31/10/2010 - 11:02

اليوم الثالث عشر للعدوان على غزة../ مصطفى إبراهيم(غزة)*

اليوم الثالث عشر للعدوان على غزة../ مصطفى إبراهيم(غزة)*
في اليوم الثالث عشر للعدوان الإسرائيلي تمكن أولادي من الاستحمام. هكذا أبلغت العديد من الأصدقاء، فهو خبر يستحق أن يزف. وأخبرت أولادي كيف كانت والدتي تشعل وابور الكاز لتسخن الماء لنستحم عندما كنت طفلاً في سبعينات القرن الماضي، وكم كنا سعداء بذلك. فأولادي استطاعوا الاستحمام بعد ثلاثة عشر يوما، لكني أكاد اجزم أن معظم سكان مدينة غزة وشمالها لم يستطيعوا الاستحمام بعد، حيث لا تصل المياه بيوتهم، هذا عدا عن أولئك المحاصرين داخل الخطوط الأمامية من المعارك ويتعرضون للقتل والذبح داخل بيوتهم جراء فشل قوات الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي نصر عسكري ضد المقاومة. لكن علينا أن نتذكر أن الاستحمام يبدو تافهاً أمام ما يجري بالطبع.

في اليوم الثالث عشر للعدوان بدأت أخبار الفاجعة الإنسانية لمقتل أم فلسطينية مع 11 من أفراد أسرتها بعد قصف قوات الاحتلال لمنزلهم، وبقاء أربعة من أطفالها أحياء يعيشون الفاجعة والصدمة والخوف والرعب والجوع والظمأ، وكذلك أخبار العثور على جثة الطفل عمر البرادعي الذي استشهد وهو داخل سيارة الإسعاف بحي الشيخ عجلين في مدينة عزة، وكان عمر قد تطوع القيام بإرشاد رجال الإسعاف عن مكان استشهاد اثنين من المقاومين قصفتهم الطائرات الحربية بالقرب من منزله، وقبل وصول سيارة الإسعاف إلى المكان قامت قوات الاحتلال بقصفها لتقتل الثلاثة. وقد تم العثور على جثث المسعفين ولم يعثر على جثة الطفل عمر إلا بعد ثلاثة أيام، فقد طارت جثته الطاهرة إلى مكان بعيد وعثرت عليها مجموعة من النسوة ملقاة هناك على الأرض.

كثيرة القصص الإنسانية التي تدمي القلوب والتي لا يصل إليها أحد. خلال أيام الحصار والتدمير. اتصل بي صحافي إسرائيلي متدين " حريدي" ويعمل في صحيفة للمتدينين اليهود "الحريديم"، وأخبرني أن رئيس التحرير في الصحيفة طلب منه الاتصال بي ومعرفة ما يدور في غزة.

أنا لا اعرف هذا الصحافي ولم يسبق لي أن تحدثت مع يهودي حريدي. سألني لماذا تقوم حماس بإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية وهي تقتل الإسرائيليين ومن حق الجيش الدفاع عن مواطنيها، فقلت له إن السبب وراء كل ذلك هو الاحتلال، فرد باستغراب ماذا يعني الاحتلال فسألته ألا تعرف ماذا يعني احتلال؟ فتدارك، وقال: إن جمهور الصحيفة هم من المتدينين الحريديم ولا يعلمون ماذا يدور في غزة، ولا ماذا يعني احتلال، فقلت له ببساطة الاحتلال يعني " أن شخصا يتحكم بك ويسلبك إرادتك ويقوم بإكراهك على الالتزام بالقوانين العسكرية الإسرائيلية".

قصص العدوان والمذبحة التي مازالت مستمرة كثيرة، ومنها القتل خاصة الأطفال والنساء داخل منازلهم، ومقتل ثلاثة أطفال لا يتجاوز أكبرهم الست سنوات.. قتلوا بالرصاص وعن قرب من قبل جنود القتل، وقصص عائلة السموني والداية في حي الزيتون بمدينة غزة، وقصة الطفلة التي لم يتعد عمرها شهورا معدودة أصيبت بعيار ناري في الصدر عن قرب وهي في حضن والدتها اخترق صدرها وخرج من الظهر، ودخل في صدر والدتها وخرج من الظهر وبقيت الطفلة في حضن والدتها ترضع وما تزال الاثنتان على قيد الحياة.

الخوف والقلق والرعب، والصمود الأسطوري، لم افهم كغيري بعد كل هذا التناقض، الذبح والقتل يدفع الناس للالتفاف حول حماس، أو في أسوأ الأحوال التعاطف معها، والمعارك التي تخوضها المقاومة وحجم الخسائر في صفوفهم بسيطة حتى الآن وقوات الجيش تجد صعوبة في الوصول إليها.

وهذا ما تحدث به المراسلون العسكريون الإسرائيليون، فعندما سألت مراسلة الإذاعة العبرية عن التخوفات لدى قيادة الجيش في الجبهة الجنوبية المتمركزة حول مدينة غزة، أجابت أن الجيش يتحرك ببطء وحذر في منطقة ضبابية، مليئة بالأنفاق والعبوات الناسفة والأنفاق تستخدم لخروج المقاتلين الذين يفاجئون الجنود الخائفين من القتل والاختطاف، والمنازل المفخخة، والقذائف الصاروخية والقناصة الذين يطلقون النار من كل مكان. وما يخيف ويرعب قيادة الجيش هو الاختطاف، وهذا يشكل هاجس لقيادة الجيش والضباط والجنود حيث قام ويقوم المقاتلون الفلسطينيون بعدد كبير من المحاولات.

في اليوم الثالث عشر للعدوان عقد مجلس الأمن لاتخاذ قرار لوقف إطلاق النار، ومن كان من المعترضين والذين حاولوا التعديل في نص القرار أكثر من غيرهم وحاولوا التأجيل هم "أصدقاؤنا الفرنسيون"، والذين طرحوا مبادرة للحل أساسها أمني وتأخذ مصالح إسرائيل وحماية مواطنيها كما عبر عن ذلك "ساركوزي"، واتضح موقفهم المنحاز مئة بالمائة لدولة الاحتلال، وفي اليوم ذاته وصل قائد الجيش رئيس هيئة الأركان" غابي أشكنازي" إلى أرض المعركة، واعتبر ذلك تعبيرا عن الأخذ بتوصيات لجنة "فينوغراد".

وفي اليوم الثالث عشر اعترف الجيش الإسرائيلي بان عدد الجنود الإسرائيليين القتلى في المعارك هو 10 وإصابة نحو 100 منهم 7 في حال الخطر الشديد جدا، واعتراف بعض المراسلين والمحللين الإسرائيليين الذين كنا نسمعهم ونشاهدهم على شاشات التلفزيون والإذاعة يقولون بان إسرائيل حققت السيطرة على 73% من المناطق التي تطلق منها الصواريخ، وان كثيرا من الأهداف التي خرج الجيش من أجلها وتغيير الواقع الأمني في الجنوب قد تحقق.

في اليوم الثالث عشر اعترف هؤلاء المراسلون أن إسرائيل لم تحقق أيا من أهدافها التي خرجت من أجلها، وهم لا يفهمون كيف سوف تلتزم بتنفيذ وقف إطلاق النار بعد أسبوعين من العملية العسكرية وهم لم يحققوا أي شيء سوى قتل المدنيين، وبدأوا الحديث عن تهريب الأسلحة والتصدي لتهريب الأسلحة عبر الأنفاق التي لم تنجح دولة القتل في القضاء عليها، وان حماس وفصائل المقاومة استغلت التهدئة لتهريب السلاح والتدريب، وتحدثوا عن الخلافات بين رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية ووزير الدفاع والذي ظهر التنافس الانتخابي ظاهرا بصورة واضحة في العدوان على غزة.

في اليوم الثالث عشر للعدوان وصلت رسالة نصية عبر الجوال أن سلام فياض سيتحدث عبر قناة العربية عن آخر التطورات. لا اعلم بعد 13 يوما خرج للحديث وعن أي شيء سوف يتحدث.

في اليم الثالث عشر والصمود الأسطوري وصمود المقاومين، استشهد الصحافي إيهاب الوحيدي في شقته التي لا تبعد عن مكان سكناي سوى 50 مترا، فتغلبت على خوفي وخوف زوجتي وأولادي طوال 13 يوما واستطعت الكتابة.

يبدو أن خوف وفشل الجنود، واستعجال المستوى السياسي في إسرائيل لتحقيق نتائج باي ثمن، وتواطؤ المجتمع الإسرائيلي، ومعه المجتمع الدولي، وضعف قدرة القيادة التقليدية الرسمية والنظام العربي على القيام بتحرك ذي معنى، كلها تترجم بشكل واحد على الأرض: قتل المدنيين بلا رحمة. فهل من مهمة أسهل؟

لم يتسن للكثيرين من البشر في أنحاء العالم مشاهدة المحارق التي ارتكبتها النازية لبعض اليهود في أوربا، ومع كل تلك الادعاءات، الدولة العبرية اتخذت قرارا جماعيا بقتل الفلسطينيين في قطاع غزة وأمام أعين العالم وبالبث المباشر من خلال الكاميرات التي تبث صور القتل والقصف الجوي والبري والبحري لكل شيء في قطاع غزة.

المجموع اليهودي في إسرائيل موحد خلف القيادة السياسية يطالب باستمرار العدوان وقتل الفلسطينيين، قرار القتل الجماعي بذريعة الدفاع عن حياتهم، بحجة القضاء على الصواريخ الفلسطينية ليعيشوا هم عل حساب شعب آخر، الكل تجند للتحريض على قتل الفلسطينيين.

التحريض عل قتل الفلسطينيين لم يأت مع بدء العملية المسماة الرصاص المنهمر، بل ليس الآن ولا العام الماضي، وترافق ذلك مع حملة إعلامية كبيرة قامت عن قرب العملية العسكرية الكبيرة والواسعة على قطاع غزة. وتقوم بها وسائل الإعلام الإسرائيلية خاصة المراسلين العسكريين الذين يحرضون بشكل كثيف ومخيف على ضرب الفلسطينيين بقسوة. والمتابع لوسائل الإعلام الإسرائيلية خاصة المسموعة والمرئية منها يشعر الحقد والكراهية والعنف والكذب بداخل معظم الصحافيين الإسرائيليين الذين توحدوا جميعا من اجل قتل الفلسطينيين وبث الكذب والتحريض والإشاعات حول الفلسطينيين وفصائل المقاومة وضعفها وانفضاض الفلسطينيين من حولها.

وتجند الكل للتعتيم والكذب ومنع وصول أي معلومة للجمهور الإسرائيلي حول المذابح التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل قطاع غزة ضد المدنيين الفلسطينيين.

وها هي العملية العسكرية البربرية التي بدأت منذ السابع والعشرين من ديسمبر ( كانون أول) 2008، بالضربات الجوية القوية والمفاجئة، والتي لم تحقق سوى القتل للمدنيين، وقصف مقرات قصفت مرات عديدة ومنازل المدنيين الآمنين، كل ذلك للضغط على الفلسطينيين وإخافتهم وللوصول بهم للركوع على أطرافهم الأربعة والطلب منهم رفع الراية البيضاء، إلا إن الفلسطينيين في القطاع برغم الدم النازف والقتل المستمر بحقهم ما زالوا يسطرون أسمى معاني العزة والكرامة بصمودهم ووحدتهم وصبرهم وثقتهم بان النصر قريب.

قصص كثيرة تدمي القلوب من قتل وذبح، وفي داخل كل بيت وعائلة فلسطينية معاناة وقلق وخوف وما زال الفلسطينيون يرفضون الركوع أو الصراخ لوقف المذبحة ومستعدون للاستمرار حتى النهاية، القتل مستمر ويخرج علينا من بيننا من يحمل حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن المذابح المستمرة بحق الفلسطينيين، ونسوا أنهم أجمعوا على إعادة النظر في التهدئة وعدم تجديدها بالشروط التي كانت قائمة عليها، وكأن الدولة العبرية بريئة مما كانت تجهز له ليس فقط بسبب التنافس الانتخابي بل التصريحات الصريحة التي خرجت عن قادة القتل، والإرهاب في دولة القتل أنهم استغلوا التهدئة للاستمرار في التدريب والاستعداد للمذبحة الدائرة الآن في القطاع، لردع الفلسطينيين وقتلهم.

تهرب الكلمات في وصف المذبحة والقتل المستمر ولا يوجد وصف لهذه الدولة المارقة إلا أنها دولة تعيش على القتل ورؤية الدماء تتدفق من الفلسطينيين الذين صمموا على ري ثرى غزة بدمائهم الطاهرة نصرة للمقاومة والدفاع عن أنفسهم وقضيتهم ومشروعهم الوطني.

المذبحة مستمرة والصمود الفلسطيني يحرج كل أولئك المتخاذلين والصامتين والمشاركين في المذبحة في كل بقعة من بقاع الأرض، خاصة الأنظمة العربية التي لم يعول عليها الفلسطينيون في أي يوم من الأيام أو في أي معركة من معارك الدفاع عن أنفسهم سواء في نكبتهم الأولى أو في حصار بيروت أو الانتفاضة الأولى أو الثانية والمجازر والمذابح التي ارتكبتها ولا تزال دولة القتل ترتكبها.

مظاهرات التضامن والتأييد في أنحاء العالم والوطن العربي عبرت عن مدى الحنق والغضب ضد استمرار المذبحة، والتضامن والاحتجاج ساد جميع مدن العالم، أما دولة رام الله فهي ما زالت لا تعلم أن القطاع يتعرض لمذبحة، ولم يستطيع أهلها حتى الآن تنظيم صفوفهم بالخروج بمسيرة تأييد أو احتجاج ضد المذبحة.

فالتحية لكل أولئك الذين تضامنوا واحتجوا وساندوا الفلسطينيين أو أولئك الذين يعبرون عن تضامنهم بالاتصال هاتفيا، خاصة أولئك الفلسطينيين من الجزء الغالي من فلسطين عرب 48، والذين لم يتوقفوا دقيقة واحدة عن الاحتجاج والتظاهر والتضامن، وما تقوم به دولة الاحتلال والشرطة التابعة لها من قمع للفلسطينيين واعتقال المئات منهم ودخول الشرطة إلى الجامعات الإسرائيلية، فقط من اجل منع الطلاب العرب من التظاهر.

مع كل ذلك تختزل دولة القتل والبعض من الدول العربية العدوان والمذبحة والحصار وإغلاق المعابر بقضية الحدود مع مصر وتهريب السلاح، وكأنها القضية المركزية، ونسوا العدوان والاحتلال المستمر وهو السبب الرئيس في كل ما يجري من مصائب للفلسطينيين.

التحية كل التحية للشهداء والجرحى والفلسطينيين الصامدين والرافضين لرفع الراية البيضاء ولن يرفعوها وسوف يستمرون في المقاومة والصمود والدفاع عن أنفسهم وأرضهم وقضيتهم، والتحية للأبطال المقاومين من جميع الفصائل الفلسطينية الذين سطروا البطولات في مقاومة الاحتلال وجنوده، والتي يجب أن تكون فرصة للوحدة والعودة عن حال الانقسام وبناء ما تم تدميره الاحتلال.

التعليقات