31/10/2010 - 11:02

الخيار بين مشروع اقتصادي وهمي أو مشروع تحرير وطني../ عوض عبد الفتاح

الخيار بين مشروع اقتصادي وهمي أو مشروع تحرير وطني../ عوض عبد الفتاح
هل فلسطينيو الضفة الغربية أمام مرحلة ازدهار اقتصادي أم أمام انفجار شعبي محتمل؟ هل يكون مؤتمر فتح خدمة لمخطط التسوية، أم تجديد وإنبعاث لحركة تحرر وطني عريقة وعودة إلى الأيام الكفاحية الأولى لهذه الحركة كما تتوقع المخابرات الإسرائيلية؟

تصريحات مختلفة متناقضة صدرت هذا الأسبوع على لسان مسؤولين اسرائيليين كبار، من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، إلى رئيس المخابرات السابق، آفي ديختر، وغيرهم من المسؤولين وبعض أبواقهم الإعلامية، تدفعنا إلى طرح هذه الأسئلة والتساؤلات الهامة.

فقد نقلت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية إشادة نتانياهو بما يسمى بحدوث نمو بنسبة 7% في الإقتصاد الفلسطيني، وإشارته إلى حدوث انفراج في الحياة اليومية في هذه المنطقة الفلسطينية.

وبغض النظر عن صحة هذه النسبة التي شكك فيها مختصون اسرائيليون، وإن وافقوا على حدوث انفراج نسبي أو طفيف في بعض المدن الفلسطينية في الضفة، فإنهم حذروا من الأوهام، وقالوا إن هذا ليس إلا قشرة تخفي تحتها احتمالات الإنفجار القادم.

يتمسك نتنياهو بنظريته يُسميها بالسلام الإقتصادي ويعرض نموذج مدينة جنين على الإدارة الأمريكية كنموذج للتعاون الإقتصادي الإسرائيلي الفلسطيني الناجح كبديل عن الدولة الفلسطينية المستقلة..

يخطط لجنين منذ فترة لأن تصبح نموذجا لعموم الضفة، وأن تكون الأولوية للإقتصاد تحت قيادة سلام فياض والإشراف الأمريكي المباشر والتعاون الأمني الإسرائيلي.

ما هو نموذج جنين بالضبط، هل تذكرون من هي جنين. تـُعرف هذه المدينة بالوعي الشعبي، بمدينة الشهداء، بسبب العدد الكبير من المناضلين الشهداء الذين خرجوا منها أثناء الإنتفاضة الثانية وبفضل دورها الكبير في النضال ضد الإحتلال. في مقاومة العدوان الإسرائيلي على مخيمها عام 2002، سقط 56 شهيدًا. أما خسارة إسرائيل فكانت الأكبر في معركة واحدة – 23 جنديًا قتيلاً.

جنين اليوم، تُعرض من جانب إسرائيل كإختبار ناجح في عملية صنع السلام.

إن المقاتلين الذين جابوا شوارع المدينة في السابق تم تحويلهم (أو استبدالهم)، أو بعضهم، إلى قوات أمن مسلحة بأسلحة خفيفة، التي جرى تدريبها على يد الجنرال الأمريكي كيث دايتون. أما المخيم فقد جرت إعادة بنائه بأموال خليجية ولكن بشوارع واسعة وفق الشرط الإسرائيلي، بحيث تتسع لمرور دبابة اسرائيلية.

لقد بدأ رفع القيود عن جنين وإزالة الحواجز التي تفصل المدينة عن بقية الضفة في أيار من العام الماضي، أي ليس في زمن نتنياهو بل في زمن وزير الدفاع إيهود باراك الذي قال عنها أنها "نجاح عظيم".

هذا النموذج الذي تهدف إسرائيل منه إلى مقايضة التحرير والمشروع الوطني الفلسطيني المستقل، بانفراج اقتصادي لا يستسيغه عموم الشعب، وهو الذي يستنفز التيار الفتحاوي الواسع المناضل والذي يجاهد مؤخرًا إلى العودة إلى مشروع التحرير. هذا ما نلحظه منذ فترة طويلة وفي مداولات المؤتمر السادس المنعقد في بيت لحم.

ومن هنا جاءت حملة الهجوم من جانب مسؤولين اسرائيليين على قادة فتح الذين أدلوا بتصريحاتهم ومداخلاتهم، في الإعلام وداخل المؤتمر، التي قد ترسم الإتجاه القادم لحركة فتح. والذي قد يقلب مشروعهم رأسًا على عقب ويخربط حساباتهم إذا ما حدث التغيير المنشود داخل المؤتمر وما بعده، فيظهروا، أي الإسرائيليون، عراة تمامًا أمام المجتمع الدولي الذي إما دعمهم أو سايرهم أو نافق لهم. أي أنه لن يكون لديهم مشروع سياسي مقبول. بعد كل هذا العبث بقضية الصراع.

إن الإعلان الصريح من جانب قادة فتح عن العودة إلى الروح الكفاحية وإلى التخلي عن النهج الذي سارت فيه السلطة الفلسطينية، جاء بسبب الضرر الهائل الذي لحق، ليس فقط بحركة فتح، إنما بالحركة الوطنية الفلسطينية عمومًا وبمكانة القضية الفلسطينية التي تحولت بسبب هذا النهج من قضية تحرر وطني إلى قضية تسهيلات، وصراع من أجل إزالة حواجز والحصول على تصاريح للتنقل.

ومن الممكن جدًا وعلى خلفية هذه الإخفاقات والعناد الإسرائيلي أن يفوز التيار الساعي إلى تصويب المسار بأغلبية اللجنة المركزية، وهذا باعتقادي طموح عموم الحركة الوطنية الفلسطينية.

ستكون أمام هذا التيار أو أمام فتح المتجددة مهام عظام هي: أولاً حسم الموقف من السلطة الفلسطينية ومشروعها ونهجها الحالي؛ العلاقة مع حركة المقاومة حماس (والتي ينتظر منها مراجعة جدية لنهجها أيضًا)، وضع استراتيجية كفاحية موحدة ورشيدة توحّد الشعب خلفها؛ إعادة ترتيب العلاقة مع الكثير من القوى القومية والديمقراطية والعالم العربي؛ العمل على الساحة الدولية لمحاصرة إسرائيل وغيرها، وهذا بطبيعة الحال جزء من الإستراتيجية الوطنية الشاملة، وأخيرًا العلاقة الواضحة والتوجه بخصوص موقع فلسطينيي الداخل ومستقبلهم ودورهم في المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، ومن المفروض أن يشمل ذلك العلاقة مع قواهم السياسية ذات الأفق الوطني – القومي.

التعليقات