22/08/2019 - 12:20

أيمن عودة يقامر بالمشتركة

عودة بخطابه "المتذاكي" إعلاميًا ومناوراته السطحية لكن الخطيرة، يفرغ القائمة المشتركة من تمايزها كقائمة وحدوية تشمل الأحزاب العربية الوطنية، ويحول خطابها إلى خطاب انتهازي هدفه كسب الأصوات لا أكثر، بلا مشروع سياسي أو كرامة

أيمن عودة يقامر بالمشتركة

مجاملات في الكنيست. نتنياهو وأيمن عودة (أ.ب.)

أقوال النائب أيمن عودة، للصحافي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الخميس، بأنه مستعد للانضمام لائتلاف حكومي يشكله رئيس حزب "كاحول لافان"، بيني غانتس، ليست الأولى من نوعها. فقد قال في السابق إنه مستعد لمناقشة الموضوع. ورغم أن دوافع عودة بإطلاق تصريحات كهذه الآن، قبل الانتخابات، تبدو "تكتيكية إعلامية"، إلا أنه بالإمكان التكهن بأن أجندته، منذ انتخابات الكنيست في العام 2015، لا تمنع اندفاعه إلى توجه كهذا.

وكتب برنياع، وأكد ذلك عودة في منشور في صفحته في "فيسبوك"، اليوم، أن "رئيس القائمة المشتركة، عضو الكنيست أيمن عودة، مستعد للانضمام بعد الانتخابات إلى ائتلاف برئاسة الوسط – يسار". لكن تتمة هذه الجملة، التي تشمل "شروطا" للانضمام لحكومة برئاسة غانتس، بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وتحسين مكانة المواطنين العرب وإلغاء قانون القومية وتوسيع مسطحات البلدات العربية وإقامة مدينة عربية... إلخ. كل هذه "الشروط" ليست مهمة في هذا السياق، لأن هذه مطالب لن تتحقق بانضمام عودة والمشتركة لائتلاف حكومي إسرائيلي. وحاول برنياع التحريض ضد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، بأنه الوحيد في القائمة المشتركة الذي يعارض التوصية بتكليف غانتس بتشكيل الحكومة المقبلة.

"مستعد للانضمام لائتلاف وسط - يسار" (يديعوت)

حتى بحسب "منطق" عودة، فإن الواقع يؤكد أنه لن تتحقق هذه المطالب لأن أي مرشح سيشكل حكومة، سواء بنيامين نتنياهو أو غانتس، يرفضان بسبب عقليتهما العنصرية، رفع مكانة العرب السياسية والحقوقية، وسياستهما المدعومة بتصريحاتهما وتشكيلة حزبهما ترفض حلا يقود إلى إقامة دولة فلسطينية. ربما كانت هناك اجتهادات في إسرائيل، بعد احتلال 1967 بالانسحاب من المناطق المحتلة، لكن بعد سنوات قليلة أصبح استمرار الاحتلال، وبالتالي توسيع الاستيطان والتأسيس لنظام أبرتهايد، محل إجماع في إسرائيل، وهذا يشمل ولاية رئيس الحكومة الأسبق، يتسحاق رابين أيضا.

ألا يدرك أيمن عودة أن العنصرية ونفي الآخر الفلسطيني، خارج "الخط الأخضر" وداخله، هي جزء لا يتجزأ من الفكر الصهيوني. أم ربما هو يعتقد أن بأقواله لبرنياع "سيحرج" إسرائيل وقادتها.

يشجع التصويت للأحزاب الصهيونية أو المقاطعة

الأمر الأخطر في أقوال عودة، هو أن الناخب العربي يمكن أن يسلك أحد اتجاهين في انتخابات الكنيست القريبة: التصويت لأحد الأحزاب الصهيونية في ما يسميه معسكر الوسط – يسار، أو لـ"كاحول لافان" وغانتس مباشرة، بعد أن منحه عودة شرعية ليصبح "رئيس حكومتنا" نحن العرب؛ أو أنه أمام أداء أيمن عودة، سيمتنع عن التصويت ويقاطع الانتخابات، لأن قائمة مشتركة في الائتلاف الحكومي لن تحقق أي شيء، بينما وجودها في المعارضة يمكن أن يسمع صوت الفلسطينيين في إسرائيل.

نسبة التصويت بين المواطنين العرب في انتخابات الكنيست السابقة كانت متدنية، والاستطلاعات الحالية تشير إلى أن هذه النسبة قد تبقى على حالها في أفضل الأحوال أو ترتفع قليلا. وعموما، نسبة التصويت المتدنية هذه يتحمل مسؤوليتها أيمن عودة شخصيا، كرئيس قائمة لا يجذب ناخبين، ولم يقدم شيئا لناخبيه باستثناء تصريحات جوفاء. والآن، بأقواله اليوم أفقد القائمة المشتركة تمايزها، خصوصًا لدى قواعدها الوطنية العقائدية.

وتؤكد الاستطلاعات جميعها على أن معسكر أحزاب الوسط – يسار الصهيونية سوية مع القائمة المشتركة لا تشكل أغلبية في الكنيست، يمكن أن تستند إليها حكومة برئاسة غانتس. ورغم توقيع اتفاق فائض أصوات بين حزبي غانتس وأفيغدور ليبرمان، إلا أن الأخير، الذي لا يترك مناسبة إلا ويهاجم فيها العرب ويدعو إلى إخراجهم من حدود إسرائيل، لن يوافق أبدا على الانضمام إلى حكومة يشارك فيها العرب. وأيمن عودة يعرف ذلك تماما، ورغم ذلك أدلى بأقواله التي ستضرب وحدة المشتركة وشعبيتها لدى قواعد واسعة، وهي تصريحات ليست محل إجماع في المجتمع العربي، وإنما يمكن أن تؤدي إلى انخفاض تمثيل المشتركة في الكنيست، وانشقاقها بعد الانتخابات.

دوافع عودة... أزمة 

لم ينف عودة ما نشرته "يديعوت" على لسانه، بل أكده عبر صفحته في "فيسبوك"، وأشار إلى أنه ما معناه أن هدفه إحراج غانتس و"كاحول لافان".

لكن الدافع الحقيقي، أن استطلاعات الرأي لا تبشر خيرًا بالنسبة للمشتركة، فهي بأحسن الأحوال تحافظ على قوتها (10 – 11 مقعدًا). لكن استطلاعات في الأسابيع القليلة الأخيرة تؤشر إلى أنها في تراجع في مقابل ارتفاع نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية لدى العرب، التي قد تتجاوز الـ35 في المئة في الانتخابات القريبة.

وهذا يؤشر إلى أن الناخب العربي لم يقتنع من خطاب المشتركة الحالي، الذي لم يشكل لديه حافزية للتصويت لها، وهو ما يخشى عودة أن ينعكس على نسب تصويت منخفضة. لذا يسعى إلى رفع نسبة التصويت من خلال الإيحاء بأن المشتركة لديها القدرة على التأثير، من خلال التصريح بأنه مستعد للمشاركة في حكومة غانتس. أي يبيع الأوهام بدل قيادة الرأي العام.

وثانيًا، هي محاولة ربما لاستمالة المصوتين العرب للأحزاب الصهيونية، بتقليد خطاب ميرتس وغيرها. لكن هذا الأمر خطير جدًا للمشتركة، لأنه يعني أولا خسارتها لقواعد واسعة لن تصوت للمشتركة نتيجة التوجهات اليمينية لرئيس القائمة وأسرلة خطابها، بل صهينته؛ وثانيًا، هو لن يربح أصوات الداعمين للأحزاب الصهيونية، لأن قطاعات واسعة منهم مرتبطة ماديا أو مصلحيا بتلك القوائم.

لكن الأخطر، هو أن عودة بخطابه "المتذاكي" إعلاميًا ومناوراته السطحية لكن الخطيرة، يفرغ القائمة المشتركة من تمايزها كقائمة وحدوية تشمل الأحزاب العربية الوطنية، ويحول خطابها إلى خطاب انتهازي هدفه كسب الأصوات لا أكثر، بلا مشروع سياسي أو كرامة، وإنما "قائمة تابعة" لليسار والوسط الصهيوني.

هذا سلوك خطير جدًا، سياسيًا من حيث المبدأ، وانتخابيًا من حيث الجدوى. استمرار خطف عودة للمشتركة إعلاميا، يقزمها ويفرغها من أي تمايز. والنتيجة خسارة الأحزاب العربية وارتفاع نسب المؤيدين للأحزاب الصهيونية.

ردود فعل

كان واضحًا أن أقوال أيمن عودة ستلقى معارضة واسعة من الأحزاب التي تشكل القائمة المشتركة، وحتى من حزبه. وقالت النائب عن الجبهة في المشتركة، عايدة توما – سليمان، للإذاعة العامة الإسرائيلية، اليوم، إن أقوال أيمن عودة تعبر عن رأيه الشخصي وأنه يوجد نقاش حول رأيه هذا. وأضافت "أنا متشككة بهذا الخصوص، ولا أرى، لأسفي الشديد، في الخريطة السياسية اليوم، حتى أولئك الذين يحاولون وصف أنفسهم كيسار، وهم بعيدون عن اليسار، لا أرى أن لديهم الشجاعة للقيام بخطوات كهذه".

وتابعت توما - سليمان أنه "لا أرى غانتس، الذي تحدث عن قصف غزة قبل يومين، يفكر بالسلام، لكني أعتقد أن الكرة لدى غانتس ويائير لبيد وكل من يطمح لرئاسة الحكومة".

ووصف النائب د. إمطانس شحادة، من التجمع، أقوال عودة بأنها "بائسة"، وأضاف أنه "دعونا لا ننسى أن غانتس ولبيد لا يريدان التوجه إلى القائمة المشتركة أبدا". وأكد النائب السابق جمال زحالقة على أن أقوال أيمن عودة تتعارض مع موقف المشتركة والتجمع، مشددا على أن "هذه مناورة خطيرة في العلاقات العامة وتمنح شرعية لحزب الجنرالات الذين ارتكبوا جرائب حرب ويتباهون بها".

لبيد وأشكنازي يتنكران لعودة

وقال المرشح الثاني في "كاحول لافان"، يائير لبيد، إن "أيمن عودة لا يمكنه القول لناحوم برنياع ’سنجلس معهم في الحكومة’ ومن ثم يضم إلى قائمته حزب التجمع، وهذه جماعة تكره إسرائيل ولا يعترفون بدولة يهودية. وهذه ازدواجية في الكلام وليست مقبولة على أي أحد عندنا". كذلك قال المرشح الرابع في "كاحول لافان"، غابي أشكنازي، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إنه "لا نستطيع الجلوس مع أحزاب (عربية) لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية".

واعتبر ليبرمان أن "ما يختبئ وراء الإعلان الغريب لأيمن عودة هي محاولة لإعطاء شرعية لتعاون خطير بين الليكود والقائمة المشتركة، فيما الغاية هي تشكيل حكومة مع الحريديين بدعم الأحزاب العربية".

ورغم الود الذي يبديه أيمن عودة للأحزاب الصهيونية، إلا أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، وصفه بأنه "مؤيد للإرهاب". وكتب في حسابه في "تويتر" أنه "واضح الآن لمن سيصوت إلى كاحول لافان، أنه سيحصل على ما يبدو على حكومة يسار مع مؤيد للإرهاب".

وقال حزب الليكود في بيان مقتضب إنه "أصبحت الأمور الآن أوضح: بيني غانتس سيشكل حكومة يسار مع أيمن عودة والأحزاب العربية. ومن يريد حكومة يمين عليه التصويت لليكود فقط".

وكتب المحلل السياسي للقناة 12 الإسرائيلية، عميت سيغيل، إن تصريحات عودة "هدية" لليكود، لأنها سوف تستنفر قواعده وتحثهم على التصويت.

التعليقات