31/10/2010 - 11:02

المبادرة العربية: تعديل مش تنازل!../ راسم عبيدات*

المبادرة العربية: تعديل مش تنازل!../ راسم عبيدات*
.....المعلومات الواردة تقول بأن معسكر الاعتدال العربي، يستعد لطرح تعديلات على المبادرة العربية للسلام، تلك المبادرة التي تم إقرارها واعتمادها في قمة بيروت 2002. ومنذ ذلك التاريخ أضحى حال تلك المبادرة كحال النعش الطائر، حيث يجري ترحيلها من قمة لأخرى، وإسرائيل تركلها طولاً وعرضاً، بل، وإمعانا في إذلال وتحقير طارحيها، فهي لم تكتف برفضها نظرياً والقول بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، بل داستها الدبابات الإسرائيلية في اجتياح الضفة عام 2002 ومحاصرة الرئيس الشهيد أبو عمار في المقاطعة برام الله، ومن ثم في الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على لبنان والمقاومة في تموز/2006، ولم يترك العرب عاصمة أوروبية أو حجيجا للبيت الأبيض إلا واستجدوا أمامه قبول إسرائيل لهذه المبادرة. ومن قمة لأخرى كان يتم الهبوط بسقفها حتى توافق إسرائيل عليها.

ولعل آخر هذه التنازلات كانت في قمة الدوحة الأخيرة، حيث لم يتم ربط حق العودة للشعب الفلسطيني وفق الإطار والمرجعية القانونية الدولية قرار 194، وفي ذروة الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومواصلة حصاره وتجويعه في كانون أول/2008، اشتد الجدل حول تلك المبادرة تسحب أو لا تسحب من التداول، وخلص العرب إلى استمرار طرحها ولكن؟، والجميع يدرك أنه بدون أن يكون هناك قوة تدعم هذه المبادرة وبدون أن يكون لها أنياب، تجبر الآخرين على قبولها، فالأمر يصبح سيان في سحبها أو عدمه.

ومن الهام جداً أنه في كل ما يطرح من مبادرات وتصورات للحل فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، ومهما كان شكل ونوع المبادرة المطروحة والجهة الطارحة، فإن العرب كانوا الجهة التي يطلب منها الهبوط بسقفها والقبول بها، أما الإسرائيليون فهم المالكون لحق الرفض والتعديل والشطب، فخارطة الطريق وضعوا عليها 14 تعديلاً وتحفظاً، أما العرب فلا حول لهم ولا قوة سوى أدعية العاجزين والتوسل أمام العواصم الدولية ومقرات المم المتحدة.

واليوم بعد تشكل حكومة مغرقة في اليمينية والتطرف في إسرائيل، والتي قالت بشكل واضح لا يقبل التأويل أنها ترفض فكرة حل الدولتين، وأقصى ما تعرضه هو حكم ذاتي للشعب الفلسطيني. ونصحت أمريكا حلفاءها من معسكر الاعتدال العربي، بأنه من أجل كبح جماح الحكومة الإسرائيلية والتخفيف من تطرفها، فلا بد من إجراء تعديلات على المبادرة العربية، تحشر هذه الحكومة في الزاوية وتجعلها تقبل بالمبادرة العربية اسماً أو الإسرائيلية مضموناً.

وقبل الشرح والتفصيل يجب أن يكون واضحاً، وأن تزال الغشاوة عن أعيننا كعرب وفلسطينيين، بأنه لا يوجد ما يسمى باليسار الإسرائيلي، وهذا ليس تجنيا على الواقع أو رؤية غير واقعية أو مسقطة، بل هذه حقائق دامغة فكل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ ما سمي بمؤتمر مدريد للسلام وحتى الحكومة الإسرائيلية المشكلة الآن، جميعها متفقة في الاستراتيجي، ومختلفة في بعض التفاصيل والجزئيات واللغة والمفردات. ولم تأت أية حكومة إسرائيلية لتعترف بالحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فمن "معشوقة" الزعامات العربية تسفي ليفني إلى "حمامة السلام"شمعون بيرس والذي يجوب العواصم الأوروبية ليروج لحكومة نتنياهو وعدم تعارض الاستيطان مع السلام، هناك اتفاق على مشاغلة ومفاوضة العرب والفلسطينيين أطول مدة ممكنة دون منحهم أية تنازلات لها علاقة بالحقوق والأرض.

والمأساة هنا أن عرب الاعتدال مطلوب منهم تقديم تعديلات عليها، وهذه التعديلات التي تمس جوهرها ومرتكزا أساسيا من مرتكزات البرنامج الوطني الفلسطيني، ألا وهو حق العودة والمطلوب شطبه من المبادرة، لا يضعها موضع التنفيذ، أو لا يشترط مقابل ذلك شروع إسرائيل بتفكيك المستوطنات، ووقف كافة ممارسات وإجراءات التهويد والأسرلة في القدس، بل إسقاط حق العودة مقابل أن تقبل إسرائيل بحل الدولتين، ودون تحديد لحدود وماهية الدولة الفلسطينية. وبعد عرض المبادرة العربية بصورتها المعدلة، وحتى لا تسقط الحكومة الإسرائيلية وحتى يستطيع نتنياهو إقناع الإسرائيليين وشركاءه بالحكومة من"إسرائيل بيتنا" و"شاس" وغيرهم بالمبادرة العربية، فلا بد من إخراج القدس من تلك المبادرة وكذلك بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى بيد إسرائيل، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وتستجيب لمصالح إسرائيل الأمنية، بالإضافة إلى تعهد واضح بأن لا يقف على رأس تلك الحكومة الفلسطينية أي فصيل من فصائل المقاومة، وغير ذلك من الشروط والإملاءات.

ودعني أقول هنا أليس حالة الذل والهوان تلك، نتيجة طبيعة ومنطقية لحالة الانهيار والضعف العربي، والتي رهنت كل خياراتها وحقوقها لنهج تفاوضي ثبت عقمه وفشله بالملموس، أليس بنا بدلاً من أن نطارد ونحاصر قوى المقاومة أن نطلق يدها، ومن لا يريد أن يقاوم فعلى الأقل فليكف يده عن المقاومة.

ألم نسأل أنفسنا لماذا أمريكا تهاب إيران وتقدم لها التنازل تلو التنازل، من أجل إيجاد حلول ومخارج لسعيها إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ولماذا يصف شخص مثل طيب رجب أردغان عدوان إسرائيل على شعبنا بجرائم حرب، وينسحب من مؤتمر "دافوس" الاقتصادي احتجاًجاً على تفوهات "بيرس" بحق شعبنا الفلسطيني، وتبريره للجرائم التي ارتكبها جيشه بحق الأطفال والنساء.

والجواب هنا معروف أن تلك القيادات مدعومة جماهيرياً وتعبر عن إرادة شعوبها، وهي تطلق العنان للحريات الديمقراطية، ولا تنهب خيرات وثروات شعوبها، بل تعمل على توزيعها بشكل عادل، وهي تبني جيوشها وقواتها، ليس لقمع جماهيرها، والاستعراض وحمل الرتب والنياشين الوهمية، بل من أجل الدفاع عن أوطانها والتحول إلى قوى إقليمية فاعلة في المنطقة والشأن الدولي.

إن هذه المبادرة والتي أضحت كالنعش الطائر، ترحل من قمة إلى أخرى، ويجري الهبوط بسقفها تحت شعارات الاعتدال والواقعية، من أجل أن تقبل إسرائيل لا بتنفيذها، بل بالتفاوض حولها، يجعلنا نقول أن دفن هذه المبادرة أفضل من استمرار اجترار الحديث حولها، وكأنها كما يقول المأثور الشعبي "بدها تجيب الذيب من ذيله"، فالمبادرة بدون قوة تسندها تصبح كما قال عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شارون لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، وحتى يصبح حبرها غالياً وكاتبيها يحسب لهم ألف حساب، فعليهم أن يبنوا ويتجهوا إلى خيارات أخرى أثبتت فاعليتها وجدواها في الميدان، وتاريخ كل الشعوب من القدم وحتى الآن لم يعرف أن شعوباً استرجعت حقوقها واستردت أوطانها بالمفاوضات فقط.

التعليقات