31/10/2010 - 11:02

أسئلة حول جريمة سامراء/ عبد الإله بلقزيز

أسئلة حول جريمة سامراء/ عبد الإله بلقزيز
أصابت شخصيات دينية وسياسية، مثل آية الله محمد حسين فضل الله وآية الله جواد الخالصي والسيد حسن نصر الله، في تعيين الجهة المسؤولة عن تفجير مرقد إمام الشيعة العاشر علي الهادي في سامراء، وفي تسميتها صراحة تلك الجهة: الاحتلال (والقوى الصهيونية). وأهمية هذا التعيين من تلك الشخصيات - ذات الوزن التمثيلي والاعتباري- من وجهين: من وجه أول لأنه (تعيين) انتبه إلى خطورة بيانات سابقة لمراجع دينية أخرى سكتت عن الاحتلال ففتح سكوتها الباب أمام أفعال الغوغاء، ومن وجه ثان لأنه لم يخطئ قراءة وظيفة حدث الاعتداء الإجرامي على المرقد في التسويغ للفتنة الطائفية والحرب الأهلية حيث لا أحد مستفيد منهما سوى الاحتلال ومن يريد معه تقسيم العراق.

فلقد سارع بعض رجال الدين في العراق إلى تحميل المسؤولية إلى التكفيريين، وكان واضحاً أن تعيينهم باسم "التكفيريين" هو - بشكل ضمني- تسمية لـ "طائفة" أخرى هم في جملتها ويقيمون في المناطق التي تنتشر فيها. والأدعى إلى الإثارة أن الذين ساقوا الاتهام، ساقوه على سبيل الظن والتخمين، وما طالبوا بإجراء تحقيق لمعرفة ملابسات حادث الجريمة، ناهيك بأنهم ما أتوا على ذكر الاحتلال ولو من باب الفرض والظن، فتبرعوا عليه بالبراءة!

لسنا ننزه جماعات التكفير عن اقتراف هذا العمل الشنيع، لكننا ندعو إلى التبين قبل الاتهام، وإلى الحذر مما يؤسس له مثل ذلك الاتهام من نتائج خطيرة على وحدة البلد وأمنه الاجتماعي، من نوع تلك التي شهدناها من أعمال إجرامية رديف مثل إحراق المساجد والتقتيل الجماعي للمخالفين في المذهب، ومن نوع ما نشهده من احتقان طائفي لا سابق له في تاريخ العراق.

وأهم ما ندعو إليه التفكير في سؤالين رئيسين:

أولهما: لماذا نعمت هذه المراقد بالأمن لألف عام في مناطق لم يكن فيها شيعة آل البيت غالبية سكانية، وظلت مفتوحة للعبادة والزيارة من لدن سائر العراقيين على اختلاف ولاءاتهم المذهبية والفقهية؟ أليس لأن أهل العراق جميعاً يحسبونها في جملة ميراثهم الديني؟ فكيف، إذن، يسوغ اتهام فريق من المسلمين باقتراف الجريمة وإطلاق موجة انتقام هوجاء من مساجده وبنيه بغير حق؟ ثم لماذا فات الذين أطلقوا الاتهامات على غير تبين أن المراقد والمساجد في بلاد الرافدين ما تعرضت حرمتها للانتهاك إلا بعد أن دخل دخيل على أهل العراق هو الاحتلال: ومن دخل في ركابه من الدخلاء الحاقدين المهووسين بروح الانتقام منه؟!

وثانيهما: من لديه مصلحة في تدمير مراقد لها كبير اعتبار في ذاكرة العراقيين عموماً، وقسم منهم على نحو خاص، سوى أولئك الذين يجدون بغيتهم في الإيقاع بين العراقيين، وفي تنمية تناقضاتهم، والنفخ في جمرات الطائفية والمذهبية لديهم، قصد دفعهم إلى فتنة داخلية واحتراب أهلي ينتهي بهم إلى التقسيم أو إلى زيادة الطلب على الاحتلال فيصلاً بينهم فيما اشتجروا فيه أو ضامن أمن وأمان لجماعاتهم؟!

ما أسهل أن ينسب فعل جلل كتدمير المراقد إلى جماعات التكفير، لأن هذه الجماعات تقدم بأفعالها الخرقاء مادة لأي كان كي يسارع إلى اتهامها باقتراف أية جريمة سياسية أو رمزية من هذا النوع وبهذا الحجم. ولكن، ما أصعب أن يقيم عليها أحد دليلاً غير "الدليل الظني" فكيف إذا كانت هي نفسها "قاعدة" الزرقاوي قد أنكرت صلتها بالتفجير (ومن عادتها أن تتباهى إن فعلت لا أن تنفي وتنكر)؟ لن نقول: علينا أن نصدق الجماعات هذه حين تنفي علاقتها بما جرى، وإنما نقول: علينا أن نصدق ما يقع في دائرة الحقائق الثلاث التالية من معطيات:

الحقيقة الأولى أن جماعات التكفير - وهي كما يعترف الأمريكيون وخصومها العراقيون غير عراقية- لا تملك أن تتخذ قراراً خطيراً ومغامراً مثل قرار تفجير مراقد شيعية وتنفذه إلا إذا كانت قد اتخذت قراراً بالانتحار السياسي في العراق على مذبح الممنوعات والمحرمات في هذا البلد. فهي تتحرك في محيط سكاني عراقي يقع بين الحدود الغربية لمحافظات الشمال الجنوبية مروراً بالموصل وكركوك وسامراء وصولاً إلى بعقوبة شرقا، ونزولاً إلى بغداد ومحيطها الغربي مروراً بالفلوجة والرمادي وسائر غرب العراق إلى الحدود مع سوريا والأردن، أي المناطق التي أطلق عليها الاحتلال وإيران (والآتون في ركاب الاحتلال) اسم "المثلث السني".

وغني عن البيان أنها لا تستطيع القيام بجريمة من هذا النوع تعود على هذا المحيط بأبلغ الأضرار إلا إذا قررت الصدام معه، وهي لا تملك القوة لتفرض عليه شريعتها السياسية و"الفقهيه"، ولقد ثبت بالدليل المادي الملموس أن هذه الجماعات اضطرت تحت وطأة ضغط بعض أطراف المقاومة الوطنية وبعض القوى السياسية مثل "هيئة العلماء المسلمين" و"مؤتمر أهل العراق" و"الحزب الإسلامي" إلى وقف عملياتها العسكرية خلال التصويت على "الدستور" وخلال ما سمي بانتخابات "الجمعية الوطنية"، وفي ذلك ما يقطع بأنها ليست طليقة الحرية والخيار في إتيان ما أرادته من قرار فكيف إذا كان القرار هذا مما يؤسس لفتنة طائفية في العراق؟.

والحقيقة الثانية أن القوة الوحيدة التي لها كبير مصلحة في تفجير الفتنة الطائفية والحرب الأهلية في العراق هي الاحتلال والقوى الصهيونية الناشطة في مناطق مختلفة من البلد، لأن الفتنة والاقتتال وحدهما يبرران له "ولها" استمرار الاحتلال بذريعة ضبط الأوضاع الأمنية، ووحدهما يوفران انتقال حالة الفوضى وعدم الاستقرار إلى المحيط العربي الأقرب ويقدمان له مبرر التدخل في ذلك المحيط بنفس الذريعة وتحت نفس العنوان.

أما الحقيقة الثالثة، فهي أن قوى عراقية عديدة تجد لها المصلحة كلها في اقتراف ذلك العمل الإجرامي لأكثر من سبب، إما من أجل تبرير مشروعها التقسيمي - المتمتع برعاية إقليمية غير عربية- القاضي بإقامة فدرالية في الجنوب والفرات الأوسط تتحول إلى "غيتو أمني" (لقسم من العراقيين) ملحق بدولة ذات مطامع في وحدة العراق.. إلخ. أو من أجل "إقناع" قوات الاحتلال بعدم الرحيل عن العراق خوفا من انهيار مشروعها وزوال "دولة أبريل" المقامة على المنطقة الخضراء في بغداد وعلى مناطق تمردت على الدولة المركزية - بمساعدة أمريكا- منذ خريف عام 1991، وتخامرها اليوم أحلام الانفصال والاستقلال، وليس إدراج هذه القوى "العراقية" ضمن قائمة المتهمين المفترضين باقتراف الجريمة فعلاً من أفعال الرجم بالظن المرسل على غير بينة أو دليل، بل يقوم عليه أكثر من برهان في أفعال "الحكومة" القائمة و"غالبيتها النيابية" وإذا كنا في جملة من لا يسمحون لأنفسهم بتأسيس استنتاجات أو أحكام على اتهامات سفير أمريكا في العراق "الأفغاني" زلماي خليل زاد - للطائفيين في "الحكومة" بتنظيم فرق الموت ضد الخصوم، فإننا لسنا نتردد في الاستئناس برأي مؤسسة وطنية ذات اعتبار مثل "هيئة العلماء المسلمين" في الموضوع حين وجهت أصابع الاتهام - في جريمة سامراء- إلى أطراف داخل "الحكومة"، فـ"أهل مكة أدرى بشعابها".

وبعد، كثيرون لهم مصلحة في جريمة تأخذ احتقان أهل العراق إلى فتنة تأتي على البقية الباقية من وحدتهم ومن اتصال أسباب الوطنية والمواطنة ما بينهم، قد يكون المحتل وقد تكون طوابير المخابرات الصهيونية المندسة بين العراقيين، وقد تكون مخابرات إقليمية (غير عربية) ذات حسابات في جغرافيا العراق السياسية، وقد يكون طائفيون تقسيميون استسهلوا ضرب مرقد ديني من أجل مرقد سياسي (فدرالي)، وقد يكون هؤلاء جميعا، تعدد الفاعلون والضحية واحدة:

العراق ووحدة أرضه وكيانه وأهله.

التعليقات