لا تتجدد الانطلاقة إلا بتجديد الروح الشابة / خالد عنبتاوي

لعلّ أكثر الصعوبات التي تواجه الكاتب والناظر لمسألة الشباب الفلسطيني في الداخل وقضاياهم ، تكمن فيما يحيط هذا الحقل من شحّ وفقر في الدراسات والأبحاث،لتعكس ورطة الكتابة، التحليل، الدراسة حول قضايا الشباب ومواقفهم في الداخل، ورطة الكتابة ا

لا تتجدد الانطلاقة إلا بتجديد الروح الشابة / خالد عنبتاوي

لعلّ أكثر الصعوبات  التي تواجه الكاتب والناظر لمسألة الشباب الفلسطيني في الداخل وقضاياهم ، تكمن فيما يحيط هذا الحقل من شحّ وفقر  في الدراسات والأبحاث،لتعكس ورطة الكتابة والتحليل حول قضايا الشباب ومواقفهم في الداخل، ورطة الكتابة العامة للباحث أو الناظر الفاعل جماهيريا عموما، الذي اختار لنفسه خيارا أكثر وسعا وتمددا من صفة الناظر أو المتأمل، بل صفة من يكتب ويبحث في الواقع سعيا  نحو التغيير المجتمعي، وفي هذا تحدٍ ليس بالهيّن.

لم تكترث الأحزاب أو الجمعيات الفاعلة على مستوى الشباب الى هذا الجانب، فتجد بالكاد عملا جماهيريا ثوريا أو اصلاحيا يستند لمراكمة التجارب الشبابية ( ان صحّ التعبير)، باستثناء بعض الدراسات البحثيّة الهامة التي أجراها مدى الكرمل حول مواقف الشباب، كان آخرها قبل ثلاث أعوام مع جمعيّة "بلدنا". الأمر  الذي أضفى في النهاية لبناء عمل شبابي لا يستند الى المراكمة الحقيقية في العمل الشبابي ككل والحزبي في وجه الخصوص.

العمل الشبابي بعد انتفاضة القدس والأقصى:

نستطيع أن نميّز بوضوح التحوّل في "سياسات الشباب" أو التعامل معها بعد عام 2000، جزء من هذا التحول مرتبط بالمؤسسة الاسرائيلية نفسها، والتي شخّصت أن صراعها الأساسيّة في هذه المرحلة مع المجتمع الفلسطيني يقوم، في مركزه على الأقل، على صراع الوعي، خاصة بعد سلب معظم الأراضي ومصاردتها من أصحابها، اضافة الى ما وصلت اليه المؤسسة من  تحليل للانتفاضة المجيدة التي لم تطرح شعارات مطلبية بقدر ما طرحت وأكدت الهويّة الفلسطينية للشباب العربي في الداخل والامتداد الوطني، من هذا المنظور نستطيع قراءة وفهم المحاولات الاسرائيلية الحثيثة للشروع بمخططات ومشاريع تهدف أولا لأسرلة الشباب العربي والتأثير على هوّيته، على رأسها مشاريع التجنيد والخدمة المدنيّة، التي لا يمكن قراءتها دون السياق الذي ذكرته.

العمل الشبابي التجمعي

ايمانا وقراءة لهذا نستطيع أن نرى تكثيف العمل الشبابي التجمعي في هذه السنوات وبداية التفكير بتحويل التنظيم الشبابي لمؤسسة بحد ذاتها تحمل اسم "اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي"، كان مؤتمرها الأول عام 2002، عامين بعد الانتفاضة. بعد أن كان التجمع قد أولى أهمية كبيرة لمسألة تنظيم الشباب قبل ذلك، وفي السنين الأولى لتأسيسه، يمكن التأريخ لهذا التنظيم أواخر عام 96 أوائل 97 ، ايمانا منه أن لا مستقبل لأي حزب أو حركة دون بناء مؤسسات امتدادية لفكره وتنظيمه وعلى رأسها مؤسسات الشباب من جهة، وايمانا بأهمية الدور الذي يمكن للشباب أن يقوم به في الحراك الثوري والنضالي.

 لا يمكن الا أن ندرك أهمية هذا التحوّل والدور التجمعي في تنظيم العمل الشبابي، داخليا على الأقل، خاصة أننا لا نتحدث عن حزب يملك ويؤمن بالطاقات الشبابية، لكن أيضا كونه يملك فكرا يؤهله أن يكون عنوان الشباب بحق، فكرا بطبيعته، وروحه شاب، لا يقوم على الايديولوجيات المطلقة التي تملك بحوزتها روشيتات جاهزة لكل مسألة وقضية، وربما كان هذا أهم من الجانب الكمي نفسه، أي وجود الكوادر الشبابية كماً. الا ان هذه الحقيقة، على أهميتها، يجب أن لا تسبينا، وأن لا تحيدنا عن توجيه النقد واظهار القصور الموجود، دفعا باتجاه الافادة منها مستقبلا لتطوير هذا التنظيم.

القليل عن التحدّيات

لعلّ أبرز أهداف وتحديات التنظيم الحزبي هو في تسيّس قطاع الشباب، أي اشراك الشباب في الحيّز العام وفي مقاومة ما نسمّيه العزوف عن العمل السياسي و  تجرّع كأس "ابعد عن السياسة" منذ الصغر،  الذي يطمح فيما يطمح الى استقطاب الشباب للتنظيم الحزبي، يأتي هذا مع ازدياد وتطوّر الثقافة الرأسماليّة الاستهلاكيّة، التي ونتيجة لتطور النظام الرأسمالي نفسه، طوّرت ( كثقافة)  أدوات لاحتوائه، من خلال بداية الاهتمام بما يعرف بثقافة أوقات الفراغ أو ثقافة الترفيه، واحتوائه تجييرا لأهدافه هو، وضمان ابقائه في الحيز الفردي الخاص.

ولكي نكون على بيّنة علمية من الأمر،  نستطيع أن ندلل على بعض المعطيات حول قضايا الشباب من الدراسة، انفة الذكر، التي تشير  أن فقط 4% من قطاع الشباب منظّم في اطر حزبية شبابية، بالأرقام نحن نتحدث عمّا يقارب 1500 فقط! ( يشمل الحركات الاسلاميّة)، هذا لا يشير الى نسبة الشباب المسيّس عموما ( لا يوجد ابحاث حول ذلك)، لكن في المقابل لا يمكن الاكتفاء بترديد الحجج حول القصور في زيادة هذا الاستقطاب ، اذ فتشير نفس الدراسة أن فقط 10-15% من الشباب يجدون اطرا للتطوع في البلدة أو القرية، وأن الشباب او الشابة يقضون ويقضين في المعدل أقل من مرة في الاسبوع في نادي شبابي او مركز ثقافي او سينما او مقهى ثقافي، رغم ـأن الغالبية العظمة من الشباب أشاروا أن لديهم القابلية للتطوع والمشاركة في انشطة جماهيرية.

الكثير حول القصور

كما نوّهت سابقا، لم يستطع التجمع، وفي ظل كل هذه التحديّات، تحصين ذاته من ورطة المراكمة أو لنقل عدم المراكمة، وهذا حال مؤسساتنا جميعها، بالرغم مما نسمعه من افتتاحية أي اجتماع حول مشروع جماهيري بالقول : " بدناش نخترع العجل" و "بدناش نبلّش من الصفر"، وأحيانا يكون البدء من الصفر انجازا!، وعندما نقول مراكمة فاننا نميّزها عن "الاستمرارية" أو "الاستدامة"، ففي العمل الجماهيرية ربما الاستدامة مهمة وضرورية، لكن قد يُكتب النجاح للتجربة دونها، لكن المراكمة أو التراكمية، مصيرية لضمان النجاح، اذا حددنا النجاح بوصفه نجاح المشروع التنظيمي الشبابي ككل، وليس نجاحه في حقبة مركز عمله عينيا، فأحيانا يكون هذا الهاجس، أي هاجس مركّز العمل الحالي في نجاح حقبته لستجيل النقاط، طاغ على الهاجس الأهم، وهو استمرار النجاح حتى دونه، وهذا ما نعنيه بالتراكمية، عملا يراكم الأخر ( افقيا وعاموديا).

وربما كان هذا أحد أسباب عدم قدرة التجمع كحزب في المحافظة على من استقطب من شباب  لسنوات ضمن التنظيم، حيث تشير قراءة نتائج الانتخابات عموما عن هذا الضعف، فتجد التجمع الحزب الأكثر استقطابا للمصوتين الجدد، والأقل محافظة عليهم للمدى البعيد، ما يسمّى في علم الاحصاء الانتخابي "الولاء الانتخابي التنظيمي"،  وهذا يعكس مشكلة أخرى، برأيي، ربما المفسَر لهذه الظاهرة، وهي  التفاوت في التنظيم الشبابي التجمعي والتنظيم الحزبي ككل، وهو ما قد ينمّ نتيجةً لتطوّر لدى الشباب في التنظيم الشبابي لا يرافقه تطوّر موازٍ على مستوى التنظيم الحزبي ككل، والدليل الاكبر على هذا ضعف تنظيم خرّيجي الحركة الطلابيّة الذين يعودون لفروعهم بعد الجامعة أو يبقون في المدينة اليهودية المتطورة.

كي لا نهرب من الأسئلة

تشكل جميع هذه المعطيات والقراءة المذكورة عموما تحديّا اساسيا امام التنظيم الشبابي التجمعي على وجه الخصوص، فتعاظم قوى الحراك الشبابي غير المحزّب ( وان شمل على محزّبين) وهو أمر مبارك، وازدياد النفور عموما من العمل الحزبي ( أحيانا بادعاءات منطقية)، يجب أن تنير لدى هذا التنظيم أسئلة داخليا، لا تبدأ وتنتهي بتسطيح الواقع بادعاء أن المجتمع غير مسيّس ونقطة، بل تطرح اسئلة تبدأ، ب هل طوّر  هذا التنظيم لنفسه أدوات عمل جديدة  من أجل الإفادة من الواقع الجديد والتكيّف معه؟، هل يملك التنظيم مساحة وحيّزا حاضنا ما بعد المرحلة الشبابية؟، كيف أثرت وتؤثر البيرقراطية الحزبية على كل هذا؟ وتنتهي ( او ربما مهم ان لا تنتهي)، بالسؤال الجريئ حول قابلية الحزب لاستيعاب شباب بين هيئاته المركزية، وأن لا يردع نفسه داخليا في المضي فيها، ليس صوريا فحسب بل على أرض الواقع، وعن هذه الأسئلة وغيرها المزيد لنا مساحة أخرى.

ليحيا التجمع في عامه العشرين ولتجدد شبابه.

 

 

* خالد عنبتاوي- مركّز اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي ( شبيبة التجمّع)

 

التعليقات