الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة استحقاقات تطبيق خطة فك الارتباط عن قطاع غزة ومنطقة جنين، وإقرار عقد الانتخابات التشريعية قبل 20 كانون الثاني المقبل، وعقد المؤتمر السادس لحركة "فتح" بعد الانتخابات التشريعية، ورفض خيار الدولة المؤقتة، هذه هي خلاصة اجتماع اللجنة المركزية لحركة "فتح". وهي خلاصة فيها من الإيجابيات والسلبيات، ولكنها تدل على أن الاجتماع على أهميته، كونه يعقد لأول مرة منذ فترة طويلة بحضور كافة أعضاء اللجنة المركزية، وبعد رحيل ياسر عرفات، لم يستطع أن يحل الأزمة والشرذمة التي تعاني منها حركة "فتح"، وقد يكون في احسن حال قد استطاع احتواءها.
ردود فعل القيادات الشابة تدل على استمرار الأزمة واحتمال تفاقمها أكثر، فهي رفضت تعويم عقد المؤتمر السادس للحركة واتخاذ قرار غريب بدفش موعد انعقاده الى ما بعد اجراء الانتخابات التشريعية. مبعث الغرابة يعود الى أن الأحزاب في جميع انحاء العالم، وعلى مدار التاريخ، وفي كل البلدان تعقد مؤتمراتها العامة قبل الانتخابات حتى تخوض الانتخابات موحدة وهي في أقوى وأفضل صورة، وبعد تقييم تجربتها السابقة وضخ دماء جديدة في أطرها القيادية. ولكن "فتح" أو الأدق قيادة "فتح" تتهرب من عقد المؤتمر رغم تأجيل الانتخابات التشريعية الى أجل غير مسمى.
في البداية تم تأجيل المؤتمر السادس الذي كان من المقرر عقده في الرابع من آب المقبل ثم تم ترحيل الامر الى اجل غير مسمى. وهذا يدل على التخوف الكبير من عقد المؤتمر.
طبعاً لا يمكن اختصار الاسباب التي دفعت اللجنة المركزية لتأجيل عقد المؤتمر الى سبب واحد هو خشيتها من الخسارة وتشبثها بموقعها القيادي، رغم ان هذا من اهم الاسباب على الاطلاق. ولكن علينا ان لا ننسى ان بقية الاسباب مهمة جداً هي الاخرى وهي تنبع من ان "فتح" التي كانت في حياة الزعيم الراحل ياسر عرفات حزب الزعيم الذي له شخصية قيادية طاغية ويمسك بكل شيء ويتدخل بكل شيء ويجوز له ما لا يجوز لغيره، ويستطيع أن يحسم المشاكل والأزمات والخلافات عندما يقرر الحسم، مطالبة الآن بسد الفراغ الكبير الذي تركه ياسر عرفات بأن تصبح حزباً عادياً طبيعياً له برنامج سياسي واضح وقيادة محددة توزع السلطات والصلاحيات والوظائف فيما بينها بصورة تكاملية، وله أطر ينضبط الاعضاء لقراراتها. وحتى الآن لم تستطع فتح ان تحدث هذا التحول المطلوب بل تتصارع شخصياتها ومراكز القوة فيها على توزيع الحصص والتركة، لذا نراها تتخبط ازاء كل شيء تقريباً. فـ "فتح" تخشى اذا عقد المؤتمر السادس دون ضمان نتائجه ان يؤدي الى المزيد من الخلافات والفرقة التي تعيشها. "فتح" اول الرصاص اول الحجارة وقائدة الثورة والمنظمة والسلطة، ودورها حيوي وأحد الضمانات الوطنية، وبمقدورها ان تبقى تلعب دوراً مهماً اذا اختارت اجراء التحول المطلوب والدخول في عملية اصلاح وتجديد وتغيير حقيقية.
في غمرة هذه الأجواء يتم طرح فكرة ايجابية هي تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن حتى تكون هذه الفكرة جدية، وقابلة لأن ترى النور، وليس مجرد مناورة إعلامية، يجب ان يتم التركيز على بلورة البرنامج السياسي الذي ستسعى هذه الحكومة لتطبيقه، فلا يمكن تشكيل حكومة لا يعرف برنامجها وهل هو الترحيب بخطة فك الارتباط والاستعداد للتنسيق لتطبيقها كما هي ودون تعديلها وبوصفها مجرد اعادة انتشار وبديلاً عن خارطة الطرق ومحاولة للمقايضة ما بين الضفة وغزة وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعلى دولة واحدة في حدود فلسطين الطبيعية؟ أم هو رفض هذه الخطة مع الاستعداد الكامل لتسلم أي شبر من الأرض تنسحب منه قوات الاحتلال، وحتى تعيد الانتشار فيه؟
وحتى تكون فكرة الحكومة الوطنية جدية وقابلة للتطبيق يجب ان يسبقها اتفاق على موعد اجراء الانتخابات التشريعية، يتبعه فوراً إصدار مرسوم رئاسي بتحديد هذا الموعد. واذا تمت بلورة البرنامج وتحديد موعد الانتخابات التشريعية، فلا مبرر للفصائل الوطنية والاسلامية لرفض المشاركة فيها. فحكومة الوحدة ستقوي الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وستكون حكومة مواجهة استحقاقات تطبيق فك الارتباط والتحضير لإجراء الانتخابات. رغم كل ذلك لا أتفاءل بتشكيلها، لأن المصالح الفئوية والفردية والفصائلية لا تزال أعلى من المصلحة الوطنية العليا، ولا نزال بحاجة الى المزيد من الوقت، والمزيد من الصدمات حتى يتغير الحال.
التعليقات