04/12/2009 - 09:59

نحو بناء مرجعية سياسية لفلسطينيي 1948../ واصل طه

نحو بناء مرجعية سياسية لفلسطينيي 1948../ واصل طه
أما حان الوقت كي تبدأ أحزابنا وقياداتنا في مغادرة أساليب عملهم التقليدية ورؤاهم الفئوية المتقادمة، والتي لم تعد مجدية حتى في تعزيز حضورهم الشعبي والميداني، ولا من ناحية أثرها التراكمي على جماهيرنا، ولا في مواجهة المشاريع العنصرية الاقتلاعية للمؤسسة الصهيونية، بل وتجعل من ممارستنا النضالية تراوح في مكانها وتبدو ليس أكثر من حالة صوتية عابرة تنقصها الدراية والمبادرة والتخطيط المشترك؟؟ متى ستنطلق أحزابنا وقياداتنا من ساحة التبعثر والفعل العشوائي إلى فضاء النشاط الموحد والمبرمج من خلال تبني وتطوير آليات عمل جديدة لمواجهة التحديات، وما أكثرها، لتتعامل مع قضايا وهموم الناس الملحة والحارقة من جهة، وتتواجه بنجاح مع المؤسسة الإسرائيلية وسياساتها الجهنمية التي تسهر الليالي وتقيم الندوات وتجري الأبحاث لوضع مخططات متجددة لتهميشنا وسرقة أرضنا ومصادرة وعي أجيالنا بهدف شل إسهامنا الاجتماعي والوطني وإشغالنا عن قضية شعبنا الكبرى؟؟!!.

لا شك في أن التعاون اللافت الذي تجلى في الذكرى التاسعة لهبة القدس والأقصى بين الأحزاب السياسية وقياداتها ليؤكد أنه بمقدورنا، إذا خلصت النوايا وترفعنا عن الاعتبارات الحزبية الضيقة وتناقشنا في أمور الخلاف بالصراحة والاحترام، أن نؤسس لثقافة العمل المشترك ونبدأ في مشوار تطوير آليات نضالنا على أساس وضع أجندة موحدة هدفها الأساسي تنظيم الأقلية العربية في مؤسسات وهيئات قيادية تعبر حقيقة عن انتماء ورغبات الجماهير التي لم تتوان عن دعم هذه الأحزاب، ولم تتردّد بالتصدي والتحدي عندما تنادت إلى ذلك. هذه الجماهير تستحق من قياداتها أن تلتفت إلى مطلبها المستمر في الوحدة الكفاحية والدفاع الحقيقي عن مصالحها وهويتها الوطنية من خلال برنامج موحّد يعبر عن أهدافها الجماعية والقومية المنتهكة من قبل الدولة العبرية ولن ينفع مع أحد أي عذر يتستر بالواقعية ومنع التطرف القومي والديني.

عندما نتحدث عن أجندة وبرنامج واحد لهذه الجماهير، فنحن لا نتحدث عن مشاريع سياسية إستراتيجية ورؤية كل طرف لجذر النزاع ومستقبله في الحلول البعيدة وطابعها الاجتماعي المنشود...الخ، ولا عن قضايا ذهنية من نسج الخيال، بل عن اعتماد السبل الكفيلة في تعظيم وزننا السياسي والوطني للتعامل مع قضايا تعيشها جماهيرنا يوميًا مثل مصادرة الأرض، وهدم المسكن، والتضييق على الأزواج الشابة لحملهم على الرحيل، وعدم الإعتراف بالمجمعات السكنية العربية بما يقصد بالقرى غير المعترف بها، وسلخ الأرض العربية وضمها إلى المجالس الأقليمية اليهودية لمنع أي توسع لبلداتنا على حساب احتياطها مما تملك من الأرض، ناهيك عن التجاهل المتعمد في تخصيص أراضٍ اغتصبتها الدولة لتطوير هذه البلدات أسوة بالبلدات اليهودية، وأما عن التربية والتعليم والصحة والزراعة فحدّث ولا حرج، فكل مواطن عربي فلسطيني في هذه البلاد يعيش فصول التمييز السلطوي الصارخ بين العربي واليهودي في هذه المجالات في حين لا تنفك إسرائيل تزعم أنها دولة ديمقراطية وليبرالية.

إذا كان لا بد من تأكيد المفروغ منه، فإننا سنقول إن التمييز الذي يمارس ضدنا لا يتحرك لأننا، مثلا، يساريون أو اشتراكيون أو لأننا نتبنى عقيدة ما، إنه ببساطة كذلك لأننا عربٌ، ومن هنا وعلى أساس ذلك تحديدا ينبغي أن نبدأ بتنظيم وتحصين بيتنا العربي المستهدف، وفقط بعده ننطلق موحدين وفق رؤية وطنية جماعية واضحة لذاتنا وأدواتنا للتعاون مع أطراف يهودية ديمقراطية ويسارية لتغيير التوجه العنصري الصهيوني اتجاهنا. لا احد يتنكر لضرورة التعاون مع تلك القوى اليهودية الديمقراطية، على قلتها ومحدودية وزنها، غير أنه لا يتعين علينا الارتهان لها ولرؤيتها المختلفة، أو تفضيل التعامل معها على حساب أجندتنا وبرنامجنا القومي والوطني وجماهيرنا المستهدفة، فقضيتنا في الأساس ليست إنسانية فقط كما يحاول تصويرها بعض المتعاطفين اليهود معنا ولكنها قضية سياسية وقومية، والقضايا السياسية والقومية لا تحل إلا بأجندة سياسية تعتمد على طرح قضايانا القومية ضمن أفق وتنظيم مناسبين، على أن يتم هذا من خلال طرح حلول عملية بعيدة عن العقلية الشعاراتية التي ملتها الناس، ومن خلال برنامج صريح وواضح وجريء نبرز فيه تطلعاتنا ونناضل على الساحتين المحلية والدولية من أجل تحقيقها.

إن محاولات عرقلة بناء مرجعية سياسية جدية ومنتخبة للمواطنين العرب في هذه الديار هي، بنهاية المطاف، خدمة صريحة لاستمرار الوضع الراهن وتكريسه وبصرف النظر عن النوايا، فانه يشكل غطاء مجانيا للمؤسسة الإسرائيلية في تعميق نهجها العنصري لمحاصرتنا وترحيلنا ولو بعد حين. يجدر بنا التعاطي مع فكرة الترحيل والاقتلاع "الترانسفير" بجدية متناهية وفرضية عمل راسخة، وليس بوصفها مجرد كلام معزول لبعض غلاة الصهاينة، فهي مخطط ومشروع صهيوني منسجم مع ركائز عقيدتهم معد وجاهز في الدرج ينتظر فرصة التنفيذ. وإذا ما نظرنا إلى الوراء وتمعّنا في تاريخ الحركة الصهيونية، سنعرف من تتابع الأحداث أنه قائم فعليا يعدون له العدة، وإن طال به الزمن وتغيرت تفاصيله، من أجل تنفيذه في الوقت المناسب. ففي عام 1897 عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل، وهناك طرح هرتزل مشروع الدولة اليهودية، وفي 2 نوفمبر 1917 حصلت الحركة الصهيونية على وعد بلفور أي بعد عشرين عامًا من طرح مشروع دولة اليهود، وفي عام 1948 أي بعد واحد وثلاثين سنة أقامت الحركة الصهيونية دولة إسرائيل على حساب شعبنا الفلسطيني فهجرت واقتلعت مدنًا وقرى بكاملها وحلت النكبة بنا وما زالت مستمرة.

وقد ظن البعض، لفرط التفاؤل والوهم، بأن اتفاقية أوسلو ستفضي حتما لإقامة دولة فلسطينية على 22% من أرض فلسطين التاريخية، ومرت المفاوضات بسنواتها العجاف دونما إنجاز يذكر، لا بل أنتجت هذه الإتفاقية حالة مأساوية من الانقسام الفلسطيني عمّ فيها الإحباط كل إنسان وبيت فلسطيني في أرجاء المعمورة، وأتاحت لإسرائيل وقياداتها قلب المعادلات ومنطق الأمور حتى صارت تشترط على القيادات الفلسطينية المفاوضة الاعتراف سلفا بيهودية الدولة الإسرائيلية، كبطاقة دخول لنادي التفاوض الأبدي.

إن محاولة تعميم القبول والتسليم بيهودية الدولة، حتى من قبل قيادات الأحزاب العربية في البلاد، لا شك انه يشي بحقيقة حضور مخطط الترحيل إياه في أجندات الدولة العبرية.

وما دام الوضع على هذه الدرجة من التعاسة، فلا يسعنا إلا أن نحمد الله أن م.ت.ف. والقيادة الفلسطينية لم تقبل، حتى هذه اللحظة، ذاك الشرط الصهيوني الخطير، وكذلك كافة القيادات العربية الحزبية المحلية، لأن إسقاطات ونتائج هذا الاعتراف لو حصل فعلا، ستدفعها جماهيرنا الفلسطينية في الداخل، ولو حتى بعد عشرين عامًا لأنه يشرعن مشروع وبرنامج الترحيل، على الأقل إسرائيليا، وهو المطلوب.

لذلك وعلى ضوء ما تقدم، فإننا كتيارات حزبية وطنية مطالبون بل وملزمون أن نترفع عن الاعتبارات الفئوية واستعراض العضلات الحزبية، للعمل سوية من أجل بناء مرجعية سياسية في الداخل، خاصة بعد أن تخلت م.ت.ف عنا علانية في المفاوضات على لسان قيادييها، لتكون هذه المرجعية الموجه لجماهيرنا في الدفاع عن وجودها، والإرتقاء في العمل السياسي بها بما يلائم المرحلة والمهام القادمة، فنضال ستين عامًا ونيف يجب أن يكون لنا درسًا نتعلم منه من أجل إحداث نقلة نوعية في تنظيم مجتمعنا وبناء سقف نضالي يتلاءم مع قضايانا وهمومنا الحارقة، ويرسخ قوتنا في مواجهة المؤسسة الإسرائيلية التي تعمل وفق برنامج واضح يستهدفنا جميعًا دونما تفريق بين فريق وآخر، يعتمد على المزيد من الظلم والتمييز ومصادرة الأرض ومحاربة العرب بلقمة عيشهم بهدف دفعنا للرحيل أو القبول في السباحة في مستنقع الشلل والعبودية والغياب في أعماق لجج العدمية القومية في حضرة دولة اليهود.

التعليقات