بسرعة البرق، قتلت طلقة التوافق الفصائلي في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، كل الصرخات والدعوات المخلصة لمحاسبة نقيب الصحفيين نعيم الطوباسي على سوء ائتمانه وإدارته لنقابة الصحفيين، وكأن كل ما جرى لم يكن إخلاصا للديمقراطية ومبدأ المكاشفة والمساءلة والمحاسبة، بل مجرد عملية ابتزاز رخيصة للقوة الممسكة بعنق النقابة لأجل الحصول على مقاعد أخرى في أي انتخابات قادمة.
الصحافة أم المكاشفة، والصحفيون الباحثون عن الحقيقة، تخلوا عن مهنتهم، ومهمتهم التاريخية وطأطأوا رؤوسهم لهراوة رجل الأمن الذي رتب انتخابات النقابة، وأصبحوا بهذا العرف كتبة سلطان، لم يتم ترتيب الانتخابات في مكتب النقابة، بل في إحدى غرف أكاديمية الأمن في أريحا، ليصبح الشرطي ولي نعمة الصحفي، ويتحول قلم الصحفي إلى هراوة أو كاتم صوت.
ورغم أن فتح قد عقدت مؤتمرها بعد طول عناء ولفلفة، إلا أن مسار هذه القوة إلى أفول، حيث لم تتغير سوى الشخوص، وظل نهج التفرد والسير في طريق الأوهام هو السائد، ولكنها لتعزز سطوتها، تلجأ الآن إلى إجراء انتخابات نقابية في مختلف المجالات، معتمدة على مشاركة يسارية، وغياب حمساوي غير مبرر، ودون إشراك القطاع أو الشتات في عملية الانتخابات هذه، ويستمرئ اليسار هذا الأمر، يبلعه وفي فمه ماء... ماء كثير، فيسقط الديمقراطية واستقلالية مؤسسات المجتمع المدني من حساباته، لصالح التمثيل الهزيل، اليسار صاحب المهمة التاريخية، يريد أن يحقق مهمته التاريخية بالتذيل لبيروقراطية يمينية لا هم لها سوى استعادة مجدها الذي ضيعه فسادها، وبلطجتها على الآخرين، أي يسار هذا؟؟! سؤال موجه إلى قيادة الجبهة الشعبية قبل أي فصيل يساري آخر.
قبل الانتخابات قالوا إن النقيب قد سرق، وقد رفع أحدهم دعوى قضائية عليه، وآخرون قالوا إن النقابة باتت إقطاعية النقيب، وقيل في النقيب ما لم يقله مالك في الخمر، فلماذا سكتت شهرزاد عن الكلام المباح حين تدخلت أريحا؟
في انتخابات النقابة السابقة، وقفت الجبهة الشعبية ضد عقلية المحاصصة، وقاطعت الانتخابات، وخرق بعض الصحافيين المحسوبين عليها القرار ورشحوا أنفسهم، نجحوا بفضل النقيب الذي يحتاج ديكورا، وكظمت الجبهة غيظها، لكن ما يفجر أن من عاد باسم الجبهة إلى انتخابات النقابة الحالية هم من تحدوها وخرقوا قرارها.
هذا القرار الأخير بالاشتراك دون غزة والخارج بنقابة الصحافيين، دفع الكثير من أنصار الجبهة للمقاطعة أو ترشيح أنفسهم ضمن قائمة مستقلة يغلب عليها الطابع المهني، وكتب الكثير من أنصار الجبهة ينتقدون موقفها علنا، كتب عطا مناع عن أن صاحبة الجلالة أصبحت في ذمة الله، وكتب فتحي صباح وهو أيضا من أنصار الجبهة فقال" لقد فُجع عشرات بل مئات الأعضاء السابقين والحاليين في الجبهة الشعبية والصحفيين الذين رأوا فيها مثالاً للطهر والنقاء الثوري، ونموذجاً يُحتذى في التمسك بالمبادئ مهما كلف الثمن، بموقفها الأخير ومشاركتها في خطف نقابة الصحفيين، وحصولها على قطعة من الكعكة الآثمة.. إن محبي الجبهة الشعبية والمعجبين بمواقفها السياسية والأخلاقية حزينون اليوم لوقوفها في صف واحد مع الذين سطوا على نقابة الصحفيين"، وكتب أكرم الصوراني، وكتب مصطفى إبراهيم، وغيرهم كثير، وهذه المرة كان الكتاب أمناء لوطنيتهم وديمقراطيتهم ومهنيتهم، وانتقدوا علنا موقف الجبهة الشعبية التي آثرت المحاصصة على التنافس الديمقراطي وإرساء تقاليد المحاسبة والمساءلة.
إن ما جرى لا يسيء لمن اعتاد اللفلفة، واستمرأ الهيمنة والتفرد، بل يسيء إلى مصداقية قوة ديمقراطية وطنية، يجب أن تتدارك موقفها، حتى لو كان بالاستقالة الجماعية من النقابة.
التعليقات