31/10/2010 - 11:02

إسرائيل تدمر وأوروبا تعمر!../ مصطفى إبراهيم*

إسرائيل تدمر وأوروبا تعمر!../ مصطفى إبراهيم*
السيدة مريم قتل ابنها الفتحاوي قبل نحو عامين في واحدة من جولات الاقتتال الداخلي بين حركتي "حماس" و"فتح" في مدينة غزة.

في اليوم الأول للعدوان الجوي على مدينة غزة وقصف المقرات الأمنية خرجت إلى الشارع وهي تصرخ وترفع يديها إلى السماء، كأنها تطلب من الطائرات الإسرائيلية الانتقام من حركة "حماس" بتكثيف القصف ضد الحركة التي قتلت ابنها، وفي اليوم التالي قصف المنزل المجاور لمنزلها فطاول القصف منزلها ودمره بالكامل.

بعد إنتهاء العدوان بحثت عن مكان يأويها وعائلتها فلم تجد أمامها غير حركة "حماس" تستنجد بها لمساعدتها في إيجاد مأوى لها.
حال السيدة مريم يشبه حال كل الفلسطينيين، فعلى رغم الانقسام لا يهمهم من يعيد تعمير منازلهم سواء "فتح" أو "حماس"، هم يريدون أن يجدوا مكاناً يؤويهم بأسرع ما يمكن، وحينها سيرفعون أيديهم إلى السماء كي تحميهم من شرور الطائرات الإسرائيلية.

الناس في القطاع تلقوا أخيرا بسعادة خبر تبرع السعودية بمبلغ مليار دولار، وقطر بـ 250 ألف دولار، بالإضافة للأخبار اللاحقة بإنشاء صندوق خليجي للمساهمة في إعادة إعمار القطاع من الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية.

لكنهم لم ينتظروا وصول المبالغ المذكورة والجهود الخليجية، أو حتى تحديد موعد الحوار الفلسطيني وإتمام المصالحة، وأخذوا يبحثون عمن يقدم لهم المساعدات التي تساعدهم في الحصول على آماكن تأويهم، خاصة وأنهم ما زالوا على قناعة بأن العدوان لم ينته وهو مستمر بأشكال متعددة، أبرزها الحصار الخانق والظالم المفروض على القطاع منذ ثلاثة أعوام.

وهم لا يراهنون كثيراً على إتمام المصالحة، نظراً لأن أسباب الخلاف والهوة بين طرفي الصراع "فتح" و"حماس" لا تزال كبيرة، على رغم دعواته بقرب انجازها، كما أنهم لا يثقون بالمجتمع الدولي والسرعة المطلوبة في إعادة إعمار غزة، والاتهام الموجه له بالتواطؤ من خلال صمته وتبريره لحاجات إسرائيل الأمنية قبل العدوان وبعده.

واستطاع الفلسطينيون دفن قتلاهم خلال العدوان بصعوبة، وبما تيسر من بقايا مواد البناء الشحيحة التي تم تهريب بعضها عبر الأنفاق، قبل أن تدمرها إسرائيل، فيما هم يراقبون بألم وحسرة وغضب استمرار احتدام الخلاف والجدل الدائر بين السلطة الفلسطينية، وحركة "حماس" حول من يتولى مهمة إعمار غزة، والموقف العربي والدولي بعدم البدء في إعادة الأعمار إلا بعد إتمام المصالحة الفلسطينية.

وعلى رغم التفاؤل الحذر الذي يبديه الفلسطينيون في القطاع إزاء انعقاد المؤتمر الدولي لإعادة الأعمار في شرم الشيخ في الثاني من آذار (مارس) المقبل، الا أنهم يعتبون على أشقائهم العرب في زج أنفسهم في الجدل الدائر بين السلطة و"حماس"، ووضع الشروط لربط عملية الأعمار بعقد المصالحة الوطنية، التي قد تستمر طويلاً، فيما لا يزال نحو 100 ألف منهم مشردين بلا مأوى في ظل أحوال جوية قاسية جداً.

ويشكك هؤلاء في نوايا الطرفين بالوصول للمصالحة من خلال ما يجري على الأرض من مشاحنات واتهامات متبادلة وتخوين كل طرف للأخر وافتقاده للنزاهة والشفافية، خاصة في تولي عملية الأعمار، ومحاولة كل منهما تثبيت شرعيته على حساب المئة ألف مواطن.

وما عزز ذلك أيضاً تصريحات رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال في رام الله سلام فياض أن حكومته أنهت الخطة لإعادة الأعمار لعرضها على مؤتمر المانحين في شرم الشيخ.
إن هذه الخطوة ستعزز حال الانقسام بين الفلسطينيين، وتعتبر ضربة والتفاف على ما يبذله بعض الجهات في الأراضي الفلسطينية من جهود لإيجاد آلية مشتركة يشارك فيها الكل الفلسطيني في حال لم يتم التوصل إلى المصالحة التي قد تستغرق وقتا طويلاً.
وللخروج من هذه الأزمة فإن تشكيل هيئة وطنية عليا تشارك فيها كل الأطراف المعنية في المجتمع الفلسطيني لإعادة الأعمار، بما فيها حركتا "فتح" و"حماس" يصبح مطلباً ملحاً وضرورياً اليوم قبل الغد.

إن عملية إعمار غزة تحتاج إلى كل الجهود، ولا يستطيع أحد أن يستثني أي طرف، بما فيها حركة حماس" وهو ما صرح به صراحة ودون لبس القيادي في الحركة محمود الزهار، عندما قال إن أحداً لا يستطيع تجاوز "حماس" في عملية إعادة الأعمار.

وعليه، فالضحايا من الفلسطينيين ينظرون بقلق وشك إلى التصريحات الصادرة عن فياض التي تعتبر استجابة للشروط والاملاءات الأميركية والأوروبية، التي تشترط وصول الأموال اللازمة فقط عبر السلطة الفلسطينية.
ويتساءل هؤلاء: كيف ستتم عملية الأعمار عن بعد في ظل إحكام حركة "حماس" سيطرتها على القطاع؟ وفي وقت لم تستشر السلطة أي جهة في القطاع، بما فيها مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص اللتين تعتبران جهة أساسية في إعادة الأعمار، وعمليات الإحصاء والتوثيق والدراسات الحقيقية لحجم الدمار الهائل لم تنته بعد، وكيف تم وضع الخطط بهذه السرعة؟!

وكما ينظر الفلسطينيون بشك وريبة للتصريحات الصادرة عن فياض، فإنهم ينظرون أيضاً من المنظار نفسه إلى الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، ممثلا باللجنة الرباعية الدولية، التي تعتبر جزءاً أصيلا من الحصار المفروض على القطاع.

وعلى رغم التبرع "السخي" الذي وعدت به الولايات المتحدة ويقدر بنحو 900 مليون دولار، فضلاً عن وعود أوروبية مماثلة، فإن الفلسطينيين يحملون المجتمع الدولي المسؤولية عن ما جرى وما يجري من عدوان مستمر وحصار خانق ما تزال المجموعة الدولية تشارك فيه.

ويتساءلون: يمكن أن تعيد الأموال الأوروبية والأميركية بناء ما بناه في السابق الأميركيون والأوروبيون، ودمرته أسلحة الطرفين! لكن هل يمكن أن تعيد هذه الأموال إلى الفلسطينيين "الأرواح" التي حصدتها قوات الاحتلال؟!!
وهل يمكن أن تعوض هذه الأموال العذابات والمعاناة التي عاناها مليون ونصف المليون فلسطيني في القطاع، وأكتر منهم في الضفة وملايين البشر عبر العالم المتضامنين معهم، بمن فيهم أوروبيون وأميركيون؟!

نعم، الفلسطينيون بأمس الحاجة لمن يمد لهم يد العون والعمل على إعادة ما تم تدميره، وهم أيضاً بحاجة إلى ضمانات من إسرائيل بعدم استهداف منازلهم ومقرات السلطة والبنية التحتية التي استثمرت فيها أوروبا على مدار 14 عاماً بلايين الدولارات، وعدم تكرار متوالية التعمير من قبل الأوربيين والتدمير من قبل إسرائيل.

إن المشكلة لدى الفلسطينيين ليست في عملية الأعمار ومن يقوم به، بل في استمرار الاحتلال، وعدوانه على الفلسطينيين، ولن يفيد إعمار غزة من دون أن تعترف إسرائيل بحقوق الفلسطينيين والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن غير المعقول أن يستمر المجتمع الدولي في صمته وتفهمه للحاجات الأمنية لإسرائيل، وتبرير ذلك بقتل الآلاف من الفلسطينيين وتدمير منازلهم وممتلكاتهم، من دون أن يأخذ المجتمع الدولي على عاتقه ليس فقط إعمار غزة، بل تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عما لحق بهم على مدار سني نكبتهم، خاصة وأن الفلسطينيين يحملونه الجزء الأكبر من مأساتهم المستمرة منذ 60 عاماً.

وعليه، فإن المجتمع الدولي لا يمكن له أن يستمر في تبرير ارتكاب إسرائيل جرائمها، والهروب من التزاماتها الأخلاقية والقانونية والسياسية في تعمير ما تدمره آلة الحرب الإسرائيلية، ويعيد تعميره.

وفي حال استمرت هذه الملهاة المأساة، فإن المجتمع الدولي سوف يستمر في ذلك إلى ما لانهاية، الأمر الذي لا يقبله الفلسطينيون ويطالبونه بأن يلعب دوراً سياسياً متوازناً، خاصة بعد العدوان غير المسبوق على غزة، وأقل شيء يقوم به المجتمع الدولي هو رفع الحصار فوراً، وفتح المعابر ليتمكن الفلسطينيون في القطاع من الحصول على أبسط حقوقهم، التي تبقيهم على قيد الحياة كي يستمروا في متابعة فصول الملهاة بصمت قد لا يطول كثيراً!.

التعليقات