11/12/2009 - 11:37

الاستفتاء حول القدس والجولان../ خالد خليل

الاستفتاء حول القدس والجولان../ خالد خليل
من المتبع اعتبار الاستفتاء الشعبي أحد الوسائل الديمقراطية في حسم قضايا جوهرية داخل المجتمع تعجز السلطات التنفيذية باتخاذ قرار بشأنها إما بسبب تعقيدها أو لسبب حدة الخلاف الشعبي بشأنها. وهذه القضايا ممكن أن تكون متعلقة بقوانين أساسية أو بالنظام السياسي بشكلٍ عام.

ولم يحدث في التاريخ أن تقوم دولة محتلة بإجراء استفتاء شعبي داخلها بشأن المناطق المحتلة. فالمستعمِر هو المستفيد من الاحتلال وهو المسؤول سياسيًا وأخلاقيًا عن وجود مناطق محتلة، وشعوب تعاني من هذا الاحتلال.

تخيلوا أن الاستفتاء مثلاً سيقرر عدم الانسحاب من المناطق المحتلة، وهو أمر وارد في دولة احتلال عنصرية وتقوم على أنقاض الشعوب، في هذه الحالة ستدّعي إسرائيل أن قرارها ديمقراطي ويستند إلى رأي „غالبية الشعب”. فكيف يستوي أن يكون حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة مرتبطا بقرار المستعمِر؟

ليس صدفة أن النواب العرب دون استثناء صوتوا ضد قانون الاستفتاء حول القدس والجولان،فهم أبعد من أن يقوموا بارتكاب جريمة أخلاقية بحق أنفسهم وبحق شعبهم، على اعتبار أن الموقف المغاير معناه المشاركة في عملية شرعنة هذه العملية غير الأخلاقية أصلاً.

لا حاجة للتذكير بأنّ المواثيق والأعراف الدولية كلها تؤكد على ضرورة الانسحاب من المناطق المحتلة، وقد يكون القرار الأوروبي يوم الثلاثاء الماضي بشأن القدس (على رغم ثغراته ونواقصه) تأكيدًا جديدًا على موقف المجتمع الدولي تجاه المناطق المحتلة منذ عام 1967.

أما إذا تحدثنا بمنطق العدل التاريخي وليس بمنطق التسويات التاريخية فلا أعتقد أن هناك حاجة لإثبات عدم شرعية تجزيء الوطن العربي عبر زرع المشروع الاستعماري الصهيوني في مركزه، فهذه قضية مفروغ منها من حيث المعطيات والوقائع التاريخية.

وإذا سلمنا أنّ حل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران والانسحاب من جميع المناطق المحتلة في هذا التاريخ هو حل واقعي ضمن موازين القوى الحالية، فإنه لا ينبغي أن يكون سياسيًا وأخلاقيًا موضوعًا للتنازل.

أما إذا افترضنا أن قسماً كبيرًا من الإسرائيليين سيصوت إلى جانب الانسحاب من الجولان وقبول التسوية في القدس، فإنّ هذا الموقف سيعيد إلى إسرائيل توازنها على الساحة الدولية ويمكنها من فرض المزيد من الشروط والتقييد على المفاوض الفلسطيني المتميز بلهاثه وراء التسوية والمفاوضات.

المشكلة الرئيسية التي تواجه العرب والفلسطينيين على الساحة الدولية أنهم لم يرتقوا بعد إلى المستوى الإسرائيلي من التأثير والقدرة على الفعل الدبلوماسي والتأليبي في هذه الساحة، ولم يكن الانجاز باتخاذ قرار دولي في تقرير غولدستون نابعًا من التأثير العربي بقدر ما كان نابعًا من هول الجريمة التي ارتكبت في غزة، وحتى بيان الاتحاد الأوروبي بشأن القدس هذا الأسبوع يندرج ضمن تداعيات جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة هو الآخر.

إن الضعف العربي والفلسطيني على الساحة الدولية هو انعكاس لضعفنا على الأرض، وانعكاس لحالة الشرذمة الوطنية والقومية ولحالة التبعية المزرية لمعظم الأنظمة العربية لأمريكا وإسرائيل. وهذا الضعف سيبقى عاملاً أساسيًا في تمادي إسرائيل واستكبارها وبالتالي فرض شروطها.

لكن الأمل المتبقي رغم حالة الضعف الطاغية تلك هو في كون الشعوب العربية، حتى مع غياب التنظيم، في حالة من الرفض السليقي للاستعمار والظلم والمشاريع الأمريكية والإسرائيلية.

لكن هذا الرفض العفوي لا يمكن أن يكون كافيًا أمام أجهزة ومكنات الإعلام المضاد الذي لا يترك زاوية دون تغطية.

من اللافت أن الوسائل والأدوات التي تستخدمها إسرائيل في إدارة الصراع السياسي مع العرب هي ذاتها الأدوات الغربية التي تفصل الديمقراطية على هواها، وتتمتع بنفس العقلية الاستعلائية التي تقصي الآخر وتهمشه ضمن ما يمكن الاصطلاح عليه بالمنظومة الديمقراطية العنصرية، التي تؤمن أن الشعوب الشرقية الإسلامية والعربية بشكل خاص لا تنطبق عليها المفاهيم والأسس الديمقراطية. ويبدو أن ظاهرة الاستفتاءات بدأت تعمم على نطاق واسع كسلاح ديمقراطي فعال.

ولنأخذ على سبيل المثال قضية الاستفتاء السويسري في موضوع بناء المآذن، حيث استنكرها المسلمون والعرب في كافة أماكن تواجدهم (رغم أنها من الممكن أن تكون مبررة „ديمقراطيا” بالنسبة للسويسريين والغربيين بشكلٍ عام)، إلا أن هذا الاستنكار لن يؤتي أكله ما لم تقم حركة منظمة تنطلق من وعي عميق للعقل الغربي وتحاول التأثير عليه ضمن المفاهيم واللعبة الديمقراطية ذاتها.

وهكذا ينبغي أيضًا التعامل مع قضية الاستفتاء حول الجولان والقدس الذي اقره الكنيست الإسرائيلي بأغلبية كبيرة يوم الأربعاء الماضي.

على العرب والفلسطينيين نزع الشرعية عن هذا الاستفتاء من خلال استخدام الأعراف والمواثيق الدولية بشكلٍ صحيح وقطع الطريق على إسرائيل منذ الآن.

وهذا يستدعي تنظيم الجهود حتى على مستوى منظمات المجتمع المدني العربي والفلسطيني، ووضع خطة فعالة للتأثير على الرأي العام الغربي بضرورة احترام المواثيق الدولية وعدم قبول الاستفتاء الإسرائيلي من حيث المبدأ كونه يتناقض مع هذه المواثيق ومن شأنه أن يُعطي شرعية سياسية وأخلاقية للاحتلال ولا تربطه صلة بالديمقراطية التي تتشدق بها إسرائيل وتدعيها.

التعليقات