حركة وطنية فعّالة بخصائص مُتجددة/ واصل طه

تشكلُ النكبة الفلسطينية بوصلة النضال الوطني للفلسطينيين في الداخل والشتات، وستبقى تلقي بظلالها على حياة ونضال شعبنا أينما وجد. أما نحن الفلسطينيين المواطنين في الدولة العبرية، وبسبب هذا الموقع وذاك التعريف، فقد واجهتنا مهمات وتحديات ت

حركة وطنية فعّالة بخصائص مُتجددة/ واصل طه

 

تشكلُ النكبة الفلسطينية بوصلة النضال الوطني للفلسطينيين في الداخل والشتات،   وستبقى تلقي بظلالها على حياة ونضال شعبنا أينما وجد. أما نحن  الفلسطينيين المواطنين  في الدولة العبرية، وبسبب هذا الموقع وذاك التعريف، فقد واجهتنا مهمات وتحديات تنطوي على خصائصَ فريدة ومختلفة عن أي مجموعة  سكانية  فلسطينية أخرى.

تركت النكبة  فينا ندبًا وجروحًا  غائرة،  كان لها عظيم الأثر على سلوكنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مما جعل الأرضية خصبة بين جماهيرنا  لتشكيل حركة عربية الوجه وفلسطينية الأصل، تمثلت بمخاض وطني هام في منتصف  الخمسينيات من القرن الماضي وعبر محاولة  إقامة  الجبهة الشعبية، وكذلك جماعة الأرض في ستينات القرن نفسه.  محاولتان جديتان  قمعتهما المؤسسة الإسرائيلية  ولاحقت المبادرين والبارزين  من قادتهما  فاعتقلت البعض  ونفت  آخرين،  ومن ثم أخرجت تنظيم جماعة الأرض عن القانون.  مع ذلك كله,لم تتوقف المحاولات في تشكيل الأطر والحركات الوطنية  المحلية والقطرية التي لعبت أدوارًا حاسمة في رفع معدلات الوعي الوطني ومقاومة مشروع الأسرلة، إلى أن وُقعت اتفاقية أوسلو بما تضمنتها من الاعتراف المتبادل بين م.ت.ف  وإسرائيل، حيث كانت انعكاساتها محبطة وشديدة التعمية على أهلنا, حيث سادت الأجواء حالة من التخبط  وكثر الخلط  والنقاش الموجه بين الناس، فاعتقد البعض أن السلام  قد حل في ربوعنا، وأن الدولة الفلسطينية قد قامت ... وانتقد آخرون الإتفاق وعارضوه من منطلق أنه لن يفضي إلى شيء. في ذات الوقت،  فقد جاء انهيار الاتحاد السوفييتي ليشكل ضربة قوية لتراث وقيم آمن فيها قطاع من أبناء شعبنا (الحزب الشيوعي), حيث اعتقدوا أن خلاصهم  وصلاح حالهم  في تحقيقها وانتصارها. وقد زاد إحباطهم  وخيبة أملهم  ليس فقط من عملية الانهيار السريعة، بل من تقييم  فيه استخفاف  واستهتار  بالعقول  النيرة, كانت قد قدمته  قيادات الحزب الشيوعي في حينه، ملخصة هذا الموقف التاريخي الجلل بكلمتين  ' ضُلْلنا وضللَّنا '، مما أثار موجة استقالات  كبيرة من صفوفه،  شملت أساسا تلك الفئة التي لم ترضَ بهذا الاستهتار وذاك الاستخفاف  بعقولهم.  

بتأثير من تلك الأوضاع البائسة والخادعة، تدفق الآلاف من أهلنا نحو الأحزاب الصهيونية  وانتسبوا إليها, بل  وبدأوا يروجون  لها دون رادع أو اعتراض جدي منظم، وقد ظهر ذلك جلياً  في يوم النكبة،  حيث  رفع الكثيرون أعلام الدولة  في بيوتهم  وعلى سياراتهم. وفي ظل هذه الأجواء بادر عدد من قيادات الحركات الوطنية وهي: حركة ابناء البلد عنهم  الأخوة رجا إغبارية، عوض عبد الفتاح والدكتور عمر سعيد.  حركة ميثاق المساواة: الأخوة:  الدكتور عزمي بشارة  والدكتور باسل غطاس ممن تركوا الحزب الشيوعي لأسباب  فكرية  وتنظيمية. الحركة التقدمية عنهم المناضل النائب السابق  محمد ميعاري وواصل طه رئيس مجلس كفركنا المحلي وقتها. 

التجمع الوطني الديمقراطي أم حركة ٣٠ / آذار

وفقا للوثائق الأولى التي صدرت عن الحزب الجديد, وتحت عنوان خطوط عريضة باسم (التجمع الوطني الديمقراطي - حركة ٣٠ اذار) فقد تضمنت اقتراحًا لهيكلية الحزب وتحديد شهر ١٢/ ١٩٩٥ موعدًا لعقد مؤتمر الحزب التأسيسي، ومع اقتراب هذا الموعد تبين أن الحزب  غير جاهز لعقد المؤتمر بسبب عدم استكمال بناء فروع منظمة وكافية لتشكل حاضنة وحالة شعبية مساندة للحزب العتيد.

ومع  الإعلان عن موعد الانتخابات للكنيست ١٩٩٦ وعزم الحزب على خوضها، أصبح عقد المؤتمر أمرًا ملحا وباتت مهمة استكمال بناء الفروع وخلق حاضنة شعبية أكثر أهمية نظرًا للظروف السياسية الصعبة آنذاك ، فقمت بدعوة الحركات الوطنية المحلية الفاعلة لجلسة في مجلس كفركنا حضرها, كل من الأخوة  رجا اغبارية والدكتور عمر سعيد  والسادة عبد الحميد عراقي ممثلا عن أبناء الطيرة ، الأخ عبد العزيز أبو اصبع عن حركة النهضة  ومعه  الأخ  عبد الباقي الأنقر. وحضر عن 'أسرة الجهاد' الشيخ فريد أبو مخ  ومعه د. محمد أبو الفول من جت والشيخ عبد الله بدير من كفر قاسم . أما عن حركة الأنصار فكان الأخ حسن جبارين  'أبو ذر' فضلا عن الشاعر سليمان دغش مؤسس نواة 'الحزب التقدمي الإشتراكي'  المغار, حيث كنا قد التقيناه واتَّفقنا معه للانضمام لحزبنا العتيد.

 في نهاية اجتماع كفركنا، اتفقنا على إصدار بيان  تعلن فيه هذه الحركات الانضمام رسميًا إلى التجمع،  وقد تم ذلك فعليًا ونشر في جريدة الحزب المؤقتة ( المنار). بعد أن تم بناء فروع في يافة الناصرة، اكسال، عين ماهل، الرينة، المشهد، كفركنا، طرعان، عيلبون، دير حنا، سخنين، عرابة، كوكب، كابول، طمرة، الجديدة- المكر، كفرياسيف، معليا، ترشيحا، الرامة، المغا، الناصرة، شفاعمرو، أم الفحم، باقة الغربية، جت، قلنسوة، الطيرة، الطيبة، كفر قاسم، اللد، القدس، النقب، حيفا، عكا، تقرر عقد المؤتمر يوم ٢٨/ ٣ / ١٩٩٦ في قاعة الأنيس في أم الفحم، وقد حضر المؤتمر أكثر من ١١٠٠ مندوب يحق لهم الاقتراع  في انتخاب القائمة للكنيست.  لقد تنافس عدد من الرفاق على الأماكن الأولى في قائمة التجمع (عزمي بشارة, واصل طه, رجا اغبارية وحسن جبارين), لكن المؤتمر وبعد مداولات حادة ومناقشات مستفيضة, خرج متفقا وموحدًا على أن يكون الدكتور بشارة مرشحنا الأول. وانطلق الحزب بعد أن  تبنينا اقتراح الأخ عوض عبد الفتاح، في تسمية التجمع الوطني الديمقراطي فقط,  لأن الثلاثين من آذار يوم للشعب كله.  كما تبنى الحزب الحرف الذي اقترحته وهو حرف الضاد ( ض). بعد الإتفاق مع الجبهة على خوض انتخابات الكنيست  سويا، حققنا فوزًا مؤزّرا لم تتوقعه حتى قيادة  الجبهة نفسها، إذ وقبيل يوم الانتخابات  بأيام نشرنا توقعنا على ضوء عملنا الميداني الذي تصدر جريدة المنار الناطقة باسمنا وبالبنط العريض: 'ستة أعضاء للجبهة والتجمع'، وقد نقص المقعد السادس بضعة آلاف من الأصوات فقط. وفي احتفالنا بمناسبة الفوز في وادي عارة،  توجهت للتجمعيين قائلا 'نريد أن يكون التجمع مركبًا جديدًا بخصائص جديد، وهذا لن يتحقق إلا إذا تخلينا عن فئوية الماضي وانطلقنا.

وها نحن نحتفل بعشرينية التجمع وقد أصبح مركبًا ومكونًا أساسيًا في الساحة السياسية لفلسطينيي الداخل ونموذجًا يحتذى به عربيًا.

 

 

التعليقات