31/10/2010 - 11:02

الغارة الأمريكية والمصالحة اللبنانية../ معن بشور

الغارة الأمريكية والمصالحة اللبنانية../ معن بشور
حدثان هامان جمعهما يوم واحد...
أولهما هو الغارة الجوية الأمريكية على منطقة البوكمال الحدودية السورية – الأمريكية ، وثانيهما هو لقاء المصالحة الذي انتظره اللبنانيون خصوصاً، وأهل المنطقة عموماً، بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري..

الحدث الأول ينتمي الى مرحلة تحزم حقائبها للرحيل مع إدارة أمريكية تغادر البيت الأبيض وهي محاصرة بفشل سياسي وعسكري واقتصادي وأخلاقي قل نظيره، وبإخفاق داخلي وخارجي لم تشهده الولايات المتحدة من قبل، وهو فشل جعل من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الرئيس الأقل شعبية في تاريخ "الدولة العظمى" منذ عقود..

أما الحدث الثاني فمرشح لأن ينتمي إلى مرحلة جديدة عنوانها التماسك الوطني وإسقاط مشروع الفتنة السنية – الشيعية الذي بات، مع فتن أهلية مماثلة، دينية وعرقية، الاحتياطي الاستراتيجي الذي تستخدمه حكومتا تل أبيب وواشنطن للانتقام من مقاومة هزمت الاحتلال والحرب الصهيونية على لبنان، وأخرى أجهضت اندفاعة الحرب والاحتلال الأمريكية في العراق، ومعهما مقاومة هزت دعائم المشروع الصهيوني داخل فلسطين.


وقد يكون للغارة الأمريكية على سوريا أكثر من تفسير، تارة يربطها بتعثر الاتفاقية الأمنية التي تريد إدارة بوش أن تفرضها على العراق، وتارة أخرى بالسباق الانتخابي المحتدم في واشنطن حيث لم يبق لماكين، مرشح بوش وحزبه الجمهوري، من أجل تغيير اتجاه السباق الحالي سوى لفت الأنظار نحو السياسة الخارجية وقضية الأمن القومي الأمريكي على حساب الحديث عن أزمة مالية غير مسبوقة تفتح الاقتصاد الأمريكي، بل والعالمي، على ركود كبير.

لكن الأكيد أن هذه الغارة جاءت متأخرة أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وتحديداً متأخرة عن زيارة كولن باول الى دمشق في نيسان 2003 حيث حمل شروطه المعروفة الى القيادة السورية، والتي ترجمتها فيما بعد واشنطن سياسات وإجراءات وحملات ضد سوريا في لبنان، لكنها لم تستطع ترجمتها في دمشق، علماً أن باول نفسه، فيما بعد، قد أعلن عن ندمه على سياسة إدارته أكثر من مرة، وبأكثر من وسيلة، وآخرها خروجه عن الصف الجمهوري وإعلانه التأييد لاوباما الديمقراطي.

وقد يكون لقاء المصالحة بين نصر الله والحريري قد جاء ايضاً متأخراً، أكثر من عامين ونصف، لكن الأكيد أن هذا اللقاء مرشح لا لإخراج لبنان من مناخ فتنة كاد يسقط فيها في أكثر من مناسبة فحسب، بل مرشح أيضاً لإطفاء حريق يحاولون إشعاله في المنطقة بأسرها من لبنان الى الهند وباكستان مروراً بالعراق، حيث الساعون لإشعال هذا الحريق يعتمدون كل الوسائل، ويستخدمون كل الإمكانات في خدمة مخططاتهم.

وبهذا المعنى لا يستبعد المحللون الإستراتيجيون أن تكون للغارة الأمريكية على سوريا أهدافها اللبنانية أيضا، وربما توقيتها اللبناني، وهي أهداف تتلخص برفع معنويات المحبطين من تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة والعالم، وبالتالي بتعطيل أي مصالحات لبنانية – لبنانية وفي طليعتها المصالحة بين حزب الله وتيار المستقبل على طريق تضميد الجراح المتبادلة.

لذلك فالطريقة التي يمكن أن يترجم فيها اللبنانيون إدانتهم شبه الاجماعية للعدوان على سوريا يتلخص اليوم بتصميمهم على الإجهاز على جذور الفتنة التي لو اشتعلت مجدداً لأدت الى خسارة لبنانية كاملة كما الى خسارة سورية وعربية إلى حد كبير.

وإذا كانت هناك أطراف من هنا أو هناك تخشى، بسبب حسابات ضيقة، على أن تدفع ثمن هذه المصالحة التاريخية من مصالحها الصغيرة، فإن الجميع يدرك أن إفشال مفاعيل هذه المصالحة، أو تعطيل مسارها، أو تقويض نتائجها المرتقبة، سيدفع ثمنه الجميع لأنه حين يخسر لبنان كله سيخسر اللبنانيون بأسرهم.

وإذا كان الرد على الغارة الأمريكية على مزرعة السكرية في قضاء البوكمال السوري، هو مسؤولية عربية وإسلامية ودولية بقدر ما هو مسؤولية سورية، فإن حماية مناخ المصالحة بين حزب الله وتيار المستقبل هو مسؤولية لبنانية بالدرجة الأولى، مسؤولية تستدعي تغييراً جذرياً في الخطاب السياسي والإعلامي السائد، ومراجعة جذرية للسلوك الميداني المعتمد، وتراجعاً صريحاً عن نهج الإقصاء والاستئثار، وارتقاءً حقيقياً بالعلاقات بين الأطراف اللبنانية بعد تنقيتها من الشوائب العديدة العالقة بها، وانتقالاً بالأجواء الايجابية من القيادات الى القواعد الشعبية، بل انتقالاً بها من أقطاب السياسة اللبنانية الى ركائز السياسة العربية الراهنة، وفي الأجواء ما يبشر بذلك، خصوصاً، أن الغارة الأمريكية على سوريا يمكن أن تكون فرصة للإعراب عن تضامن عربي شامل مع دمشق، بل ربما لعقد قمة عربية جامعة في العاصمة السورية.

فهل ننجح في محاصرة مفاعيل الغارة الأمريكية، وصون الأمن القومي العربي بعد زمن طويل من الاستهانة به؟
وهل ننجح في تحقيق مراجعة ومصارحة تصونان المصالحة اللبنانية؟
بل هل يمكن للبنان أن يتحول من ميدان تشتعل فيه حرائق إقليمية وعالمية على حساب أهله، إلى رسالة تواصل وتصالح تساعد الأشقاء والأصدقاء على تخطي أزمات وتوترات خطيرة دفعت امتنا أبهظ الأثمان بسببها؟

أسئلة ليست بحاجة إلى أجوبة بقدر ما هي بحاجة إلى إدراك حقيقي للمتغيرات من حولنا فنتعامل معها دون مكابرة، وإلى جهد استثنائي نبذله دون تردد على كل صعيد، وإلى تصميم لا تعيقه مصالح آنية، وعصبيات قاتلة، وانفعالات مدمرة.

التعليقات