الغائبون الحاضرون..

في ظل غيابهم الموجِع...تمرّ الذكرى العشرون على تأسيس التجمّع "هم الغائبون عنّا القريبون منّا"

الغائبون الحاضرون..

في ظل غيابهم الموجِع...تمرّ الذكرى العشرون على تأسيس التجمّع

'هم الغائبون عنّا القريبون منّا'

هي مناسبة وطنية وقوميّة، وفرصة للاحتفال بإنجازات التجمّع الوطني الديمقراطي، ولولا وجوده كقائد بيننا، ما كان ليحظى هذا الحزب بهذا الانتصار، وبانضمام الشباب الواعي إليه، اليوم نضيء الشمعة العشرين للمناسبة، كي نُبارك للذين صنعوا هذا الإنجاز التاريخي، وكتبوا تاريخ الفلسطينيين في الداخِل من جديد، يومَ تمرّد الفلسطينيون على الخنوع والصمت. لولا وجوده بيننا، القائد عزمي بشارة، لما ارتسمَ طريق التجمع، ولما وصلَ في عمره العشرين إلى موقعٍ مهّم على الساحة المحلية والفلسطينية والعربيّة، أيضًا.

لقد نجح الدكتور عزمي بشارة باستقطاب شريحة من المثقفين والمهتمين بالقضايا الوطنية الديمقراطية، بعض الذين كان لهم الدور الأساسي في بناء حزب التجمع الوطني الديمقراطي، يدًا بيد مع د. عزمي بشارة، هم: الراحل أحمد أبو حسين، والمرحوم رياض الأنيس، الراحلة روضة بشارة عطالله، والمناضل المرحوم موسى أبو كشك، وآخرون رحلوا بصمت، تاركين وراءهم ذكرياتٍ لا تفارق أحباءهم وأبناء حزبهم.

أحمد أبو حسين... ضمير الصحافة الوطنية

رحل الإعلامي المثقف أحمد أبو حسين (مواليد 1962)، ابن مدينة أم الفحم في السابع من كانون أول 2006، عن عمر ناهز الـ 44 عامًا، خاض خلال مشواره القصير نضالاً سياسيًا وإعلاميًا وثقافيًا.

انخرط المرحوم أبو حسين في الحركة الوطنية منذ نعومة أظفاره. وقد نشط وكان عضوًا في حركة 'أبناء البلد'، ثم ليكون جنبًا إلى جنب، مع د. عزمي بشارة وقياديين آخرين، في تأسيس 'التجمع الوطني الديمقراطي'. ومنذ اللحظة الأولى لتأسيس موقع 'عرب 48'، شغل المرحوم منصب رئيس مجلس الإدارة، تطوعًا حتى يومه الأخير.

وعُرف عن المرحوم دماثة أخلاقه، وإنسانيته المميّزة، وعطائه اللامحدود، لم يبخل بالغالي لأي انسانٍ احتاجه، ولأي جهةٍ احتاجته على جميع المستويات: الثقافية والحزبية والشخصية.

وترك الراحل في غيابه، إرثًا نضاليًا وإعلاميًا وثقافيًا، لا يمكن تغييبه، رغم مرور سنوات على رحيله.

اعتبر الدكتور عزمي بشارة رحيل أحمد أبو حسين 'خسارةً فادحةً للحياة الثقافية والحزبية، وله شخصيًا، 'خصوصًا وأنّ المرحوم كان مُحرّكًا أساسيًا من مُحرّكات العمل الوطني الإعلامي في الداخل، في مواجهة تُرّهات وسخافات الإعلام الرخيص. وعُرف بعناده وسعة ثقافته وتصديه لكل ما هو زائف ومتخلف في الحياة الثقافية والإعلامية. أما بالنسبة لعُمق المُصاب الشخصيّ لي فهذا أمر يصعب التعليق عليه أو شرحه في هذا اليوم لأني لم أستوعب هذا الغياب'.

رياض الأنيس رحيلٌ مبكّر وشوقٌ لا يغيب!

بابتسامته وإصراره ومهنيته عُرف المحامي الراحل رياض الأنيس (ولد يوم 12-7-1953 وفارقنا يوم 24-4-2009)، كان صوتًا قويًا وسندًا للجميع، ومناضلاً فلسطينيًا من على منبر المحاكم الإسرائيلية.

ما كان يخشى مقارعة القضاة وتحطيم أنياب النيابة في ملف رهائن الأقصى، وهناك أيضًا لم تفارق ابتسامته الساخرة شفتيه، بل ربما كان يتعمّدها ليوصل للقوم رسالة: أنتم تكذبون وتلفقون ثم تصدقون كذبتكم .

كان المرحوم محاميًا لامعا ملتزمًا ومخلصًا، وكان له دور بارز في إسماع صوت أهالي الشهداء في انتفاضة الأقصى أمام لجنة 'أور' وفي الدفاع عن الدكتور عزمي بشارة وعن رهائن الأقصى والأحزاب العربية إثر محاولة إلغاء شرعيتها. 

ولقد أوكلت إليه قضية الشيخ رائد صلاح، وليس لأنهما من بلدة واحدة، بل جمعهما العناد على الموقف الذي يؤمنان به، وكانت الإبتسامة هي لغة الكلام التي استمرت إلى آخر يومٍ من حياة الراحل الأنيس.

انتسب رياض للتجمع الوطني الديمقراطي منذ تأسيسه حيث شغل منصب عضوية في اللجنة المركزية للحزب والمحرر المسؤول لصحيفة 'فصل المقال'، وتم انتخابه مرشحًا للكنيست في القائمة للانتخابات قبل رحيله. وكان لرياض نشاط في العمل الأهلي، حيث كان عضوًا مؤسسًا في المؤسسة العربية لحقوق الإنسان وجمعية الهدف وعدالة وترأس جمعية الأهالي. تزوج رياض عام 1978 من نرجس وتولد لهما أربعة أولاد، ميس الريم، عمار، مرام، روان. 

العناق الأخير عند الباب 

وكتب الدكتور عزمي بشارة في رثاء رفيق دربه: 'كان رياض الدمث اللطيف المعشر في علاقاته اليومية، ولكنه كان أيضا حزبيًا صارمًا إلى درجة لا يعرفها الناس عنه رغم سعة علاقاته الاجتماعية. فقد كان يمتلك شعورًا وقناعة رسختهما التجربة، وثبتهما العقل، وكان يشارك بهما أعضاء الحزب في المؤتمرات علنا.... كان رياض اجتماعيًا متسامحًا متجنبًا للصراع الشخصي، ولكنه لم يتردد في الدفاع عن الموقف دون تسويات، بيت رياض هو البيت الأخير الذي زرته في البلاد في طريقي من القدس إلى الحدود، فقد مررت عنده في أم الفحم للتشاور معه.... في حالة رياض كان علي أن أمارس الحزن وحيدًا هنا. أمعنت برياض أكثر، بذلك العناق الأخير عند الباب، لكي ألقن نفسي أسبابًا جديدة في عدم الصفح لمن حوّلنا إلى لاجئين في بلدنا، ولمن يحول الوطن إلى منفى. على هذا التقيت مع رياض كل هذه العقود، وعلى قيم إنسانية كثيرة، لا تنظروا من حولكم، انظروا فيكم تجدوها. وعلى هذا نفترق مؤقتا'. 

المرحوم موسى أبو كشك قاد نضالاً ضد العنصريين في اللد

رحل الناشط السياسي التجمعي في تاريخ 15-10-2007، وسط استنكار شديد للجريمة التي اقترفت بحقه، إذ استهدفت يد الغدر وأطلقت عليه النار من مسافة قصيرة، حين كان في يعمل في حانوته بالمحطة المركزية في مدينة اللد، وترك وراءه خمسة من الأبناء، وكان ندًا عنيدًا للعنصريين في مدن المركز، التي لم يتغير واقعها منذ رحيله، وتصدى لأوامر هدم المنازل وكان يقف في وجه العنصريين ويحارب انتشار الجريمة في بلدته، وأقيمت جنازة مهيبة في بلدته اللد، بمشاركة المئات الذين استنكروا الجريمة.

وأعرب رفاقه في حزب التجمع الوطني الديمقراطي عن صدمتهم العميقة لفقدانه، خاصةً الصورة الوحشية باستهدافه دون مبررات. 

وقال الأمين العام للتجمع عبد الفتاح: 'لقد فقدنا مناضلاً جريئًا طالته يد الإجرام أثناء عمله في متجره الصغير ويسعى لإعالة أسرته، فقدناه وهو في قمة عطائه لشعبه وفي أوج كفاحه ضد سياسة التمييز والتضييق والعنصرية التي تمارسها مؤسسات السلطة ضد عرب اللد، وحمّل الشرطة المسؤولية عن انتشار الجريمة وعن العنصرية المستشرية، والتضييق والحصار ومحاولة طمس الهوية الوطنية في اللد والرملة، وسائر البلدات العربية'.

وتحدث د. زحالقة عن المواقف الوطنية المشرفة لـ أبو فادي: قائلاً: كان دائمًا في الطليعة وفي الميدان دفاعًا عن الأرض والمسكن في مدينتي اللد والرملة، وكان يبادر إلى تنظيم الاعتصامات والمظاهرات، ويشدد على أن النضال الوطني هو الطريق لمواجهة سياسية محاصرة الوجود العربي في اللد والرملة. 

وقال زحالقة: 'إن موسى أبو كشك هو فقيد اللد والرملة وفقيد التجمع الوطني الديمقراطي ومجمل الحركة الوطنية التي رحل عنها أحد قادتها الميدانيين. مضيفًا: 'نحن لا نعرف من القاتل، ولكن اليد التي امتدت إلى قلب كبير وإنسان معطاء ومناضل مثل أبي فادي هي يد الغدر والعمالة'.

الغائبة الحاضرة دومًا د. روضة بشارة عطاالله (1953- 29/12/2013)

رحلت روضة عن هذا العالم مخلفة فراغًا بحجم قامتها الشامخة تاركة بصمات جلية في الحركة الوطنية وعلى المشهد الثقافي لفلسطينيي الداخل.

وافتقدت الحركة الوطنية شخصية فذّة من قياداتها، وخسرت الحركة الثقافية  ينبوع عطاء لا يجف، لكن لا زال تأثيرها جليًا على جيل الشباب الذي رعته وصقلته ووجهته، والذي يعتبرها بمقام الأم الرؤوم والقائدة الفذة.

يشار أنّ الدكتورة روضة، ليست شخصية وقائدة وطنية فحسب، بل هي مؤسسة للمشروع الثقافي الوطني، الساعي  لإعادة بناء وترميم الثقافة العربية الفلسطينية في الداخل بعدما تدمرت بفعل النكبة والتهجير. 

الدكتورة روضة، لم تكن تضع حدودًا للعطاء المتلاصق برؤية ثاقبة وبعيدة المدى لمشروع شامل. لذا، يرحل الجسد، لكن روحها لا زالت تنبض وتحرك مئات الشباب الذين نهلوا من عطائها.

وجاء رحيلها مؤلمًا في الصميم، عن عمر 60 عامًا، بعد صراعً مع مرض عضال.

وقد نعى التجمع الوطني الديمقراطي د. بشارة ـ عطا الله، ببالغ الحزن والأسى، مؤكدًا على أن الحركة الوطنية فقدت علمًا بارزًا من أعلامها ومثقفيها وقيادييها، والتي كرست حياتها من أجل ترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز الثقافة العربية الفلسطينية، وحماية اللغة العربية وإحيائها في أوساط شعبنا الفلسطيني، متمنياً لها الرحمة ولأهلها ورفاقها الصبر والسلوان. 

يذكر أن د. بشارة ـ عطا الله، زوجة الدكتور الياس عطا لله، وشقيقة المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، كانت من قيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وعضوًا في مكتبه السياسي، وقد شغلت منصب مدير جمعية الثقافة العربية في الناصرة حتى آخر أيام حياتها، وكان لها الأثر الكبير في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي الفلسطيني. 

ولدت د. روضة بشارة - عطا الله في الناصرة عام 1953، وتخرّجت من المدرسة المعمدانيّة عام 1971، درست في أكاديمية طب الأسنان في صوفيا وتخرّجت عام 1979 لتكون أول طبيبة أسنان عربية في الداخل.

 لعبت د. روضة عطا الله دورًا اجتماعيًا ووطنيًا وثقافيًا رياديًا منذ مطلع الثمانينات حيث شاركت في إقامة وتأسيس أول حضانة أطفال في المجتمع العربيّ في سنة 1980، كما عملت مديرة مدرسة مساعدي أطباء الأسنان 1985-1992، وشغلت خلال الأعوام 2000-2003 و2005-2013 منصب مديرة جمعيّة الثّقافة العربيّة نفّذت خلاله عشرات المشاريع الهادفة إلى الحفاظ على الهويّة الوطنيّة والثقافيّة واللّغة العربيّة، وبرز الدور السياسيّ الوطنيّ ل .د. روضة عطا الله من خلال عضويتها للّجنة المركزيّة والمكتب السياسيّ للتجمع الوطنيّ الديمقراطيّ.

التعليقات