31/10/2010 - 11:02

العدوان والحصار مستمران../ راسم عبيدات*

العدوان والحصار مستمران../ راسم عبيدات*
قبل عام شنت إسرائيل على شعبنا في القطاع المحاصر عدواناً دام اثنين وعشرين يوماً، استخدمت فيه كل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، وقصفت ودمرت الكثير من الممتلكات من بيوت ومدارس ومشاف ودور عبادة وحتى المقرات الدولية لم تسلم من القصف والتدمير، وقتلت الكثير من السكان العزل من أطفال ونساء، وكان الهدف من هذا العدوان وفق روايتهم وقف إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية على البلدات والمستعمرات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، ولكن أهداف العدوان الحقيقية كانت كسر إرادة شعبنا هناك وكي الوعي الفلسطيني المقاوم، وترويض المقاومة الفلسطينية وحملها على القبول بالشروط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، وإنهاك شعبنا هناك وإضعاف روحه المعنوية، معتقدة أن الحصار السابق للعدوان بثلاثة سنيين سيلعب دوره وفعله في أن يقايض شعبنا حقوقه الوطنية ومقاومته، بالقضايا المعيشية والحياتية، وأن يدفع العدوان أهل القطاع وسكانه للثورة على المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية العدوان الإسرائيلي على القطاع، متناسية أن هذا الأسلوب قد جربته في حربها العدوانية على لبنان والمقاومة اللبنانية في تموز/2006، وكان مصيره الفشل. فلا الدمار الهائل في لبنان ولا التهجير نجحا في إثارة واستعداء اللبنانيين على المقاومة، بل لعب العدوان دوراً هاماً في تكاتف وتلاحم اللبنانيين وتوحدهم واصطفافهم خلف المقاومة اللبنانية، وكنا على شاشات التلفزة والفضائيات، نسمع من استشهد أبناؤهم ودمرت بيوتهم من اللبنانيين ،يقولون بصوت عال وغير متلعثم أو مرتجف، بأن كل ما حل بهم وحصل لهم فداء للشيخ حسن نصر الله وللمقاومة، أي لم يستسلم اللبنانيين ولم يرفعوا الرايات البيضاء.

وكذلك كان حالنا شعبنا المحاصر في قطاع غزة، والذي لا يمتلك من الإمكانيات والمزايا ما يمتلكه حزب الله، لا من سلاح ولا عمق جغرافي أو سياسي، اللهم من توحد في الإرادة وتصميم على الكفاح والمقاومة. وأنا متأكد أن ما تعرض له شعبنا من حصار سابق للعدوان، حصار لم نعرف أو نسمع لا في التاريخ القديم أو الحديث عن شعب أو قوم أو جماعة تعرضوا لمثل هذا الحصار، من حيث الشمولية وطول مدة الحصار والتعاون والتكالب والمشاركة في فرضه، فلا بني هاشم في بداية دعوة الرسول تعرضوا لمثل هذا الحصار، ولا شعبنا في العراق قبل الاحتلال، ولا حتى كوبا أو من بعدها كوريا الشمالية وإيران.

حصار بهذا الحجم والشمولية يحتاج إلى شعب من طراز خاص قادر على الصمود والمقاومة ومواصلة البقاء، شعب اجترح كل المعجزات من أجل يبقى صامداً ومصراً على تثبيت المقاومة كخيار ونهج وثقافة، وطريقاً للوصول إلى أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال، فحقوق الشعوب لا تعطى بل تأخذ وتنتزع وتعبد طريقها بالدماء والتضحيات.

صحيح أن شعبنا حتى اللحظة الراهنة لم ينجح في كسر الحصار، وحالة الانقسام الفلسطينية وغياب الإستراتيجية الموحدة تفعل فعلها في هذا الجانب، لجهة إطالة أمد الحصار، واستمرار تشرد أكثر من مئة ألف من أبناء شعبنا، ممن دمر العدوان منازلهم، وأجبرهم على المبيت في العراء، وكذلك عدم البدء في مشاريع الأعمار، والتي نرى أن هناك مؤامرة يشارك فيها أكثر من طرف وجهة فلسطينيين وعرب وقوى إقليمية ودولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والممثلة في اللجنة الرباعية، فالأنروا أحد أذرع الأمم المتحدة، تحت يافطة مساعدة أهل القطاع على تجاوز محنتهم وظروفهم الإنسانية الصعبة، عملت على إقامة أبنية من الطين المقوى لمن شردوا وهدمت بيوتهم، بما يفهم من ذلك آن أمد الحصار سيطول، وتشارك به الأمم المتحدة، والتي يفترض أن تكون حيادية، وأن تبادر إلى شن حملة قوية من أجل وضع حد له وإنهائه ،بدلاً من تنفيذ تعليمات الرباعية.

إذا العدوان والحصار على القطاع والمقاومة هناك سيستمران ويتواصلان بالوسائل العسكرية وغير العسكرية، والهدف من ذلك واضح تركيع وترويض المقاومة، وعدم تمكينها من أن تكون بؤرة ارتكاز لتطوير وتجذير المقاومة كنهج وخيار وثقافة على الساحتين العربية والفلسطينية.

ونحن نشهد حالياً أن هناك اعتداء جديد يشن على شعبنا في القطاع، اعتداء يهدف إلى إغلاق كل شرايين الحياة عن شعبنا ودفعه إما إلى الاستسلام أو حالة من الانتحار الجماعي، فالسور أو الجدار الحديدي والذي يقام على حدود القطاع مع مصر بعمق 30 متراً في الأرض، بأوامر أمريكية وإسرائيلية ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بحماية مصر لأمنها أو الدفاع عن حدودها، والذي يهدد أمن مصر وأمن كل الدول العربية، معروف لمصر وغيرها، وكذلك التصريحات الإسرائيلية المتكررة عن تعاظم قدرة حماس وفصائل المقاومة عسكرياً، وإدخالها لصواريخ تطال قلب مدينة تل أبيب، أو صواريخ مضادة للطائرات تهدد طائراتها السمتية المحلقة على ارتفاع منخفض في سماء القطاع، يجعلنا متيقنين أن الاحتلال يمهد لشن عدوان جديد على القطاع، فالاحتلال الإسرائيلي قي عدوانه على حزب الله ولبنان في تموز/2006، فقد قوة الردع وتمرغت هيبة جيشه في الوحل، وقوة الردع هذه والهيبة لم يجر استعادتهما في الحرب على المقاومة والقطاع في كانون أول/ 2008، ولا بد من حرب أو معركة جديدة تمكن إسرائيل من منع المقاومة أن تشكل أي خطر على أمنها ووجودها، وأيضاً زرع حالة من الإحباط واليأس عند الجماهير العربية بأن هذا الخيار والنهج غير مجد ولا يقود إلى تحرير الأوطان، بالإضافة إلى تعزيز دورها الإقليمي في أن تكون القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة، بعد أن تقوم بتصفية واجتثاث بؤر المقاومة في المنطقة، ممثلة في حزب الله اللبناني والمقاومة الفلسطينية وفي المقدمة منها حماس، كمقدمة لضرب إيران والحد من قدراتها العسكرية في أن تكون لاعب إقليمي فاعل يشكل خطر على إسرائيل وجوداً ودوراً في المنطقة.

وتواصل الحصار والعدوان على شعبنا يتطلبان من قوى وفصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطينية، وفي المقدمة منهما فتح وحماس ضرورة العمل بشكل جاد، بعيداً عن الخطب والشعارات، على إنهاء حالة الانقسام والانفصال القائمة والمعمقة للجرح الفلسطيني والمضعفة لوضعه الداخلي، وأيضاً في ظل استمرار الحصار والعدوان على شعبنا، ووصول خيار المفاوضات العبثية إلى الفشل الذريع، فلا خيار أمام كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني إلا تشكيل جبهة مقاومة موحدة، والتي يتطلب تشكيلها أن تعلن السلطة الفلسطينية انتهاء المرحلة الإنتقالية للحكم الإداري الذاتي وما ترتب عليها من التزامات، وكذلك على حماس أن تفسح المجال أمام ألوان الطيف السياسي الفلسطيني لمشاركة حقيقية في إدارة شؤون القطاع، والعمل والبحث عن طريقة وآليات لإعادة أعمار ما دمره الاحتلال بالمنطق الشمولي، وبلجنة عمادها القوى الوطنية والإسلامية وليس وكالة الغوث لوحدها.

صحيح أن العدوان على غزة لم يحقق أهدافه، ومهام العدوان لم تنجز، ولكن الأهم من ذلك أن يعاد ترتيب البيت الفلسطيني وردم كل الثغرات التي ينفذ منها الأعداء لهدم هذا البيت، وعماد ذلك هو الوحدة الحقيقية بالممارسة والفعل وليس القول والشعار.

التعليقات