سيصادرون ما تبقى من المُصادرة!...

-

سيصادرون ما تبقى من المُصادرة!...
دأبت حكومات إسرائيل المتعاقبة على أن تزيد من تضييق الخناق على العربي حتى تفاقم وضعه إلى ناحية إفقاره للضغط عليه في تمرير مخططاتها سلب الأراضي العربية. فقد نؤكّد أنّ جميع المساحات الشاسعة التي صادرتها من أصحاب الأرض الأصليين، عرب هذه البلاد، إنما لم تشبع جشعها إلى القليل الذي تبقّى من الأرض على عتبات بيوتنا. فلم يكن غريبًا أن تصادر الحكومة أراضيَ ليانوح وكسرى وجت وكفر سميع أو أية أراض عربية أخرى، إنما الغريب أن تُخرج هذا الأمر إلى حيّز التنفيذ، بالذات أثناء الحرب والعدوان الأخير على لبنان، حتى ليبدو كأنها تنتقم لفشلها في بلاد الأرز باغتصاب أرض عربية!

لم تحظَ القرى العربية الدرزية بحظٍّ أوفرَ، ولو قليلا، من القرى العربية الأخرى. وكان بعض من زعامة بني معروف أوهم الناس بأنّ موافقة العرب الدروز على التجنيد الإجباري إنما تصبّ في مصلحة الطائفة، حيث سيتمّ تمييزها عن الطوائف الأخرى ومساواتها بالمواطنين اليهود. بل إنّ هذا البعض من المغرضين المستفيدين من الوضع الراهن ذهب إلى التشدّق بـ «حلف الدم» بين الدروز والدولة.

لكن عربًا دروزًا كثيرين قاموا في المقابل، وتحت لواء "ميثاق المعروفيين"، بالتصدّي للخارجين من جلودهم، حيث ينشط هؤلاء العرب المعروفيون الأحرار بين صفوف العرب الدروز وبين صفوف الشباب بشكل خاص، لأجل توعيتهم وكبح انزلاقهم إلى هاوية التأسرل وقطع جذور الشجرة العربية عنهم.

قلنا إنّ حظ القرى العربية الدرزية ليس أحسن حالا من أخواتها القرى العربية الأخرى. فسيف التمييز ما زال يقطع في امتداد دالية الكرمل وعسفيا، كما كان قطع في أرض حرفيش وبيت جن والبقيعة وجت ويانوح وكسرى وكفر سميع وجولس ويركا وأبو سنان وساجور وعين الأسد. لم تفلت منه قرية واحدة لم تُقتطع أطرافها ويصل منها إلى القلب والكبد وعتبة البيت.

كانت يانوح، كمثال، تملك في العام 1948 ما مجموعه 13500 دونم من الأراضي المتنوعة، حرجية وزراعية، فأبقى سيف المصادرات على 2800 دونم فقط! لكن هذا السيف لم يركن إلى غمده، فقد استلّته المؤسسة مرّة أخرى، مؤخّرا، لاقتطاع مئات وآلاف الدونمات من بعض القرى العربية الدرزية ومنها يانوح.

حيث تشهد القرى العربية الدرزية يانوح وجاراتها جت وكسرى والبقيعة تحركًا واسعًا ضد ما كشف مؤخرا، عن مخطط لسلخ آلاف الدونمات من أراضي هذه القرى وضمّها إلى سلطة المجلس القطري "معاليه يوسيف".

وأثار هذا الكشف استياءً عارمًا في هذه القرى حيث تم الأمر من وراء ظهر الأهالي تمامًا على طريقة "حرمنة" في ظلمة الليل وخلال الحرب العدوانية على لبنان ولم تنشر الخرائط إلا مؤخرًا. وحسب هذا المخطط فإن أجود أراضي كسرى الواقعة غربي شارع "تيفن" وما يقرب من 2500 دونم إضافة إلى حوالي 300 دونم من أراضي يانوح-جت ستسلخ وتضم لمنطقة نفوذ المجلس المذكور.

أما في البقيعة فالمخطط والذي نشر في مجلد الأنظمة الرسمي "رشوموت" يبين أنه سيطال 12 حوضًا (بلوك) تشمل مئات القسائم تضم آلاف الدونمات.

المخطط الذي تم الكشف عنه هو تصديق جديد لوزارة الداخلية يحمل توقيع وزيرها روني بار- أون، والذي يقضي بتوسيع منطقة نفوذ المجلس الإقليمي "معالي يوسف"، الواقع في الجليل الغربي على حساب أراضي القرى أعلاه، جاء من دون أيّ ذكر بأنّ المساحات المذكورة تتبع لنفوذ تلك السلطات المحلية أصلا.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المنطقة المذكورة تعادل أكثر من 20% من احتياطي الأراضي للسلطات المحلية في كسرى وكفر سميع ويانوح وجت، الأمر الذي يحدّ من قدرة السلطات العربية على تنفيذ مشاريع حيوية لصالح سكانها مستقبلاً أو توسيع مسطحات البناء فيها.
في ضوء ذلك تنادت اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض في يانوح إلى اجتماع طارئ برئاسة رئيسها الشيخ أبو علي مهنا فرج، يوم 2007\2\10. وعقد اجتماع آخر نفس اليوم في البقيعة في بيت السيد شريف مهنا، عضو اللجنة المركزية لـ "ميثاق المعروفيين الأحرار"، وبحضور عدد من الشخصيات الفاعلة من البقيعة ويانوح وكسرى وكفر سميع، تم التداول فيه في طرق التصدي لهذا المخطط المجحف.

ويؤكّد الشيخ محمود سيف أبو وهيب، الذي كان رئيسًا للمجلس المحلي في قرية يانوح بين الأعوام 1991 - 1996 على وعي المواطنين الراقي وعلى معارضتهم الشديدة للمخطّط السلطوي الجديد، حيث أن ما كان في الستينات من استغباء الناس لن يعود اليوم: "لقد بدأ موضوع نهب الأرض في الستينات حين بدأت السلطة في التفاوض مع البعض وتوصّلوا معهم، عن طريق استغلال سذاجتهم إلى اتفاق بأنّ أيّة أرض صخرية تصير ملكا للدولة، وقد نهبوا بهذه الطريقة نحو 70% من الأرض من دون مقابل! وبرغم أنه لم يتبقَّ ليانوح سوى 2800 دونم، إلا أنّ المؤسسة الحاكمة ما فتئت تطمع بالمزيد حيث قررت نهب نحو 350 دونما أخرى في مخطّطها الخبيث الذي يطال قرى كسرى والبقيعة وجت وغيرها".

ويؤكّد الشيخ أبو وهيب أنّ المنطقة الصناعية "تيفن" قد أقيمت جميعها على أرض قريته يانوح، وهي أملاك خاصة بأهل يانوح. ويدّعي الشيخ أنّ بعض المواطنين وقّعوا على بيع الأرض لكن من دون أن يعرفوا بأنهم إنما يتنازلون عن أرضهم التي كانوا يفلحونها ويعتاشون منها.

في الطريق إلى يانوح، رافقنا أحد المواطنين من عائلة عبد الله من قرية كسرى، وفي رأيه فقد نجحت المؤسسة في خداع الناس إذ نهبت الأرض من دون مقاومة، بل بالرضا أحيانا، وذلك بوعدهم بالعمل الدائم والمجدي في مصانع "تيفن". لكن ما حدث أنهم استوعبوا بعض العمال لسنة أو سنتين ثم فصلوهم، حيث أن نسبة البطالة في كسرى والقرى المجاورة هي من أعلى النسب في البلاد.

ويؤكّد من كان رئيسًا للمجلس المحلي، أبو وهيب، على أنّ من حق السلطة المحلية يانوح-جت أن تحظى بمردود ضريبة الأرنونا على مصانع "تيفن" التي من شأنها أن تحلّ الضائقة الكبيرة التي يعانيها المجلس المحلي، "فيانوح أحق بهذه الأموال". وقد وعى الأهل في يانوح إلى اللعبة الدنيئة التي مارستها الدولة ضد آبائهم في الستينات، فبدأوا يطالبون مؤخّرا بضم المنطقة الصناعية "تيفن" إلى منطقة نفوذ المجلس المحلي يانوح-جت وبالتالي جني أرباح للسلطة المحلية من مردود ضريبة الأرنونا الهائلة التي تدفعها هذه المصانع.

غير أنّ المؤسسة الحاكمة رأت غير ذلك، يضيف الشيخ أبو وهيب، "فقد استغلت ظروف الحرب الأخيرة على لبنان، وقامت سرّا وتحت جنح الظلام بمصادرة نحو 2800 دونم، منها 350 دونمًا لقرية يانوح ونحو 2500 دونم لأهالي قرية كسرى، وذلك لمصلحة منطقة نفوذ مجلس "معاليه يوسيف" الإقليمي. ويزيد أبو وهيب: "لقد اكتشفنا مؤامرة وزارة الداخلية لمصادرة هذه الدونمات بواسطة الإنترنت، حيث لم يتلقَّ أحدٌ من أصحاب الأرض أيّ إنذار أو إشعار".

ويؤكّد أبو وهيب أنّ "الأرض هي الجذور ونحن الشجرة، وبالتالي لن نستطيع أن نعيش من دون جذورنا، وسنناضل بلا هوادة حتى إلغاء هذا القرار التعسفي لوزارة الداخلية والوزير بار أون". يقول عفيف بيبار، أبو جواد، وهو نائب رئيس المجلس المحلي من قرية جت، إنّ ما تنوي المؤسسة سرقته من أراضي جت-يانوح يصل إلى نحو 380 دونمًا، فيما تبلغ مساحة ما ينوون مصادرته لكسرى-كفر سميع حوالي 2500 دونم، وذلك في منطقتي A وB (يُنظر إلى الخارطة المرفقة). ويزيد أبو جواد: "كانت جميع أراضي المنطقة الصناعية المميزة "تيفن" تحت نفوذ المجلس الموحّد لقرى كسرى وكفر سميع ويانوح وجت، قبل فصله إلى مجلسيْن، لكنهم استولوا على الأرض وحوّلوها إلى منطقة نفوذ مجلس "معاليه يوسيف" الإقليمي، ونحن ما فتئنا نطالب باستعادة النفوذ على هذه المنطقة".

ويعتبر عفيف بيبار ما فعلته المؤسسة الإسرائيلية ممثّلة بوزارة الداخلية "اختلاسًا في وضح النهار حيث استغلت ظروف الحرب والتهاء الناس بها، فقاموا بتمرير مخططهم الخبيث. لكننا لن نهدأ وسنناضل بشتى الطرق لإلغاء هذا القرار المجحف".

وتلقى الدعوة للنضال ضد مشروع المصادرة تجاوبًا كبيرًا من الأهالي في القرى المتضررة، حيث أنك تلمس الاستعداد والجاهزية لدى الناس لدفع الغالي والرخيص في سبيل المحافظة على الأرض وإجبار الحكومة على لحس قرارها الجائر، يزيد أبو جواد: "إننا لن نهدأ ولن نكلّ، وسنواصل النضال بالطرق القانونية والجماهيرية التصعيدية إذا لزم الأمر"، مؤسّسًا على أنّ المؤسسة "حاولت في الماضي القريب شقّ شارع في أراضي جت خصوصًا، بحيث لا تتضرّر أراضي المستوطنة المجاورة "غيتا"، لكننا عارضنا بشدة هذا المشروع وهذا المخطط فتراجعوا وقاموا بتجميده". ويعتقد عفيف أنّ المخطط الجديد جاء لغرض إحياء مخطط هذا الشارع.

ويقارن بين تعامل السلطة مع العرب واليهود إذ يجلب مثلا مستوطنة "غيتا" التي بُني فيها حوالي 40 بيتا جميعها من دون ترخيص "لكنّهم لم يهدموا ولا حتى بيتا واحدا".

ويقول غالب سيف، من يانوح، "إنّ مصادرة الأرض لمصلحة المنطقة الصناعية "تيفن" والتي جرت في العام 1990، كانت بمثابة عملية نهب للأرض العربية لمصلحة المنطقة الصناعية اليهودية، حيث يرتعون في خيرها فيما القرى العربية صاحبة الأرض لا قول لها ولا حول ولا قوة أو نفوذ. بل إنّ العرب لم يستفيدوا حتى في إطار العمالة، حيث أنّ عدد العمال العرب إلى ما قبل عام واحد لم يتجاوز السبعين عاملا، وهكذا فقد جاءت المصادرة نقمة علينا وكانوا يستطيعون أن يخفّفوا وطأتها عن طريق تشغيل الناس".

ويسجّل سيف رأيه بأنّ هنالك فروقا بين تعامل الدولة مع العرب الدروز وتعاملها مع إخوانهم العرب من الطوائف الأخرى. يقول غالب: "هنالك فرق شاسع في المعاملة؛ فبالإضافة لما يلحق وسطنا العربي من ظلم وجور، إلا أنّ العرب الدروز مُجبَرون على الخدمة في الجيش، ونحن ملزمون بتعليم أبنائنا بحسب مناهج تعليم خاصة كلّها تجهيل من أولها إلى آخرها، ما يرسم له لتقطيع جذورنا. فقد فقدنا هويتنا وجذورنا ومستقبل أبنائنا، وبرغم ذلك فإنّ نسبة المصادرة لدى الناحية العربية الدرزية هي أكثر بكثير منها لدى الإخوة من باقي الطوائف". ويحذّر غالب من "أنهم سيندمون إذا هم لم يتراجعوا ويلغوا المخطّط، فنحن ماضون في نضالنا حتى النهاية"!

يقول أبو عصام صالح بيسان من جت: "لقد انطلقت فكرة مشروع الشارع منذ نحو خمس سنوات. لكننا اعترضنا على مساره حيث أنه يمرّ في معظمه، نحو 90%، في أراضٍ خاصة للمواطنين العرب من جت ويانوح، كما قدّم المجلس اعتراضًا باسمه ووقف حازمًا إلى جانب الأهالي المتضررين. وقد طلبوا إلينا أن نقدّم مخططًا بديلاً لمسار الشارع، فقدمنا لهم اقتراحًا يقصّر من طول الشارع، وبالتالي يوفّر عليهم مصاريف، ويعبر في مجمله في أراض عامة ملك للدولة، لكنهم رفضوا اقتراحنا بحجج واهية. واليوم جاؤوا بالمخطط الجديد في المنطقة ذاتها التي خططوا لتمرير الشارع منها، ما يؤكد أنّ نواياهم تتجه لإحياء مخطط هذا الشارع، علمًا بأنّ معظم الأرض التي يرسمون لنهبها هي كروم زيتون وهي الزراعة الوحيدة التي تبقّت للعربي في هذه البلاد".

صادروا لوالد صالح بيسان 300 دونم دفعة واحدة، وبلغ ما صادرته الدولة لبيسان وإخوته نحو 450 دونما من أصل 550 دونمًا". ويؤكد أبو عصام أنّ أحدا لن يقعد في بيته، فسيهبّ الجميع للذود عن الأرض التي لا تقل كرامة عن حماية العرض.

ويؤكد الشيخ جاد الله سعد، أبو ماهر، رئيس المجلس المحلي جت-يانوح، أنّ المجلس يواكب النضال لإلغاء مخطط المصادرة. وقد دعا المجلس المحلي إلى جلسة طارئة للجنة الدفاع عن الأرض ولأعضاء المجلس والمتضررين من الأهالي وكل من له علاقة بالأمر، ليلة الاثنين الفائت، حيث اتخذنا قرارات تعارض مصادرة الأراضي، كما تقرر التوجه إلى كل الجهات ذات العلاقة بالمصادرة، وزارة الداخلية ورئيس الدولة والحكومة وغيرهم، مُحذّرين من مغبة محاولة تنفيذ هذا المخطط. وقد اتصلنا مع رئيس مجلس "معاليه يوسيف" الإقليمي الذي حوّلت الأرض المصادرة إلى منطقة نفوذه. لكنه قال إنّ الأمر لا يعنيه في شيء.

وأضاف رئيس المجلس أنّ النضال سيستمر وسيشهد تصعيدا حيث سنقوم باعتصامات ومظاهرات إلى أن يعود الحق إلى أهله، مؤكّدا على أنّ النضال سيتجه إلى الناحية القانونية في موازاة النضال الجماهيري علمًا بأنّ الشارع يغلي وهناك جاهزية لدى الناس للدفاع عن أرضهم".

وهكذا، فإنّ الشارع في القرى العربية الدرزية الأربع، جت يانوح وكسرى كفر سميع، يحتقن وتتراكم نقمته على المؤسّسة التي لا يشغل بال سدنتها سوى النيل من العربي وقمعه والتنكيل به، "لكن ما مضى لن يعود"، يؤكّدون في القرى الأربع.

التعليقات