31/10/2010 - 11:02

المجرم والضحية/ د. محمود محارب

المجرم والضحية/ د. محمود محارب
ستشهد الاسابيع القليلة القادمة اهتمامًا من قبل العواصم الهامة ووسائل الاعلام المحلية والدولية، بفك الارتباط الاسرائيلي من داخل قطاع غزة. وستبرز وسائل الاعلام مظاهرات المستوطنين ضد الانسحاب من قطاع غزة لكون الكاميرات تهتم دومًا بـ»الاكشن»، حتى وان جاء على حساب المضمون وسياق الانسحاب وأهدافه .

وسيصل الاهتمام الاعلامي الى ذروته عندما تقوم قوات الامن الاسرائيلية بنقل المستوطنين الاسرائيليين من قطاع غزة الى اسرائيل. وربما تكون هناك مفاجآت من الدراما المنظمة لاستدراج المراسل الكسول آو الجاهل لاستعماله مطية لاستدرار عطف المشاهد.

وقد اعد جيش الاحتلال الاسرائيلي خطة اعلامية لجذب اهتمام العالم عبر تسليط عدسات الكاميرا الاسرائيلية على «معاناة» المستوطنين الاسرائيليين جراء «اقتلاعهم» من ناحية، وابراز «معاناة» جيش الاحتلال الاسرائيلي وهو يقوم «بحنان وألم ودموع»، بنقل المستوطنين، ليثبت مقولة شارون عن «التضحيات الكبيرة» التي ستقوم بها اسرائيل. أما ضحية الاحتلال والاستيطان الذين عانوا من جراء الاحتلال ما لم يعانيه شعب آخر في العصر الحديث من جرائم الاحتلال الاسرائيلي وجرائم مستوطنيه القتلة، فلا مكان لهم في الصورة.

يصعب أن نجد على وجه البسيطة تجمعات منظمة من المجرمين والقتلة بالقوة، كما نجدها في المستوطنات الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة. ويصعب علينا آن نجد مخلوقات بشرية في هذا العصر، التي تنفي الآخر كلية، وتنفي حقه في البقاء في وطنه وحقه في الحياة والحرية والتملك والحركة مثل المستوطنين الكولونياليين الاسرائيليين.

ومن غير المتوقع ان تبرز وسائل الاعلام سواء الاجنبية أو العربية جرائم الاحتلال والمستوطنين وكيفية استيلائهم على الارض وقتلهم بدم بارد الفلسطينيين وكيفية استغلالهم في مستوطناتهم الكولونيالية العمال بظروف عبودية.

من ناحية، سيستثمر شارون صور «معاناة» المستوطنين، الذين مولت وتمول الدولة الاسرائيلية مظاهراتهم، من اجل خلق رصيد سياسي له للمضي قدمًا في تنفيذ استراتيجته، فخطة فك الارتباط من قطاع غزة، من جانب واحد، تندرج في استراتيجية شارون الهجومية، التي تسعى الى فرض حدود اسرائيل بالقوة من جانب واحد على الشعب الفلسطيني، عبر سياسة الامر الواقع في تعزيز الاستيطان في الضفة الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس المحتلة.

ويشتق شارون موقفه من القيادة الفلسطينية ليس من موقفها من الانسحاب الاسرائيلي من داخل قطاع غزة، وانما من موقفها من استراتيجيته الشاملة الهادفة الى ضم أكثر من خمسين بالمئة من مساحة الضفة الفلسطينية المحتلة، وخنق الفلسطينيين وحبسهم خلف كتل استيطانية واسوار لها بوابات يوصدها متى يشاء.

ومهما فعلت القيادة الفلسطينية ومهما ابدت حسن النية للعمل على مساعدة شارون في تنفيذ اجراءات الانسحاب من قطاع غزة، وفق شروطه فستبقى القيادة الفلسطينية، وفق شارون «غير ذي صلة» و «ضعيفة» وسيستمر شارون في تبني مقولة عدم وجود شريك فلسطيني. فالشريك الفلسطيني في عملية السلام بالنسبة لشارون هو الذي يلغي اهدافه في التحرر وازالة الاحتلال والاستيطان عن المناطق المحتلة في العام 1967 ويقبل باملاءات شارون.

لقد اعاد شارون اسرائيل، في حقيقة الامر، الى موقفها التاريخي التقليدي من الشعب والقيادة الفلسطينية، والرافض الاعتراف بالشعب الفلسطيني وقيادته بالرغم من كل المرونة التي تبديها القيادة الفلسطينية، كطرف يتوجب التفاوض معه.
فهل تدرك الحركة الوطنية الفلسطينية ذلك وتضع استراتيجية تتناسب مع التحدي؟

التعليقات