د. عزمي بشارة يتحدث في عشرينية التجمع

إن ما ميز التجمع سياسيًا هو كونه مشروعًا مستقلا لا يتبع لأي دولة، لا عربية ولا غربية، وهو مفصل لظروف العرب في الداخل ونابع من صفوفهم. من هنا خصوصيته وسر قوته

د. عزمي بشارة يتحدث في عشرينية التجمع

د.عزمي بشارة

*بشارة لرفاق التجمع: الامتحان القادم أن ينتقل إلى قيادة الحزب أولئك الذين نشأوا في صفوفه وأن يفسح لهم جيل المؤسسين الطريق بالتدريج

اتصلنا بالدكتور عزمي بشارة المنشغل حاليا بقضايا الوطن العربي وهمومه وبمشاريعه الفكرية التي تصدر عنها تباعًا كتب مرجعية، وسألناه إذا كان يتابع التحضيرات للاحتفال بالذكرى العشرين، وإذا كان يجد الوقت لذلك فأجاب قائلا: 'أنا لا أقوم بالعمل الحزبي منذ سنوات، ولكنني مهتم بما يجري بالطبع. وعلى الرغم من أنني منشغل حاليًا بإقامة مؤسسات على المستوى العربي، وبعملي الفكري، وبالعمل مع جيل شباب الثورات في منفاي في وطني العربي، لكن التجمع يكاد يكون مثل أسرة لي، كما أنه كما يقال في عامية بلادنا 'شقا العمر' لا نفرط به.

 التجمع تجربة فذة، ومميزة، ولهذا فسوف تنجح وتستمر إذا عرف الأخوة والرفاق في فلسطين ليس فقط كيف يحافظون عليها، بل عكفوا أيضًا على تطويرها وإغنائها. الفكرة لا تحتمل الجمود فقد قامت على أساس الإبداع والتجديد، هذا سرها وأساس قوتها. إذ أن التجمع قام على أساس تطوير الفكر القومي ليندمج مع الديمقراطية والمواطنة، وتطوير الفكر اليساري المتعلق بالعدالة الاجتماعية ليندمج مع اللبرالية السياسية (ليس الاقتصادية) والانتماء العربي الفلسطيني في ظروف المواطنة في دولة قامت على أنقاض المشروع الوطني الفلسطيني'.

وتابع بشارة يقول :'إن ما ميز التجمع سياسيًا هو كونه مشروعًا مستقلا لا يتبع لأي دولة، لا عربية ولا غربية، وهو مفصل لظروف العرب في الداخل ونابع من صفوفهم. من هنا خصوصيته وسر قوته والأثر غير العادي الذي أحدثه. هذه هي الأصالة بالمعنى الصحيح للكلمة. ولهذا انتشر خطابه السياسي ومفرداته مثل النار في الهشيم في أوساط شعبنا، ولا سيما الشباب منهم، إلى أن فرضت نفسها في نوع من الهيمنة الثقافية حتى على القوى والأحزاب الأخرى.   وكانت الحركات الوطنية الصغيرة العدد حتى قيام التجمع تستلهم فكرها وبرامجها من فصائل فلسطينية، وقبل ذلك من هذه الدولة العربية أو تلك، أما الحزب الشيوعي الإسرائيلي فمصادره الفكرية والسياسية معروفة... وكان الامتحان دائما بالنسبة لنا أنه مهما تشعبت علاقاتنا بالأمة العربية وبإخواننا الفلسطينيين، وبالقوى الديمقراطية في العالم، وفي إسرائيل نفسها، يجب أن يبقى التجمع أمينا لمشروعه الفكري وقِيَمه، بمركباته الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وليس لقوى سياسية أو دولية خارجه. وأنا أعتقد أن التجمع هو الذي أثر على الشباب والقوى الديمقراطية تحديدا في العالم العربي'.

وأضاف بشارة ”ولد التجمع في ظروف الحيرة بعد تشتت الحركات الوطنية في بداية التسعينيات وتراجعها أمام الأسرلة، وأزمة اليسار العالمي مع انهيارالاتحاد السوفييتي، وأزمة القومية العربية والنظام العربي بعد احتلال الكويت وحرب الخليج الثانية، وأزمة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد أوسلو. من هنا بدأنا التفكير بما يتجاوز فكرة القومية العربية وحدها، وأفكار اليسار وحده، واللبرالية وحدها إلى الجمع بينها في برنامج ينطلق من ظروفنا المركبة جدًا. هكذا ولدت فكرة دولة المواطنين، والاعتراف بالاستقلالية الذاتية لعرب الداخل في محاولة لتقريب الحركة الوطنية من قضايا الناس اليومية، وبجعل البرنامج الديمقراطي المطلبي معاديًا للصهيونية. وكانت مرحلة التأسيس معقدة لأنها تجري كعملية تنسيق بين بقايا حركات سياسية، بحساسياتها، ولأنها تجري في ظل الأجواء الانتهازية والعدائية التي تثيرها انتخابات الكنيست بين القوى السياسية العربية في الداخل، ولأن القوى السياسية التقليدية على الساحة خشيت من الفكرة'.

وتابع بشارة: 'احتاج الأمر إلى أعصاب فولاذية ومثابرة في التفاصيل وصبر، وبقي من تمتع بها من جيل المؤسسين معي، وبقيت معهم. وصمدوا حين حاربتنا إسرائيل بسبب دفاعنا عن مبدأ حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وبسبب طرحنا لفكرة دولة المواطنين، الذي أصاب الصهيونية بالدوار، لأنه واجهها بخطاب ديمقراطي. الديمقراطية موجودة في صلب فكر التجمع ونضاله فيما يتعلق بدمقرطة الفكر القومي أيضًا... وانتقلنا من مرحلة التأسيس إلى مرحلة المأسسة بسرعة فائقة لم يشهدها أي حزب آخر. ومنذ ذلك الحين مر التجمع بالعديد من الامتحانات وصمد. كما أنه ارتكب أخطاءً وحقق إنجازات وكان يخرج أكثر قوة بعد كل امتحان.

وأكد بشارة على ضرورة مواصلة الدرب قائلًا: 'ها نحن نضيء له عشرين شمعة، وامتحانه الأول القادم أن ينتقل إلى قياداته أولئك الذين نشأوا في صفوفه، وأن يفسح لهم جيل المؤسسين الطريق بالتدريج لكي يقودوا المرحلة القادمة، وأن يتوسع تنظيميًا بين الشباب. أما امتحانه الثاني فيكمن في حفاظه على خطه وتطويره، وتعميق قيمه بعد أن تحقق جزء من برنامجه بإنشاء القائمة العربية المشتركة، وإن بشكل مختلف عما كان التجمع يدعو إليه، إذ كان يدعو لتحالف نضالي بين تيارات ثلاثة، المهم أن المبدأ الذي دعا إليه التجمع قد تحقق. والمهم من ناحية أخرى أن لا يضيع الحزب بين القائمة المشتركة من جهة والنائب الفرد من جهة أخرى، وأن يحافظ الحزب على موقفه الفكري والسياسي المتميز، ويستمر في النضال وفي بناء المؤسسات الثقافية والاجتماعية العربية التي تساهم في تنظيم مجتمعنا كشعب وتعزز صموده ورقيه في الوقت عينه، فهذا هو الضمان الأساسي لأي وحدة وطنية في المستقبل'.

وفي الختام أرسل د. عزمي تحياته الشخصية لجميع الرفاق والأصدقاء وأسرهم ولأبناء شعبنا في الداخل في ذكرى هذا الحدث الهام الذي شكل منعطفًا في التاريخ السياسي والاجتماعي لشعبنا، قائلا: 'كل عام وأنتم والتجمع وشعبنا بخير'.

التعليقات