09/11/2020 - 20:09

في النقاش حول اللجنة البرلمانية لمكافحة الجريمة وحول دعوة نتنياهو

تقع سطوة الجريمة المنظمة على المجتمع، لكن بالطبع ليس على الدولة لأن قوة الأخيرة هائلة (لو أرادت)، وكلّ السلاح وكل اقتصاد الجريمة المنظمة مكشوف أمامها، وكذلك كل الهرم التنظيميّ للجريمة، كما أن كل جراح مجتمعنا مفتوحة أمامها

في النقاش حول اللجنة البرلمانية لمكافحة الجريمة وحول دعوة نتنياهو

من مظاهرة ضد العنف والجريمة بمجد الكروم (عرب 48)

القول إنّ الجريمة والعنف هما نتاج مجتمعنا، يكون صحيحا في حال حصرنا النظر في هوية المنفذين وهوية الضحايا، لكنها بالأساس؛ نتاج الواقع الإسرائيلي بكل تجلياته العنصرية البنيوية المتجذّرة والتهويدية والإقصائية، ونحن ندفع ثمن إسقاطاتها. كما أعتقد أن المسألة ليست تقصيرا بقدر ما هي تحديات كبرى ليس بالضرورة أن ينجح المجتمع الفلسطيني بقواه الذاتية في مواجهتها والتخلُّص منها.

ليس الأمر مبدئيا بحدّ ذاته، بشأن مشاركة رئيس حكومة بشكل عام في بحث برلماني لموضوع العنف في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، فالموضوع سياسيّ وحصريّ، وهل من الصحة بمكان مشاركة نتنياهو أم لا؟

منذ سنوات ومجتمعنا في الداخل ينزف بكل معنى الكلمة، وللدولة وأذرعها القدرة لو أرادت (والتشديد على: لو أرادت) أن تقضي على الجريمة. تقع سطوة الجريمة المنظمة على المجتمع، لكن بالطبع ليس على الدولة لأن قوة الأخيرة هائلة (لو أرادت)، وكلّ السلاح وكل اقتصاد الجريمة المنظمة مكشوف أمامها، وكذلك كل الهرم التنظيميّ للجريمة، كما أن كل جراح مجتمعنا مفتوحة أمامها. نتنياهو يدرك كل ذلك ولديه كل التقارير بهذا الصدد، وقد قرّر عمليًّا أن يتواصل المشهد. وقد تكشف لنا أرشيفات الدولة بعد عقدين أو أكثر، أن الجريمة لم تكن نتاج المجتمع بل كان هناك من أرادها لنا، ولسنا بحاجة إلى الأدلة المباشرة كي ندرك تجليَّات سياساتهم.

قد نشهد تحوّلا في تعامل الدولة في حالتين، واحدة كما بدأ في العام الماضي في حملة لجنة المتابعة الشعبية ومظاهرات الغضب وإغلاق الطرق الرئيسية والسعي لتعطيل مجمل الحركة إلى حين توفير الأمان، وهي الحملة التي انقطعت جماهيريًّا مع حضور وباء كورونا، وقد نشهد ذاك التحول من قِبل الدولة في حال وجّهت الجريمة أسهمها تجاه المجتمع اليهودي، فالجريمة لا تفرّق على أساس العرق بل على أساس الهوامش السهلة لعملها، في حين أن تعامُل الدولة هو الذي يفرّق، ويجعل المجتمع العربي الفلسطيني هامشا سهلا تستضعفه الجريمة وتستهدفه.

اللد كنموذج

ثلاث جلسات حكومة عُقدت في العقد الأخير لمناقشة تصاعُد الجريمة في مدينة اللد. إضافة إلى جلسة حكومية في مجلس بلدية المدينة وجولة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو في المدينة. واعتبرت إسرائيل أن مسألة الجريمة في اللد هي مسألة أمن قومي في مركز البلاد، وأعدّت خطة لاستقدام خمسين ألف يهودي إلى المدينة، وحين اعتبرت الحكومة أن الجريمة عربية والمعاناة يهودية فقد حضرت الدولة.

إن المخطط الحكوميّ هو ليس القضاء على الجريمة في اللد، بل إخراجها من القسم اليهودي للمدينة ودفعها نحو اللد العربية التاريخية ونحو القرى والمدن القريبة. وهكذا تصبح الجريمة خارج الحدود حسب الذهنية العنصرية.

وحين أراد لداويون عرب التحدث والتعبير عن معاناتهم أمام نتنياهو مُنعوا من ذلك، لولا أنهم فرضوا حضورهم بالقوة، لينسحب نتنياهو بدلا من أن يصغي لمطالبهم.

إن تصريحات رئيس بلدية اللد بأن الجريمة من سِمات العرب، هي تصريحات من مدرسة رئيس الحكومة وتتماشى معها. طبعا لم يخطر ببال نتنياهو أن يندد بها، بل يريد أن يقطف الثمار السياسية من جرح جماهير شعبنا. وعليه؛ من الأهمية بمكان كانت المظاهرة الأول من أمس، للتنديد بتصريحات رئيس البلدية ومطالبته بالاعتذار.

نحن نريد خطة حقيقية لمواجهة الجريمة، وتستطيع الحكومة وضع خطة كهذه دون علاقة بالجلسة البرلمانية بهذا الصدد، لكن نتنياهو معنيّ بالعلاقات العامة له، ومعنيّ برلمانيا وحزبيا بتشتيت القائمة المشتركة التي حال وزنها دون تشكيله للحكومة التي يرتئيها من خلال كتلة أقصى اليمين، وأن يكسب الشرعية السياسية بين جماهير شعبنا التي يسعى لنزع شرعيتها ليلَ نهار، والتي يرى بها عدوا وهدفا دائما صوّب نحوه سهام تحريضه العنصري.

في النقاش حول المشتركة وخيار لجنة المتابعة

وملاحظة حول النقاش الدائر، أعتقد أنه حتى في المواضيع الخلافية، من المفيد أن نفكر بمن يريد دقّ الأسافين في ما بيننا، ودون التقليل قيد أنملة من جوهر النقاش وعدم التعاطي مع نوايا نتنياهو، فلا يُعقل أن يجري النقاش بلغة التخوين.

هناك اختلافات جوهرية في التوجهات، ومنها من يرى بالبراغماتية قيمة تخدم هدفه في ردع الجريمة ومنها من يرى بالرادع الوطني السياسي الأخلاقي قيمة أعلى، وأنا أنتمي إلى الموقف الثاني دون التراجُع عن فرض حالة تدفع الدولة إلى القضاء على الجريمة وضمان الأمان لجماهير شعبنا التي من دونها، -وكما أكدت المظاهرة الجبارة قبل عام- لن يرتاح بال أحد، وسننقل المعركة إلى الساحة الإسرائيلية مهما كان.

في المقابل، يجدر الالتفات إلى أنه إذا كانت نوايا المؤسسة الحاكمة إضعاف المجتمع الفلسطيني والقضاء على مَواطِن قوته، فإن الحفاظ على وحدة الموقف في المشتركة، بات عاملا حاسما، ويدعو إلى الامتناع عن دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية.

قد تبقى المشتركة وقد لا تبقى مستقبلا، والخلافات والاختلافات هي جزء من تعددية مجتمعنا، وعليه أدعو في مثل هذه الإشكالات السياسية إلى اعتماد مرجعية واحدة وهي لجنة المتابعة العليا، فالحديث هنا عن موقف يخصّ كل جماهير شعبنا بكل تياراته، وليس محض مسألة برلمانية عادية.

اعتماد لجنة المتابعة في مثل هذه الحالة وقبل اتخاذ قرارات، وفي هذه الحالة دعوة نتنياهو بعد ذلك، لا ينتقص من أحد، بل يعكس السلوك القيادي ويعزز كياننا الجماعي.

التعليقات