24/04/2010 - 15:19

صارحوا الشعب بالحقيقة../ راسم عبيدات

صارحوا الشعب بالحقيقة../ راسم عبيدات
في كل مرة يعلن الطرف الفلسطيني والعربي فيها عن عدم العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل،لا تدوم فترة حردهم وزعلهم فترة العدة الشهرية للمطلقة، يلحسون مواقفهم ويتخلون عن شروطهم بلا مقابل، بل ويعودون إلى المحادثات والمفاوضات بشروط أسوأ من السابق. وفي كل مرة يسوقون حججا وذرائع واهية عن الأسباب التي دفعت بهم للعودة لتلك المحادثات والمفاوضات.

والمأساة هنا، حتى وهم يقولون لا عودة للمفاوضات أو المحادثات، إلا بوقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية، أنهم يمارسون الكذب علناً وجهراً، فتسمع عن جولات مستمرة من المحادثات والمفاوضات السرية، والتقدم فيها قاد إلى عودة المندوب الأمريكي للشرق الأوسط "ميتشل" إلى المنطقة، ومع قدومه والحديث عن العودة إلى المفاوضات، نسمع نفس الموقف من الجانب الإسرائيلي، رغم كل الصخب والضجيج والتطبيل والتزمير من قبل معسكر العجز العربي، بأن هناك ضغوطا جدية أمريكية على إسرائيل، وأن الخلاف الإسرائيلي- الأمريكي بلغ مستويات غير معهودة لم يشهدها منذ 35 عاما، ولكن أمريكا تصر على تعرية هذا المعسكر حتى من ورقة التوت الساترة لعورته، فهي تعلن التزامها بأمن إسرائيل وبعلاقتها الإستراتيجية معها، وتتفهم موقفها بعدم القدرة على تجميد الاستيطان في القدس، وأن السلطة الفلسطينية عليها العودة للمفاوضات بدون هذا الشرط، وعليها أن تعود إلى تلك المفاوضات والاعتماد على أمريكا في ذلك.

وما يطرحه "نتنياهو" لا يخرج عن نفس المواقف والبرامج التي جاء على أساسها للحكم. فالاستيطان في القدس سيستمر ويتواصل، ولا عودة لحدود الرابع من حزيران ولا عودة للاجئين ولا إخلاء للكتل الاستيطانية الكبرى، ونعم لدويلة "كانتون فلسطيني" تحت الاحتلال، حدوده إسرائيل من كل الاتجاهات، أي أن مشروعه للسلام هو تأبيد وشرعنة الاحتلال مقابل تحسين الشروط والظروف الحياتية للفلسطينيين، وفي أحسن الأحوال دويلة بحدود مؤقتة.

إذا كان هذا ما تصر عليه الحكومة الإسرائيلية جهراً وسراً ولا تحيد عنه ،فلماذا العودة إلى المفاوضات إذاً؟ ولماذا الاستمرار في الرهان على حلب الثور؟ ولماذا الاستمرار في عملية الكذب والخداع والتضليل؟ ولماذا لا يتم مصارحة ومكاشفة الجماهير والشعب بذلك؟ ولماذا الإصرار على عدم الاعتراف بفشل هذا الخيار والنهج؟ ولماذا لا يتم البحث عن بدائل وخيارات أخرى؟ ولماذا تستمر المقامرة بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وفق منطق تجريبي مدمر؟ ولماذا الخوف والحرص على سلطة لا تمتلك من مقومات السيادة شيئا؟ وهل كل هذا الوضوح الإسرائيلي والمجاهرة بالمعاداة للسلام وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى في حدودها الدنيا، وترجمة ذلك إلى وقائع على الأرض بممارسات أحادية الجانب تهود وتؤسرل القدس، وتلتهم أراضي الضفة الغربية بالمستوطنات غير كافية لوقف حالة العبث هذه وقطع الحبال والقنوات السرية والعلنية مع هذا النهج والخيار؟

إن من يتحمل المسؤولية المباشرة في هذا الجانب، ليس السلطة وفريقها المفاوض، بل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، التي تحولت كهيئة ومنبر للاستخدام، وعلى ممثلي القوى اليسارية فيها وبالذات الجبهة الشعبية أن تحدد موقفا واضحا وصريحا من عضويتها ووجودها في هذه الهيئة التي لا يجري احترام ولا الالتزام بقراراتها.

إن ما نحن مقبلون عليه كشعب فلسطيني على درجة عالية من الخطورة، ففي ظل ما تقوم به السلطة الفلسطينية من ممارسات والعودة إلى المفاوضات وفق شروط إسرائيل واملاءاتها، فإن هذا لن يقود إلا إلى المزيد من الشرذمة والانقسام والضعف في الساحة الفلسطينية، وتصبح آفاق تحقيق مصالحة فلسطينية بعيدة المنال، والأجدى لدعاة نهج التفاوض من أجل التفاوض والحياة مفاوضات، بعد أن ثبت فشل وعقم هذا الخيار، والذي كان تغطية ومبرراً لإسرائيل لمواصلة عدوانها على الشعب الفلسطيني، والاستمرار في خططها ومشاريعها في التهويد والأسرلة والاستيطان، الأجدى- أن يبحثوا عن خيارات وبدائل أخرى تمكن من بناء إستراتيجية فلسطينية موحدة تلتف حولها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، فالمنطق المعمول به حالياً، هو منطق مدمر ويخلق المزيد من حالة اليأس والإحباط وعدم المصداقية في الساحة الفلسطينية، وليس عاراً أو عيباً على هذه القيادة التي تتغنى بالشعب والجماهير، أن تصارحهم بالحقائق، والقول لهم بأن خيار ونهج المفاوضات لن يقود إلى تحقيق أي شيء من حقوق الشعب الفلسطيني، وأن بناء مؤسسات الدولة تحت سقف وشروط الاحتلال هو وهم، وما هو مطروح من الحكومة الإسرائيلية الحالية هو أقل من حكم ذاتي وإدارة مدنية مقلصة الصلاحيات. وأن ما تسعى إليه وتقوم به أمريكا وأوربا الغربية من تحركات سياسية ومبادرات وغيرها لا يخرج عن إطار الرؤيا الأمريكية وسياستها في المنطقة بأن حالة الجمود من شأنها أن تدفع بالموقف إلى الانفجار وهذا يقود إلى تقدم معسكر المقاومة والممانعة عربياً وتراجع وتآكل دور ووجود معسكر الاعتدال العربي، بل ربما سقوط العديد من أنظمته، وهذا بدوره يقود إلى تهديد الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة، ولذلك لا بد من الاستمرار في إدارة الأزمة، وبما يمكن من ضبط الإيقاعات والتحركات وفق هذه الحالة، وبما يمكن إسرائيل من استكمال خططها وبرامجها وفرض الوقائع على الأرض، وبالتالي البحث عن حل يتطابق مع رؤيتها وإستراتيجيتها في المنطقة، وخصوصاً أن أمريكا ترى أنها غير ملزمة بتغير نهجها وسياستها في المنطقة (سياسة العصا والجزرة) في ظل عدم شعورها بأية مخاطر جدية على مصالحها في المنطقة العربية، وهي تمد الجزرة للعرب عندما تحتاج إلى اصطفافهم خلفها، كلما شعرت بأن هناك خطرا يتهدد مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة ،وهذا ما شهدناه في العدوان على العراق عام 1991 قبيل احتلاله، وما نشهده الآن من محاولة إيجاد أوسع حالة من الاصطفاف العربي الرسمي العربي خلف موقفها، فيما إذا ما وجهت ضربة عسكرية إلى إيران، وتصوير إيران على أنها الخطر المباشر على المصالح والوجود العربي وليس أمريكا وإسرائيل اللتين تحتلان أراضيهم وتنهبان خيراتهم وثرواتهم وتذلان وتفقران شعوبهم.

من ينتظر شيئاً من جولات ميتشل المكوكية كمن ينتظر دبساً أو عسلاً من قفا النمس، فميشتل وغيره ما يحملانه هو المزيد من الدعم المطلق واللامحدود للسياسات الإسرائيلية في المنطقة، وتعاطفا على المستوى اللفظي والشعاري والذي لا يرتقي إلى مستوى الفعل مع حقوق الشعب الفلسطيني.

وما يحول هذا التعاطف اللفظي والشعاري إلى ترجمات عملية هو التغيرات الجدية في المواقف العربية والفلسطينية، لترتقي إلى مستوى التحديات، والمواقف التي تهدد جدياً مصالح أمريكا في المنطقة، مواقف تمجد وتعظم خيار المقاومة، مواقف تحتضن قوى المقاومة وتطلق يدها في العمل والفعل. مواقف تصارح الجماهير بأن المفاوضات غير المقرونة بالنضال لن تحرر وطناً ولن تجلب حقوقاً.

التعليقات