التجمع الولادة عسيرة ومولود قويّ.../ سهيل كيوان

​يعتبر التجمع الوطني الديمقراطي الوريث الشرعي للحركة الوطنية الفلسطينية في مناطق 48، منذ ظاهر العمر الزيداني مؤسس أول كيان سياسي فلسطيني في الجليل حتى يومنا هذا، وذلك أن في صلب التجمع وعلى رأس أولوياته هو الصراع القومي بين الشعب الفلسطي

التجمع الولادة عسيرة ومولود قويّ.../ سهيل كيوان

يعتبر التجمع  الوطني الديمقراطي الوريث الشرعي للحركة  الوطنية الفلسطينية في مناطق 48، منذ ظاهر العمر الزيداني مؤسس أول كيان سياسي فلسطيني في الجليل حتى يومنا هذا، وذلك أن في صلب التجمع وعلى رأس أولوياته هو الصراع القومي بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية وريثة ومواصلة طريق الاستعمار الساعية لاقتلاعه، معتبرًا أن الصراع الأساسي هو مع الحركة الصهيونية وما تعنيه من هجرة يهودية إلى فلسطين على حساب طرد الشعب الفلسطيني من وطنه،وحرمان من تبقى منه من المواطنة الكاملة، وليس صراعًا طبقيًا على حقوق طبقة العاملة،مقدما بهذا الصراع القومي والوطني على الصراع الطبقي، ،فقد اعتبر التجمّع الوطني الديمقراطي نفسه جزءًا من حركة التحرر الفلسطيني وأحد روافدها وليس مناصرًا لها أو متضامنًا معها كجسم خارجي كما فعل الحزب الشيوعي الإسرائيلي وما زال ،بل رأى  نفسه جزءًا منها دون أن يتنكر للديمقراطيين اليهود الذين يتضامنون مع قضية شعبنا ولكن دون تضخيم حجمهم وقدراتهم ودورهم في سيرورة عملية التحرر الوطني الفلسطينية. 

ليس سرًا أن نواة التجمع الأولى أتت من حركة ميثاق المساواة، ومعظم أعضائها أتوا بعد انفصالهم عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي تحول إلى ما يشبه المذهب الديني العقائدي المتجمّد، وسيطرت فيه القوى الرافضة للتجديد التنظيمي والفكري والتي رأت بنفسها امتدادًا للمستوطنين الإشتراكيين الأوائل في فلسطين الذين حملوا معهم الأفكار الإشتراكية إلى جانب الاستيطان في فلسطين وأسهموا بطرد شعبها، واصلوا هذا في الوقت الذي كان مهد الشيوعية وعمودها الفقري المتمثل في الإتحاد السوفييتي ينهار وتتبعه دول المعسكر الإشتراكي الأخرى. كان على رأس هؤلاء المنفصلين عن الحزب والسباق بينهم  مؤسس التجمع نفسه د.عزمي بشارة ود.جمال زحالقة ود.باسل غطاس وغيرهم ممن بادروا لإنشاء حركة ميثاق المساواة، وكان معظم أعضائها رفاقًا منفصلين عن الحزب الشيوعي. 

هذه الثلة  وبعد نقاش طويل ومرير مع الحزب الشيوعي وصلت إلى طريق مسدود، خصوصًا أن الأداة التنظيمية( الحزب) عملت كما لو كانت في ظروف نشوء البلشفية الأولى، تتغلب فيها المركزية الحديدية على إبداع الأفراد،حيث كان المنطق وقانون الحزب يقول 'نفّذ ثم ناقش'، بما يشبه النصوص الدينية، وكانت قضية رموز الدولة وعلى رأسها نشيد (هتكفا) الذي كان ينشده الحزب في مؤتمراته والعلم الإسرائيلي الذي يرفعه في تظاهراته وخصوصًا في أول أيار، وتقديم الطبقي على القومي واعتباره المواجهة المركزية والأولى مع الصهيونية من أهم نقاط الخلاف بين مجموعة ميثاق المساواة والحزب، إلى جانب القضايا التنظيمية وقضية المركزية الخانقة لكل إبداع  تنظيمي أو فكري واستبعاد أي عضو يفكر باتجاه مختلف عن الهيئات الأعلى، وهذا ما اصطدمت به مجموعة ميثاق المساواة وعلى رأسها الدكتور عزمي بشارة قبل غيره حتى قبل انهيار الإتحاد السوفييتي. تبعه فيما بعد مئات الرفاق الآخرين، ولكن في تلك المرحلة كان الأفق شبه مسدود فالمنطقة كلها في حالة انهيار بعد حرب الخليج، فما الذي يمكن عمله بدون أداة تنظيمية! والجميع يعرف أنه بدون تنظيم لا يمكن أن يتطور العمل الوطني الثوري، إضافة لمحاربة الحزب الشيوعي لأي تنظيم جديد يتبنى القضية الوطنية لدرجة تخوينه كما حدث للحركة التقدمية للسلام بقيادة المحامي (محمد ميعاري وماتي بيلد) وحركة الأرض من قبلها. هكذا نشأت وفي تلك الظروف فكرة (التجمع) الذي كان عبارة عن تحالف ( ميثاق المساواة) مع قوى وطنية أخرى على الساحة مثل الحركة التقدمية للسلام، وأبناء البلد، وتنظيمات السجناء وحركة النهضة وحركات محلية وشخصيات وطنية. 

إلا أن الحزب الشيوعي ائتلف مع التجمع الوطني في انتخابات الكنيست عام 1996 لأسباب موضوعية حصلت القائمة خلالها على ثلاثة أعضاء، وكان الدكتور عزمي بشارة أول ممثل للتجمع في البرلمان، فقد شعر الحزب الشيوعي شعر بقوة التجمع  وشعبية طرحه فحاول احتواءه وخصوصًا أن معظم هذه الكوادر كانت منشقة عنه إلى شعوره بالضعف لا سيما بعد انهيار المعسكر الإشتراكي.

 تكتيك التجمع وخبرة كوادره لم تتح للحزب الشيوعي احتواءه ووقف نموه، وهكذا  اصلب عوده، وأصدر صحيفته(فصل المقال)، وقويت أساساته ليتمكن فيما بعد من خوض انتخابات الكنيست بتحالفات مع غير الحزب الشيوعي أو أن يخوضها وحيدًا رغم الرهان على فشله، إلا أنه نجح في الصمود والتطور رغم الهزات العنيفة، وآخرها خروج المؤسس عزمي بشارة إلى المنفى الذي اعتبر أزمة للحزب،إلا أن تمسك الكثير من الكوادر في الفكرة الأساسية للتجمع في الفكر السياسي والاجتماعي مدته بالصمود وتجاوز المحنة. 

وقد لاقى وما زال يلاقي تجاوبًا واتساعًا خصوصًا بين الفئات الشابة لمصداقية طرحه الذي أثبته الواقع على الأرض، خصوصًا تحديد الصراع القومي مع الحركة الصهيونية على الأرض والمواطنة الكاملة الذي صار واضحًا لا لبس فيه والذي تبنته معظم الحركات الوطنية، وتأخير الطبقي دون التقليل من أهميته باعتباره تابعًا أداة أخرى من أدوات الاضطهاد القومي للفلسطينيين، ثم التنظيم الوطني الديمقراطي الذي يتيح لكل رفيق التعبير عن رأيه دون مركزية قامعة، كونه تجمعًا ليس عدديًا  فقط، بل هو تجمع لأفكار واجتهادات وطنية ديمقراطية وتنظيمية شاملة سياسيا واجتماعيًا خصوصًا بما يتعلق بحقوق المرأة فكان سبًاقا لضمان مكان لإمرأة في قائمته للكنيست. أخيرًا ظهور القائمة المشتركة بين العرب في إسرائيل أثبت صحة طريق التجمع الوطني،وهذه أتت كمرحلة وخطوة تضاف إلى صحة رصيده الفكري، وهي خطوة بلا شك سيكون لها ما بعدها ليس فقط داخل البرلمان بل وخارجه على كل نضال الشعب الفلسطيني. 

التعليقات