31/10/2010 - 11:02

السياسة "متغيّر مالي" وتجسيد للموازنة../ خالد خليل

السياسة
مع نهاية العام 2009 صادق الرئيس أوباما على ميزانية المساعدات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية للعام الحالي 2010، وقد شملت هذه المساعدات بشكلٍ رسمي ولأول مرة السلطة الفلسطينية والتي سيكون نصيبها نصف مليار دولار (500 مليون دولار)، من ضمنها مئة مليون دولار لتدريب قوات الأمن الفلسطينية بواسطة الجنرال الأمريكي كيت دايتون.

وتفيد التقارير الأمريكية أنّ هذا الدعم مشروط بالتزام وزراء الحكومة الفلسطينية بشروط الرباعية الدولية المشكّلة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة وروسيا، وهذه الشروط تعني محاربة "الإرهاب" ونبذ المقاومة والاعتراف باسرائيل والالتزام بالاتفاقيات السابقة معها.

في الحقيقة إذا اتبعنا المقياس الاسرائيلي في حساب المقارنة، نجد أنّ السلطة الفلسطينية حازت على حصة مرتفعة من ميزانيات المساعدات الخارجية تكاد تصل إلى حوالي 60% مما حصلت عليه اسرائيل من حيث النسبة وعدد السكان، حيث ان 2،5 مليون نسمة في الضفة الغربية (دون احتساب غزة لأنّ هذه الأموال لا تصرف على القطاع)، يحصلون على نصف مليار فيما يحصل 7 مليون نسمة في إسرائيل على 2،77 مليار، واذا قارنا الموضوع مع مصر نجد انه بالنسبة لعدد السكان تحصل الحكومة المصرية على 5% مما تحصل عليه اسرائيل وأقل من 2% مما ستحصل عليه السلطة الفلسطينية.

واضح أن حجم الدعم الكبير للسلطة الفلسطينية مرتبط بحجم الانسجام الكبير بين مواقف السلطة وأمريكا والتزام الأولى بجميع الاملاءات التي فرضتها امريكا وهي بالأساس إملاءات أمنية وسياسية، وهو مرتبط أيضًا بضرورات ومستلزمات لا غنى عنها في بناء الكيان الفلسطيني القادر على حمل المشروع الأمني الأمريكي-الاسرائيلي في المنطقة، حيث يقع حل القضية الفلسطنية بهذا المعنى في صلب هذا المشروع الذي يشمل الشرق الأوسط برمته.

عندما أقرّت أمريكا الميزانية الأخيرة شكرها رئيس الحكومة سلام فياض قائلاً إن هذا التغير الامريكي تعبير عن ثقة الولايات المتحدة بالنظام المالي الفلسطيني، مشيرًا إلى أن هذه الأموال ستصرف في مشاريع بناء المؤسسات الفلسطينية تحضيرًا لإقامة الدولة خلال سنتين كما هو متفق.

نعتقد أن فياض صادق بما يقول، وأن أمريكا جادة بدعمه وواثقة كثيرًا في نظامه المالي، فهذه المؤسسة التي يبنيها فياض ومن ضمنها المؤسسة الأمنية التي تشرف عليها أمريكا مباشرةً، هي الضمان لتنفيذ المشروع المشار إليه.

وإذا كنا نعتبر من وجهة نظر الثوابت الفلسطينية المتعارف عليها منذ أيام منظمة التحرير عندما كانت ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطني، بأنّ العملية السياسية لا تنتج الا "أوهامًا"، فليس لنا أن نستنتج هذا الاستنتاج من وجهة نظر حكومة فياض، لأنّ هذه الحكومة باشرت فعلاً بتنفيذ مخطط إقامة "دولة فلسطينية" وفقًا لثوابتها هي، والتي قد تختلف مع الاسرائيليين في بعض النواحي التفصيلية، لكنها كما يبدو متفاهمة وتلتقي مع الأمريكان بصورة عامة وإجمالية، ومن ضمن ذلك التفاهم حول مسألة الحدود ليس من خلال التمسك بحدود الرابع من حزيران، وانما من خلال تبادل الأراضي بحيث تكون المساحة النهائية مساوية لمساحة الرابع من حزيران وبهذا تحل مشاكل بعض البؤر الاستيطانية التي يستحيل خروج إسرائيل منها، وحدود آمنة تسيطر عليها اسرائيل على امتداد الحدود الأردنية. كذلك فيما يتعلق بمسألة حق العودة والقدس من خلال حلول التفافية وجزئية تسمح بعودة لاجئين الى الضفة الغربية بأعداد محددة وتضع الأماكن المقدسة في القدس تحت إشراف دولي على أن تقام العاصمة الفلسطينية على أراض محاذية للقدس الشرقية، ويمكن اعتبارها في "البروتوكول" جزءًا منها.
ما يشدّ حكومة فياض في الواقع هو بناء مؤسسات الدولة والإعلان عنها بعد سنتين حتى وإن كانت منزوعة السلاح، إلا من سلاح الأجهزة الأمنية بالطبع.

المعيقات الرئيسية لمشروع فياض الأمريكي مرتبطة إلى حد معين بالحكومة الإسرائيلية الحالية التي تراجعت عن قسم من التفاهمات السابقة بين السلطة واسرائيل، وهذا ما يفسر التهديدات الناعمة لجورج ميتشل لإسرائيل بفرض عقوبات مالية عليها.

وقد تكون هذه المعيقات أكثر جدية وخطورة في حال إحراز تقدم في ملف المصالحة الفلسطنية، خاصة إذا كان من مترتبات هذا التقدم تشكيل حكومة وحدة وطنية حسبما جاء في الورقة المصرية للمصالحة. ومن هنا يفهم الرفض الأمريكي الحاد لهذه الورقة وعدم إدراج بعض التفاهمات التي تحصلت من خلال الحوار بين الأطراف الفلسطينية، والتي على ما يبدو جاءت بهدف الحؤول دون توقيع حماس عليها، حيث يعتقد أن توقيع حماس على ورقة المصالحة وإقامة حكومة وحدة فلسطينية سيحرج أمريكا التي تشترط دعمها للسلطة الفلسطينية وحكومتها بالاعتراف باسرائيل والموافقة على شروط الرباعية الدولية من قبل جميع الوزراء، وهذا ليس واردًا في حسابات حماس، رغم الحصار الخانق الذي تتعرض له في غزة.

ورغم اعتقادنا أن حماس ارتكبت خطأً تكتيكيًا بعدم التوقيع على المصالحة، إلا أنها حتى لو فعلت ذلك، فإنّ حكومة رام الله لن تكون معنية بانجاز هذه المصالحة على أرض الواقع وستختلق بإيعاز من أمريكا ألف ذريعة وذريعة لإفشالها، لأنه كما يقول المثل العبري الشعبي: "صاحب المال صاحب الرأي". ولعلّ الدعم الامريكي هو المبرر الأقوى لوجود حكومة فياض التي قررت أنه مع وبدون مفاوضات سوف تستمر ببناء "الدولة" من خلال هذا الدعم. وإلى أن يتم العدوان الجديد على غزة وفقًا لتهديدات العسكريين الإسرائيليين الأخيرة، لا مفر من الرهان على رد شعبي فلسطني قادم، ربما يشمل الضفة الغربية هذه المرة.

التعليقات