31/10/2010 - 11:02

النفط في أفريقيا محور متجدد في اهتمامات السياسة الأميركية../ خالد عبد المجيد*

النفط في أفريقيا محور متجدد في اهتمامات السياسة الأميركية../ خالد عبد المجيد*
يعتبر النفط أحد محددات السياسة الخارجية الأميركية بالنظر إلى كونه سلعة استراتيجية، إضافة إلى تأثير شركات النفط الأميركية صانع القرار في واشنطن مراعاة لمصالحها. ويُنظر إلى النفط في الولايات المتحدة على أنه عامل مهم في تفوق الأمم، وعامل رئيس في تحقيق الأمان، إلى جانب كونه عصب الحضارة. وهناك قناعة بأن «حدود الولايات المتحدة تمتد حتى آخر بئر نفط في الشرق الأوسط»‏، كما قال الرئيس هاري ترومان في أربعينات القرن الماضي.

تحتل القارة الأفريقية موقعاً مهماً في خريطة النفط العالمية، إذ بلغ إنتاجها اليومي نحو 10.282 مليون برميل عام 2005، بنسبة 12.1 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي الذي بلغ نحو 84.615 مليون برميل يومياً في العام نفسه، أما احتياطات القارة فقد ارتفعت من نحو 100 بليون برميل عام 2005 إلى 102 بليون برميل عام 2006 لتصل إلى 114 بليون برميل بحسب تقديرات كانون الثاني (يناير) 2007.

ويتركز إنتاج النفط الأفريقي في دول تأتي في مقدمها نيجيريا المنتج الأكبر للنفط في القارة، إذ بلغ إنتاجها عام 2005 نحو 2.630 مليون برميل يومياً، بينما بلغ احتياطيها النفطي في العام ذاته نحو 35.255 بليون برميل مرتفعاً في كانون الثاني 2007 إلى 36.220 بليون برميل. وإلى جانب نيجيريا وصل إنتاج غينيا الاستوائية إلى نحو 396.14 ألف برميل يومياً عام 2005، أما الاحتياطي الغيني فبلغ في كانون الثاني 2007 نحو 1.1 بليون برميل وان كانت بعض المصادر ترفع هذا الرقم إلى بليونين برميل.

وتلي غينيا الغابون التي بلغ إنتاجها النفطي عام 2005 نحو 266.04 ألف برميل يومياً بينما انخفض الاحتياطي الغابوني في كانون الثاني 2007 إلى بليوني برميل بعد أن كان 2.499 بليون برميل في عامي 2005 و2006. أما الدولة الرابعة الأكبر فهي أنغولا التي وصل إنتاجها عام 2005 إلى 1.054 مليون برميل يومياً، بينما وصل الاحتياطي الأنغولي من النفط عام 2005 إلى 5.414 بليون برميل مرتفعاً إلى 8 بلايين برميل في كانون الثاني 2007.

ويعتبر السودان من الدول المهمة في مجال النفط الأفريقي، إذ تطور انتاجه من نحو 271.88 ألف برميل يومياً عام 2003 إلى 352.33 ألف برميل يومياً عام 2005، فضلاً عن أن احتياطه شهد طفرة حقيقية إذ ارتفع من نحو 563 ألف برميل عامي 2005و 2006 إلى 5 بلايين برميل في كانون الثاني 2007.

وإضافة إلى هذه القدرات الإنتاجية الواعدة يمتلك النفط الأفريقي مجموعة من السمات قد لا توجد في نفط مناطق أخرى, ما يجعله محل تنافس، ومن بين هذه السمات وقوع معظم النفط الأفريقي في عرض البحار (أوف شور) ما يجعله في منأى عن اللااستقرار السياسي، وقربه من الولايات المتحدة، إذ أن الساحل الغربي لأفريقيا على مسافة قريبة نسبياً من الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وهو ما يوفر ميزة نسبية. كما أن لحقول النفط الافريقية الواعدة منافع سياسية أكيدة، إذ أن الدول الإفريقية كافة، باستثناء نيجيريا، لا تنتمي إلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك) التي تعمل على التحكم في أسعار النفط العالمية، إضافة إلى أنه عالي الجودة والنوعية وخصوصاً لجهة احتوائه على نسبة ضئيلة من الكبريت.

ويحظى النفط الأفريقي بأهمية كبيرة لدى الولايات المتحدة, إذ اعتبر والتر كانشتاينر، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية السابق أن نفط القارة السوداء «بات يشكل مصلحة قومية استراتيجية بالنسبة الى الولايات المتحدة»، وهو ما أكده أد رويس السيناتور الجمهوري رئيس اللجنة الفرعية التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الذي اعتبر أنه «بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، يجب التعامل في موضوع النفط الأفريقي على أنه أولوية بالنسبة الى الأمن القومي».

وأكد تقرير صدر عن الكونغرس أن خليج غينيا المملوء بالنفط بين أنغولا ونيجيريا منطقة اهتمام حيوي للولايات المتحدة، وفي هذا الإطار أكدت تقارير أن النفط الأفريقي يمثل أولوية للأمن القومي الأميركي، وأنه ضرورة قومية للولايات المتحدة ويعطي الفرصة لتنويع مصادر الطاقة في ظل المناخ السياسي غير المستقر في مناطق مهمة في العالم، ومن ثم ينبغي وضع سياسة أميركية جديدة للطاقة في القارة.

وتوفر القارة الأفريقية نسبة مهمة من الاحتياجات النفطية الأميركية، ويبدو أن هذه النسبة في ارتفاع مستمر، إذ تستورد الولايات المتحدة حالياً نحو 15 في المئة من نفطها من الدول الأفريقية وفي مقدمها نيجيريا وأنغولا والغابون وغينيا والكونغو وبرازافيل، ومن المرجح أن يرتفع هذا الرقم في السنوات المقبلة إلى نحو 25 في المئة بحسب ما أشارت تقارير عدة.

واستخدمت الولايات المتحدة مجموعة من الأدوات من أجل تأمين النفط الأفريقي وضمان تدفقه إليها من دون عقبات أو مشاكل، خصوصاً مع وجود تهديدات متزايدة يتعرض لها هذا النفط، لأسباب داخلية وخارجية، والتنافس الدولي الشرس على موارد النفط والغاز الطبيعي في أفريقيا، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ثلاث أدوات رئيسة هي:

الأداة الأولى هي العمل من أجل تسوية النزاعات وإنهاء الاضطرابات الداخلية، إذ عملت الإدارة الأميركية على منع الصراعات وإنهاء بعض النزاعات القريبة من مناطق استراتيجية لحقول النفط، كما حدث في أنغولا 2002، والأزمة الليبيرية 2003، وتدعيم مفاوضات السلام في السودان (خلال عام 2003)، وتأييدها اتفاق السلام في بوروندي (2003). كما لعبت الشركات الأميركية دوراً في احتواء الاضطرابات الطائفية في الشمال النيجيري في عامي 2001 و2002 من أجل الحفاظ على مصالحها النفطية، كما ضاعفت الإدارة الأميركية مساعداتها لنيجيريا من 10 إلى 40 مليون دولار ما بين مساعدات اقتصادية وفنية وعسكرية.

وتتمثل الأداة الثانية في الوجود العسكري لتأمين منابع النفط وضمان تدفقه إليها. وفي هذا الصدد ورد في «استراتيجية الطاقة القوميةNational Energy Policy «أو ما يعرف بـ «تقرير تشيني Cheney Report» ما يشير إلى ضرورة أن تكون هناك قواعد عسكرية على رأس منافذ النفط في العالم بدءاً من كازاخستان، وانتهاء بأنغولا.

في هذا الإطار توجد قوات أميركية في الساحل الغربي لأفريقيا بغرض تأمين أنابيب النفط «تشاد – الكاميرون». وحصلت واشنطن على إذن باستخدام الأجواء الأريترية، وأرسلت قوات أميركية من مختلف التخصصات إلى نيجيريا منذ مطلع نيسان (أبريل) من عام 2001، وتم إرسال نحو 1800 من افراد القوات الخاصة إلى القاعدة العسكرية الأميركية في جيبوتي في تشرين الأول (أكتوبر) 2003.

إلى جانب ذلك خصصت الولايات المتحدة نحو 65 مليون دولار للقيام بالتدريبات العسكرية في مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا عام 2004، وأنشأت قاعدة أمامية قتالية جديدة فى إثيوبيا، وقامت قواتها بمناورات عسكرية بحرية في خليج غينيا في كانون الثاني 2005، كما أجرت مناورات أخرى مشتركة مع قوات 8 من دول شمال غربي أفريقيا خلال شهر حزيران (يونيو) من العام ذاته. ويضاف إلى ذلك بناء مطار «روبرتسفيلد» الدولي في ليبيريا الذي يستخدم كقاعدة رئيسية لإعادة تموين الطائرات العسكرية الأميركية بالوقود في المحيط الأطلسي، وأخيراً إنشاء قيادة عسكرية أميركية جديدة للقارة الأفريقية (أفريكوم).

أما الأداة الثالثة فهي تقديم الدعم إلى الدول النفطية الأفريقية، وفي هذا الصدد زار الرئيس جورج بوش خمس دول أفريقية في تموز (يوليو) 2003. كما زار وزير الخارجية السابق كولن باول في العام 2003 الغابون. وأعادت واشنطن فتح سفارتها في غينيا الاستوائية بعد أن أغلقت في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون لأسباب تتعلق بالموازنة. وزار جون نيغروبنتي نائب وزيرة الخارجية أربع دول أفريقية هي السودان وتشاد وليبيا وموريتانيا ما بين 11 و19 نيسان 2007. وأخيراً جولة الرئيس بوش الثانية التي شملت خمس دول هي بنين وتنزانيا ورواندا وغانا وليبيريا من 15 إلى 21 شباط (فبراير) 2008.

إضافة إلى ذلك قدمت الولايات المتحدة دعماً اقتصادياً مهماً لدول القارة إذ تلقت صناعة الغابون النفطية دعماً من شركة «أميرادا هيس» الأميركية، وضخت شركات النفط الأميركية 18 بليون دولار بين عامي 2000 - 2004، بهدف الوصول بالإنتاج الأنغولي من النفط إلى 3.2 مليون برميل يومياً. وسعت أميركا الى تطوير حجم التجارة مع القارة الذي بلغ خمسة بلايين دولار عام 2004، كما رفعت من مساعداتها لأفريقيا جنوب الصحراء في عام 2003 لأكثر من 4.6 بليون دولار أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما قدمت عام 2001.

ويمكن القول إن القارة الأفريقية ستلقي المزيد من اهتمام صانع القرار الأميركي في ظل الإدارة الجديدة سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية، خصوصاً مع ازدياد حجم الإنتاج الأفريقي من النفط. ومن هنا لن يكون غريباً أن نشهد المزيد من الوجود الأميركي العسكري والسياسي والاقتصادي في القارة، ما يعني في التحليل الأخير ازدياد حدة التنافس وربما الصراع الدولي حول أفريقيا.
"الحياة"

التعليقات