31/10/2010 - 11:02

بين التجميد و "الميوعة" الاستيطان يدفن السلام!../ نزار السهلي*

بين التجميد و
هناك ثمة مخاطر تحيط بالوضعين الفلسطيني والعربي في مواجهة استحقاقات العملية السلمية التي تنشط الأطراف العربية والدولية لإعادة إحيائها مجددا مع وصول حكومة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل بتشكيلة عنصرية، وأكثر يمينية تقود إلى دفن العملية السلمية بعد قتلها بوابل الاعتداءات المتكررة والمتواصلة منذ مدريد إلى يومنا هذا.

قبل عقدين انطلقت عملية السلام في مدريد لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، وتعاقبت على إسرائيل حكومات العمل والليكود التي تتفق ضمنا بمصادرة المزيد من أراضي الفلسطينيين، وبناء المزيد من الكتل الاستيطانية في حدود عام 1967 التي بلغ عددها منذ مدريد إلى اليوم أكثر من 200 كتلة استيطانية، تأوي 250 ألف مستوطن، مما رفع عدد المستوطنين في أراضي الضفة الغربية إلى نحو 300 ألف مستوطن مقارنة بعددهم بداية الثمانينات من القرن الماضي ب 30 ألف مستوطن.

واستنادا إلى إحصاءات محلية فلسطينية فإن نسبة الاستيطان في السنوات الأخيرة تضاعفت إلى 58 % ومع وصول أيهود أولمرت إلى السلطة في إسرائيل واستئناف جولات المفاوضات مع الجانب الفلسطيني كانت وتيرة الاستيطان تستعر فوق الأرض الفلسطينية التي ضاعفت من معاناة الشعب الفلسطيني فوق أرضه. زد على ذلك ما فعله الجدار العازل الذي قطع أوصال المدن والبلدات الفلسطينية، وصادرت معه سلطات الاحتلال آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين مع الإبقاء على سياسة الحصار والعدوان التي شملت كل نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية التي تدمر مقدرات "الدولة" الفلسطينية التي ينادي بها المجتمع الدولي أساساً لحل الصراع في المنطقة.

الدعوات التي يطلقها المجتمع الدولي لإسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني، ومطالبة الولايات المتحدة أيضاً لإسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، مع دعوة الرباعية الدولية ومجموعة الثماني للهدف ذاته، كلها لن تؤدي لوقف أو تجميد الاستيطان الذي شكل عقيدة صهيونية لنشر الاستيطان في الأرض الفلسطينية مع كشف إسرائيل كل يوم عن مخططات جديدة لبناء المزيد من المستوطنات وقتل الآمال الفلسطينية في انجاز دولة قابلة للحياة والتواصل الجغرافي فوق الأرض الفلسطينية.

وتلك الدعوات التي تتسم بالميوعة السياسية المترافقة مع ميوعة عربية وفلسطينية لن تجبر إسرائيل على وقف اعتداءاتها طالما أخذت طابع الدعوة ورفض الدعوة بدل المطالبة بتفكيك الكتل الاستيطانية ورفع سقف المطالب الفلسطينية إلى مرتبة التفكيك الملزم للمستوطنات وانسحاب إسرائيل إلى ما وراء خط الرابع من حزيران 67 كأساس للعودة لطاولة المفاوضات.

ورفع سقف المطلب الفلسطيني إلى هذا الحد يتطلب جهداً عربياً وفلسطينياً ودوليا بالضغط على إسرائيل وعدم إرسال مؤشرات الميوعة السياسية التي تعطي لإسرائيل من ورائها الحق لنفسها بالمضي قدما في سياسة التهويد والاستيطان التي تبتلع في جوفها " كذبة " الدولة الموعودة التي قد يسمح نتنياهو وليبرمان وباراك بتسميتها للفلسطينيين وتسويقها كذبة التجميد للاستيطان ريثما يحين الانقضاض على أكبر كمية من الأراضي لا تسمح سوى بقيام كيان هزيل ممزق يستطيع أن يشير إليه نتنياهو بخطابه عن عطائه الفريد السماح للفلسطينيين بقيام كيان تستطيع إسرائيل أن تحيك تفاصيل ولادته.

كل الاتفاقات التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل بما في ذلك خارطة الطريق وشروط الرباعية تنادي بوقف النشاط الاستيطاني. فمنذ كامب ديفيد وصفت الإدارة الأمريكية في عهد كارتر المستوطنات بأنها غير شرعية، والاتحاد الأوربي وصفها بأنها مخالفة للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف، وانحدرت اللهجة والمطالبة الدولية مع انحدار المطالب الفلسطينية وخفض شروط المفاوضات إلى وصفها إنها عامل غير مساعد في مساعي السلام إلى لهجة "عقبة" أمام السلام والتمسك بالخيار العربي للسلام.

تلك السياسة التي انتهجتها إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية بنشر الاستيطان هدفها الواضح السيطرة على الأرض والتوسع على حساب أصحابها التاريخيين وخفض سقف المطالب الفلسطينية والعربية عبر إتباع سياسة الكذب والمراوغة. والخطورة التي تحيط بهكذا سياسات هي التماهي من بعض الأطراف الفلسطينية والعربية مع ما تطلقه إسرائيل من دعوات لتطبيع العلاقات معها مقابل التجميد المؤقت لسرقة الأرض والسماح بما اغتصبت أمس واليوم، وإعطاء الفرصة لسلب ما أمكن من الأرض في المستقبل.

وليس غريبا أن تتصدر قضية الاستيطان مجددا واجهة الاهتمام مع برنامج الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي لم تر في المواقف العربية والفلسطينية سوى الميوعة التي تسهم في طرد سكان القدس ومصادرة أراضيها وهدم بيوتهم وممارسة العدوان على الشعب الفلسطيني والتعنت والغطرسة والاستيطان.

والسؤال إلى متى سيبقى الموقف الفلسطيني والعربي والدولي لا حول ولا قوة له سوى التنديد اللفظي والشجب المستمر منذ 61 عاما على اغتصاب فلسطين عاجزا حائرا أمام العدوان بعد أن افلت من بين يديه سلاح وحدته وقوة حقوقه وتراجع عدالة قضيته بسبب عجز مواقفه في مواجهة الخطر الصهيوني المتنامي يوما بعد يوم، لتشكل قضية الاستيطان من جديد التحدي الأبرز على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي، وهذا يتطلب تغيير لغة الخطاب نحو المجتمع الدولي، واستبدال مفردات التجميد الكلي للاستيطان بنسف كلي للكتل الاستيطانية، والمطالبة بالانسحاب الكامل لقطعان المستوطنين من الأراضي الفلسطينية والسورية، وعدم القبول لا بالنمو الطبيعي ولا بغير الطبيعي، طالما أن وجودها بالأساس غير طبيعي واستعماري يهدف إلى دفن ما تبقى من سلام بعد أن أطلقت عليه إسرائيل عدوانها دون رحمة.

التعليقات