جريح من هبة القدس والأقصى: "جرح نازف.. ورصاصة تستقر في جسدي منذ 23 عاما"

قدح: "أجريت لي عدة عمليات جراحية معقدة، وبفضل الله تماثلت للشفاء رغم أن الرصاصة لا تزال مستقرة في البطن حتى اليوم، علمًا أنني قد اعتبرت شهيدا أكثر من مرة في تلك الأيام".

جريح من هبة القدس والأقصى:

من الاحتجاجات في الناصرة خلال هبة القدس والأقصى (Gettyimages)

تصادف في مثل هذه الأيام ذكرى هبة القدس والأقصى التي وقعت في العام 2000، واستشهد خلالها 13 شابا فلسطينيا فيما لا يزال الجرحى الذين يقدر عددهم بالمئات يعانون الأمرين لما عاشوه وتعرضوا له ومروا به طوال السنوات التي انقضت ولغاية اليوم.

وشهداء هبة القدس والأقصى الذين استشهدوا برصاص قوات الأمن الإسرائيلية، هم: رامي غرّة من جت المثلث، أحمد صيام جبارين من معاوية، محمد جبارين ومصلح أبو جراد من أم الفحم، وسام يزبك وإياد لوابنة وعمر عكاوي من الناصرة، محمد خمايسي من كفركنا، رامز بشناق من كفر مندا، عماد غنايم ووليد أبو صالح من سخنين، علاء نصار وأسيل عاصلة من عرابة؛ فيما تعذر إحصاء عدد الجرحى وخصوصا الذين أصيبوا واضطروا لتلقي العلاج في عيادات طبية خاصة آنذاك.

ويوم السبت الماضي، نظمت فعاليات إحياء الذكرى الـ23 في المجتمع العربي، حيث جرى خلالها زيارة أضرحة ونصب الشهداء التذكارية توّجت بمسيرة مركزية في مدينة سخنين بمشاركة نحو ألفي شخص.

وبهذا الصدد، التقى "عرب 48" الشاب، محمد قدح، من بلدة كفر مندا الذي أصيب في هبة القدس والأقصى، من أجل تسليط الضوء على أحداث الهبة وما تعرض له وشهده في العام 2000.

وكان قدح يبلغ 18 عاما عند وقوع أحداث هبة القدس والأقصى، حينها أنهى دراسته الثانوية والتحق بالمعهد العالي في مدينة الناصرة، معتبرا أن سلاحه الوحيد في هذه البلاد هو العلم، لكنه لم يتخيل في أسوأ أحلامه أن تتوقف طموحاته برصاصة غادرة أصابته في الجانب الأيسر من البطن لتمزق أحشاءه وتستقر في جسده حتى اليوم.

ومكث قدح آنذاك 40 يوما في المستشفى حيث كان في غيبوبة تامة لمدة 30 يوما، فيما أجريت له عدة عمليات جراحية معقدة.

ساحة حرب

الجريح محمد قدح (عرب 48)

وأرجع الشاب الجريح اندلاع شرارة الأحداث في حينه إلى مشهد استشهاد محمد الدرة واقتحام شارون للمسجد الأقصى، واستذكر خلال حديثه لـ"عرب 48"، بالقول "كنت بزيارة لصديق لي في الحي الغربي من البلدة والقريب من الشارع الرئيسي، وفي ذلك الحين وعند ساعات المساء شاهدنا من نافذة المنزل قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود والوحدات الخاصة تلاحق الشباب والفتية دون تمييز".

ووصف قائلا "كان المشهد عبارة عن ساحة حرب حقيقية، إذ أطلق الرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع في كل الاتجاهات وبشكل عشوائي، وفي تلك الأثناء ونحن ننظر من النافذة في الطابق الثاني وأمام المشهد المرعب ورغم شعورنا بالأمان داخل المنزل، إلا أنني وفجأة شعرت بألم حاد في أسفل البطن وسقطت على الأرض ولم أستيقظ إلا بعد 30 يوما في المستشفى".

رصاصة في البطن

وأضاف "أجريت لي عدة عمليات جراحية معقدة، وبفضل الله تماثلت للشفاء رغم أن الرصاصة لا تزال مستقرة في البطن حتى اليوم، علمًا أنني قد اعتبرت شهيدا أكثر من مرة في تلك الأيام".

وانتقد قدح القيادات والمؤسسات الفاعلة في المجتمع العربي، معتبرا أنها غابت بالكامل عن ملف الجرحى وكأنهم أصيبوا في شجار عمومي؛ على حد تعبيره.

والد ووالدة جريح هبة القدس والأقصى (عرب 48)

وتابع "لدينا عتب كبير على المسؤولين وخصوصًا أنني أصبت نتيجة عدوان همجي على مواطنين عزل وأبرياء، ولم أصب في شجار عمومي، ورغم أنني أعاني الفراغ والملل لكن وبفضل الله والأهل والأصدقاء تجاوزت محنتي الصحية والنفسية، لكن لا يزال لدي طموح جامح بأن التحق بالتعليم الجامعي، وآمل أن يأتي اليوم الذي أكون فيه جاهزا صحيا وماديا لأشق طريقي العلمية وتحدياتي المهنية أسوة بأبناء جيلي".

والدة شهيد لمدة 40 يوما

وقالت والدة الجريح محمد، بسمة أبو ريا قدح، لـ"عرب 48"، إن "الله وهب ابني حياة ثانية. في حينه لم نفقد الأمل بشفائه رغم أن الناس من حولنا كانوا قد فقدوا ذلك، حيث كان لدي قناعة وإيمان بأنه سيتماثل للشفاء".

ولفتت إلى أنه "مرت كل دقيقة علينا وكأنها دهر على مدار 40 يوما وخصوصًا أنه تردد الخبر عدة مرات بأن محمد استشهد، وقد عشت تلك الأيام كأم شهيد وفي هذه الذكرى أعيش ألم أهالي الشهداء وأشعر معهم بفقدان أبنائهم وأحبابهم".

تقصير ومعاناة

وأكد والد محمد، المربي المتقاعد حسين قدح، في حديث لـ"عرب 48"، على مكانة الشهداء الأبرار بالقول "نجلّهم ولن ننساهم وهناك أيضا المئات من الجرحى وكثر منهم مجهولون وبعضهم يعاني إعاقات جسدية ونفسية".

وتابع "هناك تقصير واضح تجاههم والمطلوب الاهتمام وفتح هذا الملف والتعامل معه كما يجب، فهناك من الجرحى من فقد القدرة على المعيشة ويعاني من الفراغ والوحدة، وحتى إذا أراد الالتحاق بدورات تعليمية أو مهنية فهو غير قادر ماديا".

وناشد بالقول "آمل أن تتدارك قياداتنا السياسية الأمر وألا ينسوا هؤلاء الجرحى، فهم جزء من شعب ولم يصابوا في حدث عابر إنما تم الاعتداء عليهم من قبل دولة على مواطنين عزل وأبرياء دون اقتراف أي ذنب".

وختم قدح بالقول "تقدمنا بدعوى قضائية من أجل التعويض، وكانت هناك محاولات حثيثة من قبل السلطات للتنصل من مسؤوليتها، لكن الوثائق والدلائل الدامغة التي قدمناها للمحكمة حول تفاصيل الإصابة قد أحبط مساعيها للتنصل من المسؤولية".

التعليقات