كيف أصبحتُ تَجمعيًا..؟ / عمار أبو قنديل

​لم أؤمن يومًا بالعمل الجماعي تحت إطار حزبي، إيمانًا ليس وليد التجربة، إنما وليدة شيطنة مستمرة لعمل ودور الأحزاب وعن احتمالية تغيّر واقع وجدوى إمكانية المساهمة ضمن تنظيم قائم إضافة إلى شيطنة الأحزاب بعينها ومخاوف حمّلني إياها مجتمعي وأهلي

كيف أصبحتُ تَجمعيًا..؟ / عمار أبو قنديل

لم أؤمن يومًا بالعمل الجماعي تحت إطار حزبي، إيمانًا ليس وليد التجربة، إنما وليدة شيطنة مستمرة لعمل ودور الأحزاب وعن احتمالية تغيّر واقع وجدوى إمكانية المساهمة ضمن تنظيم قائم إضافة إلى شيطنة الأحزاب بعينها ومخاوف حمّلني إياها مجتمعي وأهلي.

كنتُ حاملًا لأفكار عديدة، مدججًا بطاقات متجددة، معززًا بالرغبة والإرادة والنية على صنع التغيير، في جعبتي تجربة اجتماعية اكتسبتها من العمل التطوعي، المشاركات الفعالة في نشاطات اجتماعية مختلفة، العمل في مجموعات من خلال وظيفتي كمحاضر ومعلم بسيخومتري، مزود بمعرفة سياسية وتاريخية من خلال تراكم قراءات لكتب وجرائد ومقالات ومتابعة وطيدة لكل ما يجري حولي من واقع اجتماعي وسياسي.

  حاولت دومًا الفصل بين الواقع الإجتماعي والسياسي، واشتركت في غالبية الفعاليات في الجامعة، لم أتوان يومًا عن المشاركة في أي نشاط سياسي جامع لكن رافقني دائمًا الخوف والنفور من العمل السياسي ضمن حزب معين، ومما عزز ابتعادي عن فكرة التحزب هي عبارات رافقتني منذ دخولي الجامعة :

' السياسة بتخرب مستقبلك'،' الأحزاب أنانية وخدّاعة'،' كلها أحزاب مصالح وانتهازية'،' كلهم كذابون وحرامية '، ' إلتهي بتعليمك فش غيره بنفعك '.

أدخلتني هذه العبارات في سبات مزمن، تقدمت في تعليمي، حققت الإنجازات الأكاديمية وحصلت على جوائز عديدة، شاركت في مؤتمرات علمية محلية وعالمية لكن ثمة شيئًا كان ينقصني، شعرت أنني بعيد عن مجتمعي، أسكُن برجًا عاجيًا متطفلًا غير مفيد، لم أشعر يومًا أن في إنجازي التعليمي شيئًا يسدّ ثغور مشاعر الإكتفاء الذاتي عندي.

نعم أشارك هنا وهناك لكنني غير مُنتج بشكل كافٍ، غير مُنتج أساسًا إنما ضيفٌ وحاضر في الفعاليات، قد أكون' كرسيًا ' أو ' كمان شخص ' لا أكثر.

قرّرتُ يومًا كسر حاجز العبارات التي رافقتني، إزالة حواجز الخوف التي بناها لي المجتمع والأهل والأصدقاء، التخلص من اليأس والإحباط من إمكانية التغيير التي روجّ لها المهزومون، رحتُ أبحث وأقرأ عن إمكانية العمل الجماعي، أهمية دور الفرد في بناء المجتمع، ضرورة التحزّب والعمل التنظيمي خاصة في واقعنا كفلسطينين نعيش في دولة احتلال، فتشت عن تجارب نضالية تاريخية ودور العمل الجماعي في تحقيق أهدافها وقد لفت نظري في هذه الأثناء تجربة نضال السود في جنوب أفريقيا في مجابهة نظام البيض الكولونيالي، وهكذا حتى استقر قراري بضرورة التحزّب والعمل ضمن تنظيم إجتماعي سياسي.

وهنا دخلتُ في حيرةٍ أكبر،إلى أين؟ 

لم يكُن سهلًا. قررت أولًا تعريف نفسي، تعريف هويتي، علاقتي مع المجتمع الإسرائيلي، ماهية علاقتي مع القضية الفلسطينية كفرد وجماعة، كيف أرى نفسي جزءًا من العالم العربي؟ علماني أم إسلامي، يميني أم يساري، طبقي أم قومي أم كلاهما معًا،أسئلة استغرقت وقتًا للإجابة عنها، وبلورة الصورة الحقيقية لكينونتي وماهيتي حتى استقريت على تعريف نفسي.

كان واضحًا لي ميولي اليسارية، كنتُ مؤمنًا بضرورة بناء المجتمع وفق خطاب تقدمي، ثوري إصلاحي، علماني يفصل الدين عن الدولة.

كُنت أرى نفسي عربيًا وجزءًا من أقلية عربية قومية تعيش تحت احتلال، عربي صاحب أرض ووطن، لستُ مواطنًا تمارس عليه العنصرية فقط، إنما مواطن فُرضت عليه المواطنة، قابع تحت احتلال سرق أرضي وقتل شعبي ونهب تاريخي.

بعدها انتقلت للقراءة وأعجبت آنذاك كما أسلفت بالتجربة الجنوب أفريقية، صادفت وقتها مقالات للأمين العام 'عوض عبد الفتاح ' وعن تشابه نضالنا كفلسطينيين قابعين تحت احتلال ونظام فصل عنصري بتجربة السود في جنوب أفريقيا، جذبتني المقالات، بحثت عن مقالات أخرى كتبها عبد الفتاح وتعرفت وقتها على التجمع وفكرهِ، قرأت كتيّبات كثيرة كتبها الأمين العام، بحثتُ عن أدبيات التجمع وقرأتها، وكل يوم من القراءة زادني ارتباطًا بالنهج والأفكار، بالتوجه والرؤية.

شغفت أكثر فأكثر في البحث، قرأت مقالات الدكتور عزمي بشارة وحضرت غالبية مقابلاته، أعجبني أسلوبة وقدرته على الإقناع فأثار شخصه فضولي، انتقلت إلى كتبه وأذكر أن كتابه' أن تكون عربيًا في أيامنا ' كان أول كتاب قرأته، بدأت تلتقي رغبتي بأفكاري، شغفي بتوجهاتي، بوادر الاقتناع بدأت تتشكل عندي، لكن إحترامًا لعقلي ولأصدق مع ضميري ولأخلص لنظرتي العلمية للأمور ولإيماني بثقافة الاختيار كان عليَّ أن أقرأ وأبحث في خطاب وأدبيات الأحزاب والحركات الأخرى الفاعلة في الداخل الفلسطيني، واستغرق مني هذا البحث عامين تقريبًا وبدون أن أدخل في النقاط إلا توافقية مع الأحزاب الفاعلة الأخرى، استقريتُ في النهاية على اختيار حزب التجمع الوطني الديمقراطي حزبًا وبيتًا، مشروعًا، نهجًا وفكرًا لأكون جزءًا منه.  

أفتخر أن انتسابي كان اختياريًا وليس موروثًا، ونابعًا عن بحث وقراءة وليس عن تبعية عمياء.

اليوم وبعد عامين من انضمامي للتجمع، أفتخر بأنني جزء من هذا البيت الدافئ، جزء من مشروع قومي وطني فلسطيني ديمقراطي، جزء من هذا المشروع التقدمي الإصلاحي، جزء من مشروع يلتزم بمبادئ العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان، جزء من مشروع يربط بين الهوية القومية ومبادئ الديمقراطية ومتطلبات بناء مجتمع حر عصري متطور، ويسعى إلى تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية يحقق الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، أفتخر أنني اليوم جزء من الدائرة الطلابية التابعة للحزب وسكرتير فرع في جامعة بئر السبع.

واختتم كلامي مفتخرًا باقتباس للمفكر القائد الدكتور عزمي بشارة ' الناس لا يولدون أمة، الأمة تُبنى' وكلي إيمان أن التجمع هو السبيل لبناء مجتمع حضاري عصري وطني مجابه صادق لمؤسسات الhحتلال.

 

*طالب لقب ثالث في العلوم الطبية في جامعة بئر السبع

 

 

 

التعليقات