتمكين الشعور الآمن وتعزيز دور المدرسة والأسرة معا، لتعزز الثقة بالنفس حتى نستطيع توفير الأمن النفسي والمناخ الملائم لاكتشاف الموهبة الكامنة لدى الأبناء".

ويولي شرقية أهمية إشراك الأهالي على مدار العام بسيرورة التربية والتعليم منذ جيل الطفولة، قائلا إن "إشراك الأهالي في العمل كشريك حقيقي في التخطيط السنوي يشكل ركنا من أركان التميز والإبداع، لهذا يجب أن نستمر جميعا بالتواصل المستمر على مدار العام الدراسي للعمل والتنسيق حتى نصل جميعنا إلى تحقيق الأهداف التي أدرجت مع بداية السنة".

وختم رئيس لجنة أولياء أمور الطلاب المحلية في جت المثلث بالقول إنه "من مهم جدا أن تكون المدرسة هي الحاضنة الآمنة للطلبة والمعلمين حتى تكون بيئة محفزة على الإبداع والتفكير لنصل إلى مرحلة نستطيع فيها تنمية المواهب الطلابية وصقلها في مختلف المجالات، خاصة في ظل آفة العنف والجريمة، لهذا يتوجب علينا العمل لتكون المدرسية بيئة حاضنة وآمنة للجميع ومشجعة على تذويت القيم والأخلاق واعتماد لغة الحوار لنرتقي بالتحصيل الدراسي والإنجازات التعليمية".

التعليقات