31/10/2010 - 11:02

الدولة اليهودية و"عودة" الأدمغة../ حنين زعبي

الدولة اليهودية  و
لم تعمد إسرائيل إلى محاولة تعريف مفهوم “دولة اليهود”، إلا عندما اضطرها حزب سياسي لذلك، وقد اضطرها ليس فقط إلى تعريف المصطلح، بل إلى تقليص تعريفه ضمن “حدوده الدنيا”، أملا في المصالحة (غير الممكنة) بين الديمقراطية وبين مفهوم الدولة اليهودية، حيث اعتمد التجمع على التناقض القائم بينهما.

وتكمن بعض مؤشرات هذا التحدي السياسي لنظام الدولة العنصري، في ارتباك النخب السياسية في إسرائيل في مواجهة الطرح السياسي لـ”دولة المواطنين”، حيث اضطر بعض القضاة والأكاديميين، إلى حصر عنصرية الدولة بقانون الهجرة، الذي يعطي مواطنة أوتوماتيكية لليهودي. أما فيما يتعلق بباقي الحقوق فهي متساوية للعرب واليهود معًا، أي، في اللحظة التي يتواجد فيها اليهودي والعربي، فإن الدولة الحنون لا تميز بينهما.

مؤخرًا، تم الكشف عن مخطط يهدف إلى “إستعادة” 700 “دماغ” خلال خمس سنوات، والحديث يدور عن 700 محاضر جامعي يتم توظيفهم في الجامعات والكليات الإسرائيلية، بتكلفة تبلغ 1.6 مليار شيكل، هذه التوصية قدمت للحكومة السايقة من قبل لجنةٍ وزاريةٍ، في الوقت الذي تقبع به نصف أكاديمياتنا في البيت، وفي الوقت الذي يوظف فيه أكثر من نصفهم الآخر، وأكثر من ثلث أكاديميينا في مهن غير ملائمة لقدراتهم/ن أو تخصصاتهم/ن.

توصيات اللجنة، التي أطلق عليها اسم „لجنة أورون” هي ليست الوحيدة من ضمن مخططات „استعادة” الأدمغة الإسرائيلية، فقد قرَّر المجلس القومي للبحث والتطوير في بداية سنة 2008، العمل على „استرجاع” علماء ومهندسين، من مجالات هندسة الكهرباء، الكيمياء العضوية، هندسة المياه وهندسة الآلات.

العديد من الوزارات، وعلى رأسها وزارة الإستيعاب، واللجان الوزارية تنخرط ضمن توصيات تهدف إلى الحفاظ على الإسرائيليين، وقد أقيم لهذا المخطط أكثر من لجنة وزارية، بعضها اهتم بـ”إرجاع” العلماء، وأوصت بإرجاع 800 عالم، وأكثر من 3 لجان وزارية أقيمت فقط في شباط من هذه السنة، اهتمت „باستعادة أكاديميين”، ودمجهم في ثلاثة قطاعات: القطاع العام (الذي تبلغ نسبة العرب فيه 6%)، القطاع الصناعي والقطاع الأكاديمي (الذي تبلغ نسبة العرب فيه 1-3%).

بالتالي قامت الدولة بالقفز عن ثلاث خطوات بديهية في الأنظمة الطبيعية، ألا وهي: توظيف المواطنين العرب العاطلين عن العمل في هذه المهن، أو إعادة تأهيلهم، وبالذات القريبة كفاءاتهم من المهن التي تعاني نقصًا في الأيدي العاملة، أو وضع خطط حكومية لتوجيه مهني للطلاب الثانويين العرب بحيث يسدون النقص المهني هذا، بدلا من تخريج أفواج من البطالة العربية.

وبدل من أن تعترف دولة المهاجرين برافعة للنمو الاقتصادي أسمها الرأسمال البشري العربي، فإنها تنخرط في محاولات عنصرية أخرى لجلب رأسمال يهودي، لأن الدولة اليهودية، هي ليست دولة يهودية لمرة واحدة فقط، بل هي دولة يهودية دائما، وفي كل ما تفعله.

بالتالي فإن دولة اليهود لا تعني “جلب” و”جذب” اليهود فقط، بل تعني أيضا، “الحفاظ” على هؤلاء اليهود لئلا يهربوا، والطريقة الوحيدة للمحافظة عليهم، هي توفير كل الشروط الحياتية المريحة لهم، من سكن، وتعليم وعمل وصحة وبيئة وترفيه، والطريقة الوحيدة لتوفير ذلك، ضمن دولة قليلة الموارد، هي مصادرة الموارد العربية من أرض وماء ومكان عمل، وتوفيرها لليهود، وبتوزيع مجحف فيما يتعلق بالموارد الأخرى، التي نقوم نحن العرب بتوفير جزء منها عن طريق الضرائب التي ندفعها.

“الدولة اليهودية – الديمقراطية”، كانت ستخصص مبلغ 1.6 مليار شيكل لإخراج العرب من بطالة قصرية أدخلتهم هي إليها، عمدًا وإهمالاً. لكن لا كيان يتنفس اسمه “دولة يهودية- ديمقراطية”.

دولة اليهود، لا تعني فقط الدولة التي تجلب اليهود، بل تعني أيضا الدولة التي تحافظ عليهم، أي التي تشعل أصابعها شمعًا، لكي تغريهم بالقدوم، والتي تشعل أصابع العرب وأياديهم لكي تغريهم بالبقاء.

التعليقات