الاختصاصي العلاجي والتربوي زياد خطيب: يجب بث روح الأمل لتحصين الأسرة نفسيا في ظل الحرب

"علينا بث روح الأمل، الأزمة الراهنة فرصة حقيقية لتلاقي العائلة يجب استغلالها بالفعاليات الناجعة والتعاضد الأسري المجتمعي، ومجرد اجتماع الأسرة سوية بدون مشاهدة الأخبار سيساعد على تجاوز الآثار النفسية، وتحصين الأسرة نفسيا".

الاختصاصي العلاجي والتربوي زياد خطيب: يجب بث روح الأمل لتحصين الأسرة نفسيا في ظل الحرب

آثار قصف إسرائيلي لمنزل وسط قطاع غزة (الأناضول)

تجتاح مشاعر الخوف والقلق وأحيانا الهلع عند الغالبية من أفراد المجتمعات التي تعيش أزمة طارئة على اختلاف أشكالها، والتي من الممكن أن تؤثر على أداء وظائفها الروتينية الفردية، والأسرية.

"عرب 48" حاور الاختصاصي العلاجي والتربوي د. زياد خطيب من شفاعمرو، عن كيفية تطوير حصانة نفسية لدى الأسرة والأفراد لمواجهة أزمة الحرب.

"عرب 48": كيف يمكن بناء حصانة نفسية أسرية لمواجهة أزمة الحرب؟

خطيب: من الخطأ إيهام أفراد الأسرة بأنه ليست هناك أخطار في الأزمة التي نعيشها، كذلك يعتبر التهويل بالأمور خطأ كبيرا أيضا، وهنا على الأسرة واجب الحفاظ على حياة ما قبل الأزمة والروتين اليومي المعتاد بشكل نسبي، أما الحفاظ عليها بشكل مطلق فأمر مستحيل. العودة للمدرسة في مثل هذه الظروف أفضل من الانقطاع عن التعليم في المناطق التي لا تشكل خطرا على الأبناء، لأن وجود الأبناء ضمن مجموعة معينة يساعد على التخفيف من القلق والتوتر والضغط النفسي، خاصة عندما يرى أقرانه ومعلميه.

د. زياد خطيب

إن الأزمة الحالية هي عامل إيجابي، يؤدي إلى احتكاك أكبر بين أفراد الأسرة وإلى التئامها مجددا، ويجب علينا إبعاد الطفل عن جو الحرب، من خلال مشاركة الطفل في فعاليات أسرية مثل التحضير للطعام، ومشاركته وجبة الطعام، والابتعاد قدر الإمكان عن مشاهدة التلفزيون، فكلما شاهدنا وتابعنا الحدث سيزداد القلق والرعب والخوف.

"عرب 48": هل يمكن للفرد تجاوز الضغط النفسي في ظل الأزمة الراهنة؟

خطيب: علينا التمييز بين ضغط نفسي آني وبين الضغط النفسي المزمن، إذ إن الإنسان لديه القدرة على تجاوز الضغط النفسي الآني، لكن هذه القدرة تنعدم في حالة الضغط النفسي المزمن، وهنا تكمن المشكلة. فعندما استوعبنا بعد مرور عدة ساعات على الحدث الذي نعيشه بأن ما يحدث هو أمر جلل، حيث إن الحرب قد بدأت، والصورة أصبحت جلية لدينا، خاصة مع انتشار الخبر لكافة الشرائح العمرية وانتقاله سريعا مع توافر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها، إلا أنه في المقابل لهذا الحدث ندرك بأنه قد تولد لدينا وخاصة عند الأجيال التي عايشت أزمات وحروب، تولدت حصانة نفسية تاريخية مؤطرة. عندما يشعر الشخص أن الحرب قد تقتصر على عدة أيام فإنه سيشعر بالراحة، لكن عندما تسود حالة الغموض وعدم معرفة متى ستنتهي هذه الحرب، فستسود حالة من التوتر والضغط النفسي، وهذا ما يمكن إطلاق مصطلح "قلق الموت" عليه، ويعني المرض والعجز عن فعل أي شيء، وهنا يشعر الفرد أن موت الآخر بالنسبة له بمثابة موته، وعجز الآخر كذلك عجزه.

"عرب 48": كيف تقيّم الترابط الأسري في ظل الأزمة؟

خطيب: قبل الأزمة الحالية كنا نواجه مشكلة جدية تتمثل في تقلص العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية، وذلك مع انتشار الهواتف الذكية التي ساهمت بشكل كبير في تفكك الأسرة، حيث أصبح كل فرد من أفراد الأسرة يمتلك هاتفا ذكيا يرافقه في كل الأوقات ويبعده عن الجو الأسري الطبيعي ويفكك علاقاته الاجتماعية، فلم يعد أفراد الأسرة يجلسون أو يأكلون سوية. نحن نقول إن الهاتف الذكي أدى لتفسخ الأسرة، حيث إن هذا التفكك لم يحدث نتيجة لخلاف، بل لانطواء كل شخص مع هاتفه. في حين لا أرى في المرحلة الأولى من هذه الأزمة التي نعيشها تهديدا لتفكك أسري أكبر، ذلك إن الشعور بالخوف يجمع الأسرة من جديد، ولا أرى خطرا بأن تكون مشاكل أسرية أو زوجية مع التشديد على الحديث عن المرحلة الأولى.

"عرب 48": كيف يمكن الحفاظ على الترابط الأسري في ظل الأزمة؟

خطيب: يجب أن نكون على وعي للحفاظ على الجو الأسري، وأن تجلس الأسرة على مائدة الطعام مجتمعة ولو لمرة واحدة يوميا، لأن هناك تساؤلات من قبل أفراد الأسرة ويجب الإجابة عنها، فالأطفال على دراية تامة بما يحدث ويشعرون بالخوف جراء الأزمة، وإدراكهم لمشاعر الأبوين في الخوف والقلق كذلك. مع هذا يجب خلال الحوار بين أفراد الأسرة عدم تهويل الأهل للحدث، بل التحدث بواقعية عن وجود حالة طارئة نمر بها، خاصة وأن الأبناء منكشفون على الأخبار، وتغيبهم عن المدرسة، وبدء التعليم عن بعد، فإن هذا يضعهم أمام حقيقة أن هناك أمرا طارئا يتعرضون له، فالصورة تنعكس من خلال التلفزيون والأحداث العينية التي تنقلها وسائل الإعلام، والتي تؤدي إلى توتر وضغط نفسي وقلق. ويجب معالجة هذه الحالة النفسية من خلال إعادة بناء الأسرة التي تفككت رويدا رويدا، فالجو الأسري يخفف من حالة الاحتقان.

"عرب 48": هل يمكن خلق آليات دفاع للحماية من الضغط والتوتر النفسي؟

خطيب: محاولة الأسرة عدم قضاء وقت طويل لمشاهدة الأخبار، والابتعاد عن أجواء الحرب من خلال توفير بديل لذلك، وهو العيش في ظل أجواء عائلية، كذلك قد يشكل الأبناء آلية دفاع لديهم وهروب من واقع الحرب الأليم من خلال استخدامهم للألعاب الإلكترونية. وكأهل لندعهم في هذه الفترة دون الضغط عليهم خاصة وأن الاهل يحاولون دائما إبعاد الأبناء عن هذه الألعاب في ظل الظروف الطبيعية، لكنه في حال استخدام هذه الألعاب كآلية دفاعية عند الأبناء تجعلهم يشعرون بالراحة وتحميهم من الدخول في أزمة نفسية عميقة، فلمنحهم الوقت لاستخدامها.

"عرب 48": هل من توصيات ونصائح خلال الحوار الأسري عن الحرب، لتجنب التسبب بأزمة نفسية؟

خطيب: يجب عدم الإجابة عن تساؤلات الأبناء بغموض، ذلك أنه يزيد من حالة القلق والتوتر والضغط النفسي، فإذا ما استفسر الابن عما يحدث، يجب ألا ينطوي شرحنا للحالة على إجابات سياسية واقتصادية وألا نعرض أسباب ما يحدث، وألا نتبنى أمامه مواقف إيديولوجية، بل علينا تمرير هذه الأزمة من خلال طمأنته، وتَهْدِئته ، وإقناعه بأن هذه الأزمة ستمر سريعا خلال بضعة أيام، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، أي أنه علينا بث روح الأمل، وكما أسلفنا فالأزمة الراهنة فرصة حقيقية للتلاقي العائلي ويجب استغلالها بالفعاليات الناجعة والتعاضد، ومجرد اجتماع أفراد الأسرة سوية بدون مشاهدة الأخبار، سيساعد على تجاوز الآثار النفسية للأزمة، وتحصين الأسرة نفسيا.

التعليقات