03/10/2021 - 18:23

سورية ولبنان والتطبيع الاقتصاديّ

نحن أمام تناقض في التصريحات تثير الكثير من الالتباسات حول الهدف من ضخ الدولة الصهيونية الغاز عبر شبكة الغاز المصرية، فهل الهدف إسالته وتصديره إلى أوروبا، أم توريده لدولة المنطقة التي قد تشمل سورية ولبنان، وربما نحو أوروبا لاحقا، بعد

سورية ولبنان والتطبيع الاقتصاديّ

نتنياهو والملا خلال لقائهما في القدس (تصوير: مكتب نتنياهو)

تعاني الدولتان السورية واللبنانية من أزمات متعددة، منها على سبيل الذكر لا الحصر أزمة تأمين السلع والاحتياجات الأساسية بما فيها المحروقات والمشتقات النفطية والتيار الكهربائي، حتى باتت الحياة في هاتين الدولتين، جحيما حقيقيا دون أي مبالغة، الأمر الذي جعل من الاتفاق على تفعيل خط الغاز العربي؛ بين مصر والأردن ولبنان وسورية، بمثابة ضوء في نهاية النفق؛ ما فرض خفوت الصوت النقدي تجاه الصفقة أو الاتفاق الرباعي، رغم ضبابية المعلومات وشحها حوله وحول تفاصيله، ما سوف يضعنا أمام واقع مبهَم ومقلق يفتح الباب على عشرات الاحتمالات المضرة بشعوب ومصالح دول المنطقة الآنية والمستقبلية.

انطلقت تغطية الإعلام العربي لحيثيات الاتفاق العربي من تصدير عناوين جذابة وبراقة من قبيل؛ "مبادرة مصرية - أردنية لمساعدة لبنان في تأمين الغاز والتيار الكهربائي"؛ "الاتفاق الرباعي صفعة لإيران!" في حين تبدو أهداف الاتفاق الحقيقية في اتجاهات أخرى تماما. فبالنسبة لمصر، يمثل الاتفاق ضرورة اقتصادية في هذه المرحلة، إذ يؤمن لها إمكانية ولوج أسواق أربع دول إقليمية في المدى القريب، وربما يفتح لها الأسواق الأوروبية في المدى المتوسط، إن تم ربط خط الغاز العربي مع نظيره التركي كما كان مخططا له، إذ عانت مصر من صعوبات جمة في ولوج سوق الغاز الإقليمية والعالمية على امتداد السنوات الماضية، نتيجة عدة أسباب منها ما يتعلق بصعوبة منافسة كبار المصدرين، ومنها ما يتعلق بارتفاع تكاليف استخراج الغاز المصري، وهو ما أدى إلى تخفيض كميات استخراجه مؤخرا، فضلا عن وقف العمل في محطة إسالة الغاز في دمياط منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 حتى شباط/ فبراير 2021. وبالتالي تبذل مصر جهودا كبيرة من أجل انتزاع حصة من أسواق الغاز العالمية والإقليمية بعد تحسن الأسعار، وفي ظل التكهن بمزيد من التحسن في أسعاره قريبا، ما يجعل من استخراج الغاز المصري وتصديره، عملية رابحة اقتصاديا.

لا تتوقف الأهداف المصرية على العمل من أجل انتزاع حصة من أسواق الغاز، بل تحاول جذب الانتباه نحو مشروع تحويل مصر لمركز طاقة إقليمي؛ إذ يتطلب نجاح هذا المشروع مجموعة من العوامل، منها ربط الأسواق الإقليمية والأوروبية بشبكة إمدادات متنوعة معها، ما يجعل من مصر مركزا لتجميع الغاز قبل تصديره بشكله الغازي عبر خط الغاز العربي، أو بعد إسالته في محطة دمياط وتصديره عبر قناة السويس؛ وبالتالي يمثل إعادة تفعيل خط الغاز العربي ضرورة اقتصادية مصرية، بل وشرطا أساسيا من أجل نجاح تحول مصر إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز.

تتوافق الأهداف المصرية المذكورة من حيث المبدأ مع هدف لبنان في تأمين جزء من احتياجاته الغازية بأسرع وقت ممكن أولا، وفي تأمين مصدر إستراتيجي ومنخفض التكاليف من حاجاته الغازية ثانيا، فمن المعلوم أن تكاليف استيراد الغاز بشكله السائل أعلى بكثير من تكاليفه بشكله الغازي، لذا يؤمن خط الغاز العربي إمكانية تأمين إمدادات أو جزء من إمدادات ثلاث دول عربية، بأقلّ تكاليف ممكنة، أي لكل من الأردن ولبنان وسورية، لكن وعلى موازاة ذلك، هناك ما يثير الكثير من المخاوف.

تتعلق المخاوف بل والمخاطر من مشروع الغاز العربي وفق المعطيات الراهنة من كونه جزءًا من مخطط التطبيع الاقتصادي وفق الرؤية الصهيونية - الأميركية، نظرا لاحتمال تصديره الغاز الصهيوني، وهو ما دفع البعض إلى المطالبة باشتراط عدم ضخ الغاز الوارد من الدولة الصهيونية عبره، لكن هل ذلك ممكن حقا؟ فمن ناحية أولية ينطلق أصحاب هذه الدعوة من أصدقاء المحور السوري - الإيراني من إمكانية فصل الغاز المصري عن نظيره الوارد من الدولة الصهيونية، استنادا إلى بيان وزارة البترول المصرية عند إعلان بدء ضخ الغاز من الدولة الصهيونية إلى جمهورية مصر، بقولها إن "هذا التطور سيمكن إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية، وذلك في إطار دور مصر المتنامي كمركز إقليمي للغاز"، في حين يعبر رئيس الحكومة الصهيونية السابق، بنيامين نتنياهو، عن أهداف أبعد من ذلك، عندما استقبل وزير البترول والثروة المعدنية المصرية، طارق الملا، في مكتبه في القدس المحتلة في شباط/ فبراير الماضي، بقوله إن "هذه الاتفاقيات ستعود بالفائدة الاقتصادية على شعوب المنطقة، وإنها تشكل فرصة كبيرة لتعاون إقليمي بين مصر وإسرائيل ودول أخرى، ولا سيما بعد أن أصبحت إسرائيل مركزا للطاقة وبإمكانها تغطية احتياجاتها وتزويد دول المنطقة".

إذن، نحن أمام تناقض في التصريحات تثير الكثير من الالتباسات حول الهدف من ضخ الدولة الصهيونية الغاز عبر شبكة الغاز المصرية، فهل الهدف إسالته وتصديره إلى أوروبا، أم توريده لدولة المنطقة التي قد تشمل سورية ولبنان، وربما نحو أوروبا لاحقا، بعد استكمال مشروع خط الغاز العربي بربطه مع شبكة الغاز التركية؟

يقول الوزير المصري، طارق الملا، في مداخلة تلفزيونية مع الإعلامي عمرو أديب على قناة "MBC" عن الغاز الوارد من الدولة الصهيونية: "هذا الغاز الذي يأتينا طبعا يختلط بالشبكة، ولكن الكميات هذه يتم توجيهها للتصدير...". إذن، لا يمكن فصل الغاز الوارد من الدولة الصهيونية عن نظيره المصري بغض النظر عن كمياته، وبالتالي تتحول مصر إلى مركز لتجميع الغاز قبل إعادة تصديره كغاز أو بحالته السائلة على اعتباره سلعة أو بضاعة مصرية خالصة، وكأننا أمام إعادة تغليف وتعبئة بغرض إزالة اسم المنتج أو المصدر، ما يُعتبر تحايلا على حملات المقاطعة وعلى شعوب المنطقة، وخدمة للدولة الصهيونية اقتصاديا وسياسيا أيضا، عبر البدء بتنفيذ مشروع التطبيع الاقتصادي. وعليه، يبدو من السذاجة المفرطة، محاولات جمهور محور الممانعة تبرئة دول المحور من تهم التطبيع الاقتصادي، من خلال المطالبة بعدم ضخ الغاز الوارد من الدولة الصهيونية عبر خط الغاز العربي، فهو شرط سخيف لا يغير في حقيقة الواقع شيئا، حتّى لو تم إدراجه. في حين تملك دول المنطقة ومنها لبنان وسورية والأردن ومصر حلولا إقليمية أكثر نجاعة وفائدة لشعوب المنطقة وقضاياها، تنطلق من استكمال مشروع خط الغاز العربي عبر ربطه مع تركيا، بهدف تسهيل توريد الغاز الشرعي إلى أوروبا، وتوقف جمهورية مصر والمملكة الأردنية عن استقبال أي دفعات من الغاز غير المشروع، أو المسروق القادم من الدولة الصهيونية، مهما قلّ حجمها. دون ذلك، نحن أمام تطبيع اقتصادي خجول بين محور الممانعة من ناحية والصهيونية من ناحية ثانية، تطبيع اقتصادي مكمِّل لمسار التطبيع السياسي الذي انطلق سابقا عبر مباحثات ترسيم الحدود اللبنانية - الصهيونية، ومن خلال بعض اللقاءات السرية والصفقات السياسية بوساطة روسية بين محور الممانعة من جهة، والدولة الصهيونية من جهة أخرى.

التعليقات