31/10/2010 - 11:02

الأسرى الفلسطينيون: قمع واهمال طبي واستشهاد../ راسم عبيدات*

الأسرى الفلسطينيون: قمع واهمال طبي واستشهاد../ راسم عبيدات*

... يبدو واضحاً ومن خلال ما تقوم به إدارات السجون الإسرائيلية من تصعيد وإجراءات قمعية غير مسبوقة تجاه الحركة الأسيرة الفلسطينية، أن ما يجري بحق أسرى شعبنا الفلسطيني يندرج ضمن خطة متكاملة وشاملة للانقضاض على الحركة الأسيرة الفلسطينية، وسحب منجزاتها ومكتسباتها وحقوقها، من أجل إعادة أوضاعها إلى بدايات سنوات الاحتلال.

وهناك الكثير من الشواهد والدلائل على حقيقة المخطط التي تنفذه إدارات السجون الإسرائيلية بحق أسرى شعبنا من قمع وإذلال وامتهان للكرامة. فقبل فترة لا تزيد على أسبوع أقدمت إدارات السجون على اقتحام سجن"عوفر" في رام الله، حيث أصيب العشرات من الأسرى الفلسطينيين نتيجة استخدام قوات قمع السجون المسماة بـ"نحشون" أثناء اقتحامها لأقسام السجن الرصاص المطاطي والغاز المدمع والهروات وغيرها.

ولم تكتف بحرق خيم المعتقلين وسحب الأجهزة الكهربائية والملابس وإتلاف المأكولات الخاصة بالأسرى، بل عمدت إلى تكبيل المعتقلين والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وإبقائهم في البرد القارص لفترة زمنية طويلة، ومن ثم حرمت 400 منهم من زيارات الأهل، وعمدت إلى قمع وعزل عدد منهم إلى الزنازين والسجون الأخرى. ولم يمض على هذا الإجراء القمعي التعسفي أكثر من يومين، حتى قامت إدارة سجن"أوهلي كدار" – سجن بئر السبع – بمنع الأسرى من إقامة الصلاة في "الفورة" ساحة المعتقل. وعندما رفض الأسرى هذا الإجراء الاستفزازي قامت إدارة المعتقل باتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية بحقهم تمثلت بسحب الأجهزة الكهربائية ومنعهم من "الفورة" ووقف زيارة الأهل إلى إشعار آخر وكذلك منع"الكانتينا". وترافق ذلك مع تصعيد غير مسبوق بقطع الكهرباء عن المعتقل من صباح الأحد 21/12/2008 وحتى ظهر الثلاثاء 23/12/2008.

وقامت وحدة خاصة من قوات قمع السجون"نحشون" بتفتيش الأسرى بشكل مهين واستفزازي، والتفتيش كان بغرض الإذلال وإتلاف مقتنيات الأسرى. وقد رد الأسرى على تلك الخطوات التصعيدية والاستفزازية بإرجاع وجبات طعام ورفع عدة شكاوى على قطع الكهرباء كإجراء غير قانوني وإغلاق المعتقل، وتقديم طلبات نقل جماعي، وأعلنت الإدارة أنها ستصعد من خطواتها وإجراءاتها القمعية في حال أصر الأسرى على موقفهم بإقامة الصلاة في "الفورة" ساحة المعتقل.

وفي نفس السياق والفترة وحيث سياسة الإهمال الطبي لأسرانا والتي هي تعبير عن سياسة رسمية انضم الأسير جمعة إبراهيم موسى (أبو إسماعيل) إلى قافلة شهداء الأسر، في مستشفى سجن الرملة بعد رحلة اعتقالية مدتها ستة عشر عاماً من أصل حكم بالسجن المؤبد.

والأسير الشهيد أبو إسماعيل والبالغ من العمر ستة وستين عاماً، لم تشفع له الأمراض الكثيرة التي نخرت جسمه في سجون وزنازين الاحتلال من سكري وضغط وضيق في التنفس وتصلب في الشرايين، ولا تقدمه في العمر لكي يطلق سراحه، وكذلك لا حسن النوايا ولا صفقات الإفراج أحادية الجانب، ولم نسمع ما يسمى بمؤسسات ودعاة حقوق الإنسان يرفعون عقيرتهم عالياً لتحرير هذا الأسير المريض والطاعن في السن، كما هو الحال الذي ترفع فيه عقيرتها وتقيم الدنيا وتقعدها عندما يأسر جندي إسرائيلي!!.

والشهيد أبو إسماعيل والذي رقمه تسعة وأربعين من شهداء الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية والمائة وستة وتسعون من شهداء الحركة الأسيرة، لن يكون الشهيد الأخير، بل هناك الكثيرين من أسرى شعبنا من الحالات المرضية والقدماء سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين إذا ما استمرينا في ترك ورهن مصيرهم إلى مفاوضات عقيمة وعبثية وما يسمى بحسن النوايا وصفقات الإفراج أحادية الجانب.

فالاحتلال ينفذ سياسة مبرمجة ومنظمة عنوانها قمع وإذلال أسرانا وإفراغهم من محتواهم النضالي والكفاحي والوطني، وقد سبق هذه الإجراءات بالعديد من الممارسات مثل محاولة فرض الزي البرتقالي الخاص بالأسرى الجنائيين على أسرى شعبنا، وذلك لإظهارهم كمجموعة من اللصوص والحشاشين وقطاع الطرق ونزع صفة النضال والمقاومة عنهم.

ونتيجة لرفض الأسرى لهذا الإجراء بحقهم، تم قمع وعزل العديد منهم على خلفية هذا الرفض. وهنا يجدر التأكيد على أن إدارة السجون لن تتراجع عن تطبيقه بسهولة إذا ما شعرت بأي ضعف أو تراخ في مواقف الحركة الأسيرة أو انقسام وخلاف واحتراب داخلي.

وأتبعت إدارة السجون هذا الإجراء بمحاولة جس نبض ثانية، وهي محاولة إلغاء زيارات الأسرى من خلال العرض على الأسرى المحرومين من الزيارات هم وأهاليهم الزيارة من خلال ما يسمى بنظام"الفيديو كونفرنس" كمقدمة في حال نجاح هذه الخطوة إلى إلغاء زيارات الأهل بشكل كلي وشامل وبما يفرض عزل كلي على أسرانا، ويمنع عنهم أي شكل من أشكال التواصل مع الخارج، ويجردهم من كل المشاعر والعواطف الإنسانية، وهذا الإجراء ترافق مع إجراء آخر، ألا وهو تقييد زيارات المحامين للأسرى، وعدم السماح بزيارة الأسير من أكثر من محام، على أن تتم الزيارة من خلال عازل زجاجي وحديث ليس مباشر بل وعبر هاتف يجري مراقبته، ويحظر على الأسير في المقابلة أن يأخذ معه أي ورقة أو قلم، ويلزم المحامي بعدم إدخال أي ورقة "كانتينا" للأسير أو كتاب وغيره.

إن ما يجري بحق أسرانا من قمع وإذلال وموت بطيء وقتل، يتطلب منا كسلطة وأحزاب وفصائل أن نولي هذه القضية الاهتمام الجدي والحقيقي، وعدم رهن مصير أسرانا والذي يوماً بعد يوم يزداد تحولهم من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين إلى نهج جربناه وخبرناه ولم ينجح في تحرير أي منهم، وفي ظل العقلية الإسرائيلية المشبعة بالغطرسة والعنجهية، ووضع الاشتراطات والتقسيمات والتصنيفات كشروط يجري بموجبها إطلاق أو عدم إطلاق سراحهم، فهذا أول ما يعنيه أن الاحتلال لا يريد أن يقفل هذا الملف بشكل جدي وحقيقي، بل يريد أن يخضعه إلى شروط وابتزاز وثمن سياسي، وهذا يعني بالملموس أنه على الطرف الفلسطيني المفاوض أن يصر على أن يطرح هذا الملف للتنفيذ وبحضور دولي وعبر جداول زمنية محددة، وبما يشمل كل أسرى شعبنا الفلسطيني ككل وليس أجزاء وتقسيمات وتصنيفات يفرضها الاحتلال، وبالذات أسرى الداخل والقدس يجب أن يكونوا على رأس الأسرى الذين يجب الإصرار على إطلاق سراحهم.

ويجب أن يترافق مع بحث جدي وحقيقي من قبل كل أحزاب وفصائل شعبنا عن طرق وخيارات أخرى تمكن من إطلاق سراح أسرانا من سجون الاحتلال بعزة وكرامة وبما يليق بهم كمناضلين.

التعليقات