25/04/2021 - 20:17

المطلوب إعادة تسييس المجتمع العربيّ

لا تشكل هذه العودة إلى بدايات القائمة المشتركة محاولة لرثائها، وقد تكون هناك حاجة لذلك على الأقل بالشكل التي كانت عليه، بل إنها محاولة لفهم أين تعثرت، وكيف وصلت من ثقة شعبية غير مسبوقة إلى انكفاء وعزوف شعبيين غير مسبوقين

المطلوب إعادة تسييس المجتمع العربيّ

جانب من مظاهرة أم الفحم، السبت (أرشيفية - تصوير: أمجد محاميد)

لا شك في أن نتائج الانتخابات الأخيرة شكلت صدمة للمجتمع العربي، بل وصفعة مدوية لأحزابه وحركاته السياسية. انخفضت نسبة التصويت في المجتمع العربي إلى نحو 45%، وهي النسبة الأقل منذ تأسيس إسرائيل. ورغم أن نسب التصويت كانت تتبع نمطًا تنازليًا في الأعوام الأخيرة، إلا أنها عادت وارتفعت عند تشكيل القائمة المشتركة، لتعود وتنخفض عند تفكيك المشتركة قبل سنتين تقريبًا، إلى أن انخفضت هذه المرة بشكل غير مسبوق، ولتسجل النسبة الأقل منذ العام 1948. هذا يعني، حسبما ورد في ورقة تقدير الموقف التي أصدرها "مدى الكرمل" لتحليل نتائج الانتخابات الأخيرة، أن السلوك السياسيّ الأهم الذي يميز المجتمع العربي في هذه المرحلة هو العزوف عن التصويت. ورأت ورقة "مدى الكرمل" أن هذا العزوف بمجمله يعكس امتناعًا سياسيًا احتجاجيًا إما على تفكيك المشتركة، أو على غياب خطاب سياسي للقوائم العربية. باعتقادي، يعكس العزوف عن التصويت في الانتخابات الأخيرة موقفًا مجتمعيًا ضاق ذرعًا من العمل السياسي الذي ساد في السنوات الأخيرة، والذي اقتصر على عمل برلماني عشوائي اعتمد بمعظمه على النجومية الفردية لأعضاء الكنيست، بيد أن الانتكاسة التي شهدها التمثيل العربي في البرلمان ليست هي المشكلة، بل هي جزء من تداعيات لمشكلة أكبر وأشمل.

المشكلة أو العطب الحقيقي والجوهري يكمن في غياب، أو بمعنى أدق تغييب، الخطاب السياسي والعمل الوطني والشعبي، الذي طالما ميّز عمل الأحزاب العربية الوطنية. هذا الانحسار الملحوظ في السنوات الأخيرة، أدى ليس فقط إلى عزوف الناس عن التصويت، بل إلى عزوفهم عن السياسة بشكل عام. الخاسر الأكبر في هذه الحالة هي الأحزاب التي تشهد منذ فترة تراجعًا في أدائها أدى إلى تراجعٍ في مكانتها بين الناس. كما أدت الوعود الفارغة بتحقيق إنجازات ملموسة بمعزل عن السياق السياسي (وهو الذي من شأنه أن يقدم تفسيرات موضوعية لعدم قدرة الأحزاب على تحقيق كل الإنجازات المرجوّة)، أدت إلى حالة من فقدان الثقة في تلك الأحزاب. يجب أن تنطلق القراءة الجدية للوضع الراهن ليس من سؤال ما العمل، بل يجب أن تأخذ خطوة للوراء لتقيم ما جرى بشكل جريء ومسؤول، بهدف التقويم والانطلاق إلى الأمام.

شكّلت القائمة المشتركة عند تأسيسها عام 2015 لحظة فارقة وحدثا مفصليًا في تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل. فبعد أن سادت أجواء من المناكفات والشرذمات بين الأحزاب والحركات السياسية في الداخل، ووسط حالة الفوضى التي كانت تعصف بالعالم العربي، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني البغيض، والتي ألقت بظلالها الثقيلة على المجتمع العربي، جاء مجرد تشكيل القائمة المشتركة إنجازًا وسباحة ضد التيار. إلا أن هذه الأمور تحديدًا زادت من مراكمة التحديات أمام القائمة المشتركة، ورفعت سقف التوقعات منها بما يتعدى تمثيل المجتمع العربي أمام الحكومة والدولة ومؤسساتها، إلى نحو تنظيم المجتمع العربي داخليًا وبناء مؤسساته. لكن المشتركة لم تنجح في تطوير نهج سياسي يتلاءم مع حجم الثقة الذي اكتسبتها ويترجمها في زيادة ثقة الناس بالعمل السياسي النضالي برمته، سواء كان بشكله البرلماني أو العمل السياسي الشعبي أو تنظيم المجتمع، كأشكال متكاملة من شأنها أن تنعكس على السلوك والمصلحة العامة للمجتمع. ولا تشكل هذه العودة إلى بدايات القائمة المشتركة محاولة لرثائها، وقد تكون هناك حاجة لذلك على الأقل بالشكل التي كانت عليه، بل إنها محاولة لفهم أين تعثرت، وكيف وصلت من ثقة شعبية غير مسبوقة إلى انكفاء وعزوف شعبيين غير مسبوقين أيضًا.

نجحت القائمة المشتركة بتحقيق أعلى تمثيل برلماني للفلسطينيين في إسرائيل منذ قيام إسرائيل، إذ حصلت في الانتخابات الثانية في العام 2020 على 15 مقعدًا، إلا أنها لم تنجح في ترجمة هذا الدعم في بلورة وتطوير برنامج سياسي جماعي، ولم تساهم، كما كان يُتوخى منها، في تطوير العمل السياسي في الداخل، فقد ركزت الأحزاب المكونة للقائمة المشتركة على وحدة الأحزاب، بدلًا من التركيز على وحدة الخطاب ونوعيته، ما حوّل الحديث عن الوحدة إلى شعار رومانسي أجوف جعل الوحدة تبدو هي الهدف. وما دامت هدفًا، إذن يجب الحفاظ عليها بكل الطرق وبكل الأثمان، حتى لو كان الثمن هو التنازل عن خطاب سياسي وعن برنامج يوجّه عمل هذه الوحدة. ليست الوحدة هدفًا. الوحدة يُفترض أن تكون وسيلة لتمكننا من السعي بقوة أكبر نحو تحقيق برنامج سياسي جامع يكون هو الهدف. كان يفترض بالقائمة المشتركة أن تكون وسيلة لتقوية العمل السياسي برمته وليس البرلماني فقط. كان يفترض أن تشكل حالة سياسية تدفع، بل تقود، نحو صياغة مشروع وطني جامع وتنظيم المجتمع.

لقد حققنا، بفضل الوحدة، أكبر تمثيل عربي في الكنيست السابقة، ولكن هذه الوحدة لم تمنع مظاهر الأسرلة البغيضة التي نشهدها الآن، بل ساهمت في تكريسها وأحيانًا في إعادة إنتاجها. خطاب الإنجازات الذي اعتمدته المشتركة والتركيز على الخطاب المدني، خطاب المواطنة منزوعة السياق عن الواقع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، بالإضافة طبعًا إلى عوامل موضوعية (مثل اتفاقيات التطبيع الخليجية والسياسات النيوليبرالية الإسرائيلية) لم تتصدّ لها القائمة المشتركة بل لم يكن لها موقف موحد معلَن منها؛ كل ذلك أدى إلى موجة واسعة من الأسرلة انعكست في الهجمة الكبيرة للأحزاب الصهيونية، حتى اليمينية المتطرفة منها، على مجتمعنا، وفي هرولة البعض من مجتمعنا إلى التصويت والترشّح للأحزاب الصهيونية من دون خجل أو مواربة؛ ليصبح الترشح والتصويت للأحزاب الصهيونية نوعًا من النشاط السياسي (الآكتيفيزم) المشروع، أي أنه أحد الأساليب لتحقيق التأثير والإنجازات لمجتمعنا، قد نتفق حوله وقد نختلف، دون أن ينتقص هذا الاختلاف من شرعية الأسلوب!

ولعل أخطر ما عكسته الحملات الانتخابية المتكررة في السنوات الأخيرة، هو اختراق الأسرلة لخطاب الأحزاب العربية الوطنية. لم تتصدَّ الدعاية الانتخابية للقائمة المشتركة لاختراق الشارع العربي من قبل الأحزاب الصهيونية، ولكن الأخطر كان انجرار كل مركباتها (قبل تفككها، ولاحقًا المشتركة والموحدة) خلف خطاب مدني مؤسرل، يرسخ الخطاب الصهيوني القائل إن على النواب العرب الانشغال بتحقيق إنجازات مطلبية مدنية لمجتمعهم، دون أن يتدخلوا بالقضايا السياسية الكبرى. أو بكلمات أخرى، عليهم أن ينشغلوا بتحسين الظروف المعيشية داخل الهامش المدني الضيق الذي وفرته الدولة اليهودية لهم ولمجتمعهم ويتركوا السياسة، فلا يروا أنفسهم جزءًا من صراع عمره عقود، ولا من شعب فلسطيني، ولا من قضية. من الطبيعي أن يكون لكل مجتمع مطالبه الحياتية، وفي مجتمع مُخضَع لنظام استعماري تصبح تلك المطالب أصعب وأكثر حرقة، إلا أن المهم هو السياق السياسي الذي تصاغ فيه تلك المطالب. إن خطاب المواطنة منزوعة السياق السياسي، والتركيز على توسيع حدودها وتحسين شروطها، قد يليق بجاليات مهاجرة تسعى إلى تحسين ظروفها داخل دول الهجرة، ولكنه لا يليق بشعب أصلاني له جذور وتاريخ وذاكرة، وارتباط بالأرض والمكان يعود إلى مئات السنين.

تذكّر الحالة التي يعيشها المجتمع العربي في الداخل اليوم بحالة العزوف والأسرلة التي ألمت به بعد اتفاق أوسلو، الذي اعتبر الفلسطينيين في إسرائيل (بمساهمة منظمة التحرير الفلسطينية) شأنًا إسرائيليًا داخليًا، بهدف سلخ المواطنين العرب عن سياقهم السياسي وامتدادهم الفلسطيني والعربي. ولهذا التشابه دلالتان: فهو من ناحية يعني أن الأداء البائس للقائمة المشتركة، والذي أخذته القائمة الموحدة لاحقًا إلى مزيد من الانحدار، قد أعادنا ثلاثين سنة إلى الوراء من حيث الوعي والأداء السياسيَّين؛ ولكنه من ناحية أخرى، عليه أن يذكّرنا بأننا في حينه نجحنا كمجتمع بالتصدي لهذه الحالة، فقد دفعت الحاجة للتصدي إلى هذه الحالة آنذاك إلى إقامة التجمع الوطني الديمقراطي، في منتصف التسعينيات، الذي أتى بفكر وخطاب سياسيين تُشكِّل نقطة الانطلاق فيهما أننا جزء من شعب فلسطيني يعيش صراعًا مع دولة استعمارية. لقد أدرك التجمع أن البناء الصحيح للمجتمع يجب أن يرتكز على حجرَيْ أساس هما الوطني والمدني، أو بكلمات أخرى القومي واليومي، فأطلق شعارًا ذا مركّبَين متساويَي الأهمية: هوية قومية مواطنة كاملة؛ أي نتعامل مع المواطنة بجدية ولكن ليس بمعزل عن الهوية والسياق السياسي؛ وإن أي إغفال للمركِّب الأول لصالح الثاني يؤدي بالضرورة إلى مجتمع مؤسرل مشوّه؛ في حين أن إغفال المركب الثاني لصالح الأول يتحول إلى مزايدة عبثية. من هنا أهمية الموازنة بين المركّبَين. وقد لقي هذا الخطاب رواجًا كبيرًا وهيمن على الساحة السياسية لسنوات طويلة، لأنه ربط الحقوق المدنية بالحقوق الجماعية، وحوّل واقع الناس من معاناة وآلام فردية إلى معاناة جمعية، وآلام مجتمع يعاني ويناضل دون التنازل عن هويته وانتمائه. أي أن التجمع تصدى للأسرلة والعزوف بواسطة تسييس الحالة وإبراز البعد السياسي المرتبط ارتباطا وثيقا في كافة مناحي الحياة للفلسطينيين في إسرائيل.

فمثلًا لو نظرنا إلى قضية العنف والجريمة، أو بكلمات أخرى فقدان الأمن والأمان، الذي يعاني منه المجتمع العربي في الداخل برمته، ويعتبره أكثر القضايا الحياتية الحارقة في هذه المرحلة؛ نرى أنه رغم المحاولات العديدة والحثيثة للقيادات بالتعاطي معها، إلا أن كل تلك المحاولات بقيت محاولات عشوائية لم تنجح في مراكمة أثر سياسي، لأنها ببساطة لم تكن جزءًا من برنامج سياسي يتحرك الجميع في إطاره، ففي حين رأت بعض القيادات أن المشكلة تكمن في عمل الشرطة، رأى آخرون أن المجتمع العربي هو المطالب بالتعاون مع الشرطة، وذهب البعض الآخر إلى المطالبة بافتتاح المزيد من محطات الشرطة في البلدات العربية. هذا التباين في المواقف أدى إلى عشوائية في العمل من جانب القيادات، ودفع بالحَراكات الشبابية والشعبية إلى تجاوز القيادات، فرأينا مظاهرات شعبية عارمة قادتها حراكات شبابية لا حزبية، مثل حَراك أم الفحم، وتفاعل معها الناس من مختلف البلدات العربية، وشاركت في فعالياتها القيادات السياسية (أحزاب ولجنة متابعة وقطرية إلخ...)، إلا أنها بقيت خارج قيادة هذه الحَراكات ولم تشكّل مرجعية لها. بل نستطيع القول إننا لمسنا نفورًا لتلك الحَراكات من القيادات السياسية. ورغم أن هناك حالة من الغليان الشعبي حول قضية العنف والجريمة، إلا أنه لم توجد حتى اللحظة قيادة سياسية موحدة ذات خطاب سياسي موحد تراكم هذا الغليان، وتضع إستراتيجية عمل ورؤية موحدة يلتفُّ حولها الجميع، ويحولها إلى ضغط جماهيري يدفع باتجاه تغيير سياسات الحكومة.

والحقيقة أن سبب هذا التخلف من جانب القيادات يعود إلى نزع السياق السياسي والاستعماري عن حالة الجريمة المتفشية في المجتمع العربي، وعن تواطؤ الشرطة (كممثل للدولة) مع هذه الحالة. إذ تشير العديد من الأبحاث إلى أنه في الدول الاستعمارية حيث توجد مجموعة مسيطِرة ومجموعة خاضعة، يكون الدور الأول والأساسي للشرطة هو الحفاظ على الهيمنة القائمة، وإحباط أية محاولة من المجموعة الخاضعة لتهديد الهيمنة التي يقوم عليها نظام الدولة (انظروا مقابلة مع د. سونيا بولس حول دور الشرطة في موقع "عرب 48" بتاريخ 6/3/2021). أي أن الشرطة في هذه الدول (وإسرائيل هي مثال صارخ لذلك) تعطي أولوية لمراقبة وقمع ما تعتبره جرائم سياسية موجهة ضد النظام، على حساب الجرائم "العادية" التي تحدث داخل المجتمع، والتي لا تهدد هيمنة النظام. هذا المنظور التحليلي يفسر تعامل شرطة إسرائيل مع المواطنين العرب، ويفسر حضورها الكبير وفعاليتها الملحوظة في قمع المظاهرات والاحتجاجات السياسية للمجتمع العربي، مقابل غيابها شبه التام بكل ما يتعلق بالجريمة داخل المجتمع.

لذلك، لم ينفع ولن يفيد زيادة عدد مراكز الشرطة في البلدات العربية، لأن عدم فاعليتها في هذا المجال ما هو إلا ترجمة للسياسات الحكومية التي تتعامل مع المواطنين العرب من منظور أمني، ويرى فينا تهديدًا لهيمنة صهيونية. لا يمكن التصدي للعنف والجريمة دون قراءتهما قراءة سياسية. فقط قراءة سياسية صحيحة تنطلق من طبيعة دور الشرطة وتعاملها مع المجموعة الخاضعة في نظام استعماري، يمكن أن تترجم حالة الغليان الشعبي إلى نضال جماهيري نحو الضغط من أجل تغيير سياسات الحكومة. لقد تفاعل الناس من مختلف البلدات العربية مع الحَراك الفحماوي لأنه شخّص الشرطة على أنها "جزء من الورطة"، كذراع للدولة اليهودية في تعاملها مع المجتمع الفلسطيني، ورفع العلم الفلسطيني في المظاهرات دلالة على ذلك. لا أحد يملك حلولًا سحرية لهذه الآفة، فهي نتاج عقود طويلة من سياسات التهميش، والتمييز، وتفتيت المجتمع، الذي عملت عليه الدولة اليهودية، ولكن قراءة صحيحة للصورة من شأنها أن توفر علينا جهودًا عبثية، لا تسمن ولا تغني من جوع، وتساهم في تجنيد الناس إلى نضال طويل لن يسعفنا غيره.

ليس المنظور الأمني الذي يحكم تعامل دولة إسرائيل مع المجتمع العربي جديدًا. لقد كان حاضرًا منذ النكبة، مرورًا بالحكم العسكري ويوم الأرض وهبة أكتوبر 2000، وحتى محاولات الاحتواء عبر الخدمة المدنية وربط الحقوق بالواجبات، والتمييز السياسي والاقتصادي، وصولًا إلى العنف والجريمة والسياسات النيوليبرالية، التي عززت النزعة نحو الفردانية وساهمت في تذرير المجتمع. لا يمكن التصدي لكل ذلك من دون برنامج سياسي موحَّد. إن البرنامج السياسي الذي ينطلق من الهوية القومية والحفاظ على الانتماء، وعلى الذاكرة الجمعية، هو الصمغ الذي يمكن أن يحافظ على تماسك المجتمع مقابل سياسات التذرير الممنهجة. فقط بإعادة تسييس المجتمع يمكن أن نضع كل تلك التحديات في سياقها الصحيح؛ سياق مجتمع أصلاني مضطهَد في نظام استعماري استيطاني، كل ما يعانيه في كافة المجالات هو انعكاس لهذا الواقع.

لقد وضع التجمع الوطني الديمقراطي أسسًا لبرنامج سياسي ما زالت تثبت صحة رؤيته حتى يومنا هذا، رغم اقترابه من إتمام عقده الثالث. هناك بالتأكيد حاجة لتطوير هذا البرنامج السياسي للإجابة على التحديات الراهنة، التي استجدّت إسرائيليًا وفلسطينيًا وعربيًا؛ ولكنه برؤيته لشكل العلاقة مع الدولة من جهة، ولبناء مجتمع متين محصَّن داخليًا من جهة أخرى، يشكل أساسًا متينًا لبناء برنامج سياسي جامع ولإعادة تسييس المجتمع. وتكمن المفارقة في أن القائمة المشتركة التي نادى بها التجمع منذ تأسيسه، وشكّلت جزءًا من برنامجه لتنظيم المجتمع وبناء المؤسسات، هي نفسها من ضربت التجمع في مقتل، حين سمح لبرنامجه وخطابه بالاندثار في خطاب الإنجازات والتأثير الوهمي الذي هيمن على المشتركة، فبات يعيش حالة من التنافر النفسي (dissonance)، وعدم الانسجام بين برنامجه السياسي وبين أدائه داخل القائمة المشتركة، أدت إلى نفور وابتعاد العديد من كوادره ومؤيّديه.

إن استمرار حالة اللاسياسة القائمة اليوم لن تقتصر فقط على عدم تحقيق أي إنجازات لنا كمجتمع، بل تتعداها لتنذر بالمزيد من تفتت المجتمع، وضياع الهوية، والمزيد من الأسرلة والتشوّه. يجب إعادة السياسة إلى الخطاب والأداء. هذا هو دور الأحزاب الآن وفي مقدمتها التجمع، إذا كانت تريد أن تحفظ نفسها من الاندثار، والأهم أن تنهض بالمجتمع وتحفظه من الهاوية التي يتجه إليها.


* ناشطة سياسية، وعضو سابق في اللجنة المركزية للتجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ.

التعليقات